لا أحد يسمع زهرة الخشخاش

2021-01-18

عبد الجواد العوفير *


سماء

لماذا السماء بعيدة
وقريبة،
لماذا يدي بعيدة
وقريبة،
كيف تهاجر الطيور وحيدة،
كيف يطلع الحنين كدخان؟
أجلس في مقهى بسيط،
أفكر في الذكريات البسيطة،
وفي هذا الحنين الذي يهاجمني في الليل.
أفكر كم هي يدي قريبة،
كم هي بعيدة.
أفكر في السماء،
كم هي بعيدة،
كم هي قريبة.

زرعنا كلمات

في باحة البيت زرعنا كلمات صغيرة،
تمنينا أن تكبر، تكبر، تكبر…
اليوم نحن نكبر بلا كلمات،
لغة في كل مكان،
لكن كلماتنا لم تكبر كما كبرنا.
نخترع كلمات لنمشي فوقها،
نحلم بها في ابتسامة امرأة عابرة.
كل ليلة، نحضن لغة لا توجد،
ونبكي.

جنود يحرسون الهواء

الجنود الذين يحرسون الهواء في الثكنات،
الجنود الذين تنحسر حروبهم في تعقب عيون الحبيبة،
في مساعدة الغيوم على المطر،
في قيادة برق صغير ليخفق قرب نافذة بعيدة.
الجنود الذين لم يتبق لهم شيء إلا الهواء.
الجنود الغارقون في حروب وهمية صغيرة،
والذي تعني لهم الخيبات النصر العظيم.
الذين ينظرون للسماء كأم عطوف.
الجنود الذين يمرون خفافا في الشفق،
كي لا يزعجوا نومنا الهائل.
***

أتدلى من حلم

أفكر في الفراشة التي مرت
وأزهرت بعدها شجرة الليمون
هل للمرور وقع في قلب الشجرة،
هل الأجنحة تضرب بعيدا في عمقها،
أيمكن لجميلة ان تجعل أرواحنا أكثر جاذبية؟
…..

الأيادي التي تخرج من الظلام وتعود
هي التي نسميها أما وأبا وإخوة.
…..

أفكر أيضا في هذا الزنجي الصغير،
الذي يبكي بلا سبب،
ربما بأسباب كثيرة كأجنحة تختفي في العتمة.
…..

أتأمل الأيادي التي تعانق،
والتي تمسح السماء بمنشفة كل يوم.
…..
يدهشني انحناء ظهر عجوز،
تحمل الشمس كل يوم في الأسواق.
….
قدماي تتدليان من الحلم
يد تمسك، وأخرى تدفع
***

أسمع بعيدا

أسمع القلب يقفز،
ويبحث في العتمة عن فراشة،
برقا صغيرا، يخفق قرب النافذة،
ثم يتظاهر بالنعاس.
أسمع صائدي الليل،
وهم يركضون خلفه،
بسلال صغيرة.
أسمع بكاء الغيوم،
طرفة بن العبد،
وهو يكتب قصيدة طويلة
عن الهواء.
أسمع كلاما كثيرا يتداخل،
عراكا لا ينتهي.
أسمع أياد تتشابك،
وأخرى تنتحر.
أسمع القلب يقفز،
وينظر بعيدا.

جندي أمام مرآة
بدل أن يرى الجندي وجهه في المرآة،
يرى حروبا صغيرة تتشابك.
يلمس أنفه،
يرى ذلك الكوخ الصغير في الغابة،
الذي صوب بندقيته نحوه،
فطلعت منه روائح طعام أمه.
يلمس شعره،
فيرى أصابع فتاة من الخندق الآخر.
يلمس أذنيه،
فيطلع صوت صراخ،
وكلمة حب لم تكتمل.
يلمس المرآة،
فتلمس يد يده.

***
نجمة، ووردة

قالت النجمة، للوردة
نريد أن نكبر
…..
نريد أن نعبر النهر
في حلم خريفي بارد
….
نريد طفلا يركض
في حلمنا ولا يصل
….
نريد ليلا طويلا
حيث أميرة تغير ملابسها
ونحن ننظر.
***

موسيقى تسقط

هذا المساء أتذكر
أني سقطت من الشرفة،
أتذكر الرائحة الأخيرة لزهرة الخشخاش،
أتذكر يد الموسيقى التي دفعتني،
موسيقى على شكل امرأة.
لكن كيف مشيت الآن في الغرفة،
وكيف رأيت كل هذا،
كيف رأيت موتي الصغير وهو يزهر؟
…..

عمال يحفرون في حديقة البيت،
أخبرهم الجار أن جسما هائلا يوجد.
….
هل تحدث الوحدة صخبا وهي تسقط،
هل حينما يسقط رجل وحيد تسقط الشمس؟

…..

أتذكر حينما لمست جسد الموسيقى.
أتذكر موسيقى تسقط من الشرفة.

***

طائر لا يوجد

ريشه أصفر، ربما له لون الندم.
يقوم بحركات غريبة حينما يندفع من النافذة،
نحو سماء لا نراها.
كلما مرّ على شجرة صار لها اسم ومعنى،
أسمع تحليقه في صوت المطر.
هكذا أصفه من دون أن تكون له صفة،
وأحلم به طويلا كي يحلق من جديد.
***

أشجار عالية

أحلم بأشجار عالية،
وبسماء أكثر انخفاضا،
حيث أستطيع أن أسرقها،
وأركض بها في الأزقة.
لكن رياح ديسمبر،
تحمل فقط أوراقا،
وبقايا سموات.
هكذا حلمت فتاة صغيرة وهي تمسك زهرة.
الٱن اسمع خطوها،
أسمع هواء صغيرا يهمس.

***

امرأة تسيقظ

لأن تأمل امرأة جميلة تستيقظ كل صباح،
هو أمر نادر،
فعلينا تخيل ذلك،
ونحن غارقون في مناجم،
نبحث عن ماسة وحيدة.
ونحن نقود قطعانا،
متسلقين جبلا،
أو نطلق أفكارنا كدخان.
ونحن نحلم، أو نخلق أحلاما،
علينا تخيل ذلك على الدوام،
امرأة شفيفة،
تفتح عينيها بصعوبة.

***

رقصة طائر البلشون

أقف على أطراف أصابعي،
مقلدا راقصة الباليه،
أو طائر بلشون،
مرّ سريعا من النافذة.
وأنا أغرق..
أسمع في ذاكرتي،
أصوات رجال يحاولون إنقادي،
أصابع سوداء تمتد.
وأنا أغرق..
أتذكر سريعا،
أطفال الحي،
صوت أمي،
سكينة الصباح،
راقصة الباليه،
خفق طائر البلشون.

***

عجوز تشبه أغنية

العجوز لم تصدق نهاية الحلم،
لمست يدي،
ومشينا تحت مطر خفيف
أخبرتني أنني خلقت
لأكون شجرة بيلسان عظيمة،
أو زهرة في جبين الله.
العجوز التي تأتي
مرة على شكل طائر،
ومرة على شكل غناء.

***

غناء تحت غيمة

أصدقاء يمشون تحت غيمة
ويغنون
هل ثمة يد تحمل الغيمة
وتعصرها،
هل الغناء الطالع
هو من يُرقِص الغيمة؟
الأصدقاء الذي يمشون، ويغنون،
يعرفون فقط أن الغيمة جميلة،
وتمطر وابلا من المطر.

***
أتخفف من الحياة

أقرأ هذا الصباح،
أن عمالا سقطوا من مبنى شاهق.
هو نفس المكان الذي مررت به البارحة،
وشاهدت زهورا غريبة
…..
في المقهى أجاور ملائكة،
يتجادلون فكرة الموت والحياة،
وعن إمكانية رفع السماء قليلا،
أو خفضها قليلا.
وأنا أفكر في هواء يمر،
متخففا من الموت،
متخففا من الحياة.

***

يدي

يدي لم تعد تصلح للكتابة،
لا للقتل،
لا لذبح الشياه.
يدي التي تلمس الليل بحنو،
وتحلم بأشياء لا توجد.
يدي التي ترى امرأة جالسة لأيام في انتظار الحافلة،
التي ترى الصباح يمر مسرعا،
التي تشم أوراق أشجار بعيدة.
يدي لم تعد صالحة للكتابة،
صارت تبصر وتلمس.

***
ضربة حجر على الماء

رميت حجرا
إلى النهر.
لا نهر أمامي
لكنني أسمع ماء،
حفيف أشجار،
وقع أقدام.
ربما رأيته في حلم ما.
رأيت أيضا خيولا كثيرة،
كانت شبه نائمة،
شاهدت جنودا يصنعون حروبا صغيرة.
يمر الصباح ككل صباح
لكنني ما زلت أسمع
ضربة الحجر على الماء.

***
زهرة الخشخاش

لا أحد يسمع زهرة الخشخاش.
الكل يدخل قسرا إلى عزلة شاسعة،
نباتيون يتجادلون في الواتساب،
عن جدوى الأرض،
وعن إمكانية خلقها من جديد.
زنجي يقفز في الهواء،
ويرسم ثورة صغيرة.
عشاق يتبادلون القبل في الهواتف،
ويفتحون النوافذ النهار كله.
ريح يصفر بعيدا.
مطر يخبئ وجهه وينتحب.
لا أحد يسمع زهرة الخشخاش،
لا أحد
خش…
خش…
خش…


*شاعر ومترجم مغربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي