لويد أوستن وزير دفاع استثنائي قادم من الأقلية الأمريكية-الأفريقية لمواجهة ملفات استثنائية

2021-01-27

حسين مجدوبي

صادق مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الأسبوع على تعيين الجنرال المتقاعد لويد أوستن وزيرا للدفاع في حكومة الرئيس الجديد الديمقراطي جو بايدن. وهو أول جنرال ينتمي إلى الأمريكيين من أصل أفريقي. وينتظر مسؤول البنتاغون الجديد الكثير من العمل والتحديات بترميم ما “يعرف بالغرب العسكري” والتخطيط لقوة الردع ضد روسيا والصين علاوة على تطوير الترسانة العسكرية للبلاد.

واستأثر تعيين الجنرال المتقاعد باهتمام الرأي العام الأمريكي والدولي، واعتبر الكثيرون تعيينه تكريما للأقلية السوداء بعد الظلم الذي شعرت به بعد مقتل جورج فلويد في ولاية مينيسوتا على يد الشرطة في جريمة شنعاء، وما ترتب عن ذلك من مواجهات هزت الشارع الأمريكي برمته. وكانت من الأسباب التي ساهمت في تراجع شعبية الرئيس السابق دونالد ترامب.

في الوقت ذاته، يعتبر هذا التعيين استكمالا لتعيين في آخر منصب لم يتولاه الأمريكيون السود حتى الآن، وهو رئاسة البنتاغون، وذلك بعدما شغلوا مناصب قيادة مثل رئاسة البلاد مع الرئيس باراك أوباما، ومنصب نائب الرئيس مع السياسية الحالية كمالا هاريس ثم منصب وزير الخارجية مع كولن باول ومنصب مستشارة الأمن القومي مع سوزان رايس وكونداليزا رايس. وبالتالي، مزيدا من إدماج للأقلية السوداء في مؤسسات الدولة بحكم أنه أول فرد من الأقلية السوداء يتولى هذا المنصب.

ويواجه وزير الدفاع الجديد تحديات كبرى وأجندة شائكة للغاية. وهذا الجنرال الذي يعد سادس أمريكي من أصل أفريقي يصل إلى مرتبة “جنرال بأربعة نجوم” هو عسكري الميدان، فقد حارب في العراق وأفغانستان، ويدرك جيدا متطلبات الجيش والأمن القومي. واعتاد الجنود الترحيب بوزير دفاع من صفوفهم بدل تولي المدنيين المنصب. وتتجلى الأجندة المستقبلية في النقاط الرئيسية التالية: تعزيز وحدة الجيش الأمريكي وعدم تأثره بالسياسة، إعادة بناء الغرب العسكري، تطوير الترسانة العسكرية الأمريكية وأخيرا الانتشار العسكري في العالم.

وحدة الجيش الأمريكي: مر الجيش الأمريكي بهزات حقيقية خلال إدارة ترامب وعلى رأسها الاحتجاجات التي تلت مقتل جورج فلويد خلال ايار/مايو الماضي ثم معارضة دونالد ترامب لنتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت خلال تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. وعمل ترامب على إحياء تفوق البيض في الولايات المتحدة. وانتبه قادة الجيش إلى خطورة هذا الطرح على صفوف الجنود، مما جعل قادة الجيش سواء قائد القوات العسكرية مارك ميلي أو وزراء دفاع سابقين مثل جيم ماتيس إلى التنديد بسياسة ترامب التي تهدد وحدة البلاد ووحدة المؤسسة العسكرية. وخلال المراسيم التي سبقت تنصيب جو بايدن رئيسا للبلاد، وجهت قياد الجيش نداء إلى وحدة الجيش وعدم الانجرار وراء دعوات التفرقة بل خدمة الشعب الأمريكي. وكان هذا البيان سابقة في الحياة العسكرية بعد الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد في ستينيات القرن التاسع عشر.

ويمر الجيش الأمريكي من فترة مفصلية الآن، ويرى المختصون في الشؤون العسكرية الأمريكية ضرورة تبني وزير الدفاع الجديد سياسة نضج كبيرة للقضاء على نزعة التفوق العرقي وسط الجيش والذي ساد كثيرا.

لويد أوستن - ويكيبيديا

بناء وحدة الغرب العسكرية: وعلى شاكلة التصدع الذي تعرض له المجتمع الأمريكي ونسبيا المؤسسة العسكرية، تدهورت العلاقة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية على خلفية مشاريع الدفاع. ويحتاج البنتاغون إلى جهد حقيقي لإعادة بناء هذه الثقة. وتميزت فترة دونالد ترامب بهيمنة تصور يدافع عنه حتى بعض قادة الجيش سابقا يتجلى في إجبار الحكومات الأوروبية على الرفع من ميزانية الدفاع إلى 2 في المئة من الناتج القومي الخام لكي تطور سلاحها وترفع من جاهزيتها العسكرية. كما تميزت بتقرب واشنطن من موسكو والاعتقاد في اعتبارها حليفا ضد الصين مستقبلا. ولم يقبل الأوروبيون نهائيا بهذا التصور، فهم يعانون من الضغط العسكري الروسي ويرون استحالة جلب تعاطف موسكو، ويعتقدون في الوقت ذاته أنه بدل الرفع من ميزانية الدفاع من الأحسن عمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز تصوره للدفاع باستقلالية عن الولايات المتحدة، وهذا يعني بدء تدهور الحلف الأطلسي.

ورغم الترحيب الأوروبي بفوز بايدن، تستمر الأصوات في القارة العجوز في الدفاع عن استقلالية القرار العسكري لاسيما في ظل تغلغل الفكر الترامبي في مؤسسات الدولة الأمريكية واحتمال عودة ترامب سنة 2024 لرئاسة البلاد أو سياسي يتبنى أفكاره. ومن ضمن مخلفات ترامب، قرار الاتحاد الأوروبي تخصيص ميزانية ضخمة للبحث العلمي في مجال الصناعة العسكرية.

تطوير الترسانة العسكرية: تعتبر الولايات المتحدة الأولى عسكريا في العالم بفضل سلاحها النووي وسلاحها غير النووي من حاملات طائرات ومقاتلات وأنظمة صاروخية للاعتراض. لكنها بدأت تفقد الرهان خلال السنوات الأخيرة بفضل القفزة النوعية للصناعة العسكرية الصينية ثم الروسية أساسا. وتفيد عدد من تقارير اللجنة العسكرية في الكونغرس إلى التقدم الذي تحققه الصين وروسيا في مجال الصواريخ الباليستية وأنظمة الدفاع الصاروخي ثم المقاتلات الحربية مثل سوخوي 57 الروسية. وكانت مجلة “مليتاري واتش” قد كشفت في عدد من تقاريرها عن القلق الأمريكي. ومن مؤشرات هذا القلق كيف تهدد واشنطن عددا من الدول في حالة اقتنائها سلاحا روسيا متطورا مثل منظومة إس 400 المضادة للطائرات والصواريخ. ويدرك البنتاغون أنه كلما اقتنت دول مثل هذا السلاح يقلص من قوة الردع الأمريكية والغربية بسبب قوته في اعتراض المقاتلات وكذلك الصواريخ. ولهذا، يتوجه البنتاغون إلى تطوير الصناعة العسكرية لتجاوز قوة الصناعة الروسية والصينية سواء لتعزيز قوة الردع أو تحقيق النصر في أي مواجهة. وتشير معطيات الواقع العسكري صعوبة تحقيق واشنطن لهذا الهدف العسكري نظرا للقوة التي اكتسبتها الصناعة العسكرية للبلدين، وكل ما ستحافظ عليه هو نوع من الردع لنفسها ولحلفائها على شاكلة السلاح النووي.

ولعل التحدي الكبير الذي سيواجه الإدارة الجديدة للبنتاغون تحت قيادة وزير الدفاع الجديد هو تطوير القوات الفضائية أو ما يصطلح عليه “عسكرة الفضاء”. وكان الرئيس ترامب قد أعلن إنشاء هذا الفرع العسكري الجديد يوم 29 آب/اغسطس 2019 وقال وقتها “هي لحظة تاريخية، هو يوم تاريخي، يؤكد على أن الفضاء هو مركزي في الأمن الوطني والدفاع عن الولايات المتحدة”. وقوات الفضاء تختلف عن القوات الجوية الكلاسيكية، فمن مهامها حماية الأقمار الاصطناعية من التدمير بعدما اكتسبت الصين وروسيا القدرة على ذلك، ثم التحكم في الفضاء على شاكلة التحكم في المياه الدولية بسبب الأسطول الحربي المكون من مدمرات وحاملات الطائرات ومئات السفن العسكرية الأخرى.

إعادة الانتشار في العالم: تتغير الأجندة العسكرية للقوى الكبرى وفق التغيرات الدولية. وتشهد الآن بداية تغيير حقيقي بسبب عودة روسيا إلى قوتها بعد الانهيار الذي سجلته في أعقاب سقوط جدار برلين وتفكك المعسكر الشرقي، ثم بزوغ نجم الصين خاصة هذه الأخيرة التي تهدف إلى ريادة العالم وإزالة الولايات المتحدة عن العرش. وتعد الصين تحديا عسكريا حقيقيا للبنتاغون بفضل امتلاكها للتطور العسكري الدقيق ثم القوة الاقتصادية لتمويل نفوذها في شتى بقاع العالم. وهذا يترجم عسكريا، بالبحث عن حلفاء وشركاء علاوة على إقامة قواعد عسكرية خارج التراب الصيني. وإقامة بكين لقاعدة عسكرية في القرن الأفريقي ثم المشاركة في مناورات عسكرية في مناطق مثل البحر الأبيض المتوسط وزيارات سلاحها البحري لدول في أمريكا اللاتينية كلها مؤشرات تؤكد نوعية خريطة الطريق التي تتبناها. وتهدف الاستراتيجية العسكرية الأمريكية إلى احتواء أعداء مزعجين مثل إيران وتفادي سقوط دول ذات موقع استراتيجي في فلك الصين وروسيا.

كل هذه الملفات والتحديات هي استثنائية وتصادفت مع وزير دفاع استثنائي القادم لأول مرة من صفوف الأقلية الأمريكية-الأفريقية.









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي