"نساء في غرفة فرجينيا وولف" دراسة نقدية تقارن بين كاتبتين استثنائيتين

2021-01-12

قليلات هن الكاتبات اللواتي كان لهن حضور فعلي بارز في مطلع القرن العشرين، ويعود ذلك إلى الهيمنة الذكورية على عوالم الثقافة والفن والنقد والفكر. لكنّ كاتبتين كل منهما في بيئة مختلفة، فيرجينيا وولف في إنجلترا ومي زيادة في القاهرة، نجحتا في اختراق البيئة الذكورية، غير أنه على الصعيد الشخصي كان مصيرهما المأساوي متشابها.

الكويت- تتقصى الباحثة الكويتية سعاد العنزي، أستاذة النقد الأدبي الحديث بجامعة الكويت، في كتابها الجديد “نساء في غرفة فرجينيا وولف” حياة اثنين من أشهر الكاتبات في ثقافة كل منهما، حيث تعتبر الإنجليزية فرجينيا وولف من أيقونات الأدب الإنجليزي والعالمي في القرن العشرين، أما مي زيادة فهي من أشهر المثقفات والأديبات العربيات في القرن نفسه.

المثير في الكتاب هو ما جمع وولف بزيادة، ليس على مستوى النص الأدبي، بل في ما عاشته كل منهما على الصعيد الشخصي، وهما اللتان توفيتا في نفس السنة وولدتا في نفس العقد، وكانت حياتهما متشابهة إلى حد كبير.

تقول العنزي إنها درست في هذا الكتاب حياة كل من فرجينيا وولف ومي زيادة ورؤيتهما النسوية المبكرة في نقد أدب المرأة، مشيرة إلى أنها لا تهدف من الدراسة التي يضمها الكتاب مناقشة جهود الحركات النسائية الغربية والعربية بشكل عام، بل تهدف إلى قراءة جهود ناقدتين تم تجاهل جهودهما النقدية في الوطن العربي لأسباب متعددة، منها ما يتعلق بذكورية الثقافة العربية، وما يتعلق بالاهتمامات النقدية للدارسين والمشتغلين في الدراسات الأدبية والنقدية.

دراسة مقارنة

في هذا الكتاب، الصادر عن دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع في دمشق، دراسة مقارنة بين فرجينيا وولف ومي زيادة على مستوى الحياة الشخصية والجهود النقدية النسوية المبكرة، إذ تلتقي زيادة بوولف في أكثر من جانب، منها معاناتهما الإنسانية، ورؤاهما النقدية النسوية المبكرة التي لم تجمع في سياق نقدي واحد.

وتوضح العنزي أن هذا الكتاب بدأ بتساؤل عن العلاقة التي من الممكن أن تجمع بين وولف وزيادة، وناقشت مقدمته بعضا من المناطق المشتركة بين الكاتبتين.

وتضيف “صحيح، أنهما تنتميان لنفس العصر وولدتا وتوفيتا في نفس السنوات، ولكن الأولى تنتمي لثقافة ولغة وفكر المستعمِر، فيما كانت زيادة تنتمي لواحدة من الشعوب المستعمَرة، ومع هذا، نجدهما ناهضتا الاستعمار بكافة أشكاله، أما على مستوى هويتهما الفردية فكانت نقاط الالتقاء كثيرة، أهمها الصدمة التي عاشتها كل منهما على اختلاف تفاصيلها والتي أدت إلى نتيجة واحدة هي الموت: انتحار فرجينيا وولف، وانعزال مي زيادة عن الفضاء العام وصولا إلى الموت وبالتالي انبثقت صدمتهما من قلب أنوثتهما”.

نهايات مأساوية
نغوص أكثر في الحياة الشخصية للكاتبتين، فقد كان الفصل الأخير غاية في القسوة في حياة زيادة، التي لقبوها بملكة دولة الإلهام، وفريدة العصر، ونادرة الدهر، إلى آخر ما منحوها من ألقاب، لكن زوجها الذي منحته قلبها ولجأت إليه في محنتها، شاء أن يكون لقبها الأخير “مجنونة”، ليقتل روحها التي تعلقت به.

كاتبتان ناهضتا الاستعمار بكافة أشكاله
عانت زيادة من خيانة زوجها لها مرتين، الأولى عندما تركها ليتزوج من فرنسية، والثانية حينما لجأت إليه شاكية ما بها بعد رحيل الأب والأم، فاستغل ثقتها وحصل منها على توكيل لإدارة أملاكها، لكنه استدرجها من القاهرة إلى بيروت واتهمها بالجنون وأودعها مستشفى للأمراض العقلية في لبنان، ليستولي على ممتلكاتها، وهو المكان الذي يعرف بـ”العصفورية” وهو المصح العقلي.

رغم أنها فتحت عالمها للكثير من المثقفين والأدباء والفنانين، وكانت قبلة القاصي والداني وساهمت بشكل كبير في بلورة حراك ثقافي هام مطلع القرن العشرين، فقد تعرضت زيادة إلى ظلم اجتماعي كبير، سواء من أصدقائها الذين تخلوا عنها أو من أهلها ما تسبب في عزلتها القاسية، إذ تآمرت عليها عائلتها وحتى الجماعة الثقافية باعتها، وبدا كأن الجنون الذي اتهموها به، جاء “ليرضي أعماق جماعة مريضة، لا ترى في المرأة إلا أداة متعة لا اعتبار وجوديا لها”.

تمكن الشاعر أمين الريحاني من إخراج زيادة من المستشفى، بعد ذلك ظلت فترة في ضيافته إلى أن أعادها إلى القاهرة، وبعد عام واحد من عودتها رحلت عام 1941، ولم يكن في وداعها إلا النزر القليل من الأصدقاء ورواد الصالون الذي أسسته، والذي كان أبرز صالون ثقافي عربي، وودعها ثلاثة فقط، هم أحمد لطفي السيد وخليل مطران وأنطوان الجميل، لتنتهي رحلة حياة وصفها الكاتب الجزائري واسيني الأعرج بأنها “جزء من حياتنا العربية المقهورة اليوم، ومطية لنكون شركاء في زمن بدأته هي وجيلها بعدها، بشجاعة وسط ذكورة متسلطة خربتها الحروب والهزائم والخيانات المتعاظمة، وأتممنا نحن كل البؤس المؤجل، بل مددناه أكثر بدلاً من كسره نهائياً ومنحناه كل سبل الاستمرار المتخلف والمتطرف أيضاً، لتصبح أجسادنا وقوده وجمره ثم رماده المثقل بصرخاتنا الأخيرة”.

سعاد العنزي درست في كتابها حياة كل من فرجينيا وولف ومي زيادة ورؤيتهما النسوية المبكرة في نقد أدب المرأة

أما فرجينيا وولف فقد كانت على مشارف الجنون ثلاث مرّات على الأقل، نتيجة لمعاناتها من الأصوات التي اعتادت على مطاردتها في صحوها. وعلى الرغم من أنها كانت عاجزة عن مواجهة هلوساتها، فقد ألزمت نفسها بإجراء احترازي، وهو اللجوء إلى الكتابة كلما انتابتها نوبة من نوبات الهلوسة.

وقد كانت هذه الأصوات تدفعها إلى محاولات الانتحار، ورغم أنها حاولت أن تجمع بين السخرية والصرامة والبذاءة، فقد أودت بها في النهاية بطريقة محزنة حين ألقت بنفسها في مياه نهر أوز.

بدأت وولف عام 1905 العمل ككاتبة محترفة. وبعد عام توفي شقيقها توبي بسبب إصابته بالحمى التيفية بعد رحلة عائلية إلى اليونان. بعد وفاة والدها قام آدريان وفانيسا ببيع منزل العائلة وشراء منزلٍ آخر في في لندن. وخلال هذه الفترة التقت الكاتبة بعدة كتاب ومثقفين وفنانين مثل الناقد الفني كلايف بيل والروائي إي.أم فورستر وكاتب السيرة الذاتية ليتون ستراتشي وعالم الاقتصاد جون مينارد كينز، وكانوا في مجموعة لاقت شهرة كبيرة. لكن كحال زيادة، انفض من حولها الجميع مع اشتداد مرضها.

وفي الفترة الأخيرة من حياتها بدأت وولف تغرق في اكتئاب شديد. ورغم أن زوجها لم يتركها، إلا أنها قررت في الثامن والعشرين من مارس عام 1941 أن تغادر العالم.

تلتقي الكاتبتان في نهاياتهما المأساوية، وقبل ذلك في نجاحهما في ترسيخ نفسيهما وسط بيئة ثقافية ذكورية، ونجاحهما في تجميع الكتاب والمثقفين والفنانين، الذين انفض أغلبهم عنهما في الأخير.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي