
أوردت إنترسبت (The Intercept) أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما اعترف في مذكراته التي نشرها مؤخرا أن اللوبي اليهودي يشوه سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل.
وأشارت المجلة -في مقال لمراسلها لشؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية، مرتضى حسين- إلى أن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قبل أيام يمثل "ضربة موجعة" لأحد إنجازات أوباما، ألا وهو الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول العظمى.
وأوضح الكاتب أنه -ومع تولي إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم في يناير/كانون الثاني المقبل- ترتفع الأصوات التي تتحدث عن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مجددا.
ويرى العديد من المحللين أن اغتيال فخري زاده -الذي يعتقد أن إسرائيل هي من نفذه- ربما أُريد به إفشال أي محاولة من جانب الرئيس المنتخب لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران.
وإذا ما تسنى إحياء الاتفاق مجددا فسيكون في أحسن الأحوال صورة "مبتسرة" من الصيغة السابقة، وفقا لحسين الذي يعتقد أن أي انفراج مستدام بين إيران والولايات المتحدة يبدو الآن أبعد ما يكون عن التحقق، علما بأن إدارة أوباما سعت لتجنب نشوب حرب بين البلدين في المستقبل. ويستطيع الإسرائيليون لي ذراع الولايات المتحدة "الدولة الراعية لهم والضامنة لأمنهم الدبلوماسي والممولة لخُمس ميزانيتهم الدفاعية تقريبا".
ولعل هذا "الفعل اللافت للنظر" من شأنه أن يعيد الأمور -بحسب كاتب المقال- إلى الوضع الخطير الذي كان سائدا قبل إبرام الاتفاق النووي، كما يمثل انصياعا "صادما" آخر لأولويات إسرائيل من قبل الولايات المتحدة.
رئيس ضعيف وسهل الانقياد
ويعود حسين في مقاله للحديث عن كتاب أوباما "أرض موعودة" فيقول إن مذكرات الرئيس السابق تتناول الأحداث التي وقعت خلال فترة ولايته الأولى، ولذلك لم تتضمن أي وقائع عن الاتفاق النووي الذي كان حينها قيد التفاوض. ويتطرق الكتاب بوضوح إلى الصعوبات التي واجهها أوباما وأي عضو في الكونغرس لتمرير سياسات تعارضها الحكومة الإسرائيلية وجماعات الضغط (اللوبيات) المحلية الحليفة لها.
موضوع يهمك : الكتاب الذي يجب تدريسه للعرب.. اقرأ «عشر خرافات عن إسرائيل»
ويرسم أوباما صورة "صارخة" عن النظام السياسي الأميركي -وإن بشكل محدود لكن على نحو خطير- الذي ظل يتعرض للخطر بسبب النفوذ الأجنبي.
والمعروف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ظل يعارض "بلا هوادة" الاتفاق النووي مع إيران، وما انفك يمارس "بشكل استفزازي" ضغطا على الكونغرس مناوئا لسياسة أوباما بشأن تلك المسألة.
لكن بعد انتخاب "رئيس ضعيف وسهل القياد" مثل دونالد ترامب "الذي بدأ حياته السياسية وهو يضمر ضغينة عنصرية ضد سلفه" تمكن نتنياهو من إحراز تقدم حقيقي في "نسف" الإنجاز الدبلوماسي الجوهري الذي حققه أوباما.
حتى التقدميين المتحمسين (داخل الحزب الديمقراطي) كرهوا أن يكونوا أقل اصطفافا إلى جانب الإسرائيليين من (نظرائهم) الجمهوريين، لاعتبارات انتخابية وأيديولوجية
وفي مقطع فيديو سُرِّب عام 2018، تباهى نتنياهو باستدراجه ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي. وقال بالحرف الواحد في الشريط الذي بثه التلفزيون الإسرائيلي "أقنعنا الرئيس الأميركي (بالتخلي عن الصفقة) وكان عليَّ الوقوف بوجه العالم كله والتصريح على الملأ بمعارضتي لهذه الاتفاقية". وبالنظر إلى علاقة نتنياهو الشخصية "السيئة" مع أوباما، فإن مثل تلك العبارات تصب الملح على الجرح، وفق تعبير المقال.
وفي مذكراته التي ضمّنها كتابه، يبدي أوباما صراحة ضيقه وتبرمه من الضغوط الإسرائيلية التي مورست على إدارته، والمصاعب التي يواجهها أي سياسي أميركي يسعى لانتهاج سياسة "عادلة" تجاه الشرق الأوسط. وكتب قائلا بهذا الصدد "عندما توليت مقاليد الحكم، كان معظم الجمهوريين في الكونغرس قد تخلوا عن أي ادعاء بالاهتمام بما يحصل للفلسطينيين".
تطرف سياسي
ولفت حسين في مقاله إلى أن الالتزام الديني دفع العديد من الناخبين الجمهوريين البيض المتدينين إلى تأييد الحكومة الإسرائيلية في كل الأمور بشكل أعمى.
ومضى أوباما إلى القول "حتى التقدميين المتحمسين (داخل الحزب الديمقراطي) كرهوا أن يكونوا أقل اصطفافا إلى جانب الإسرائيليين من (نظرائهم) الجمهوريين" لاعتبارات انتخابية وأيديولوجية.
وأورد أيضا أن أعضاءً في كلا الحزبين (الديمقراطي والجمهوري) "أبدوا خشيتهم من إثارة غضب لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك) وهي مجموعة ضغط قوية أعضاؤها من الحزبين تُكرس نشاطها في ضمان دعم أميركي ثابت لإسرائيل".
ومع مُضي إسرائيل في جنوحها نحو التطرف السياسي -كما يؤكد أوباما في كتابه- فقد ظلت آيباك عند إصرارها القوي على "ألا يحدث خلاف ملموس بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية حتى لو مارست إسرائيل أفعالا تناقض السياسة الأميركية".
موضوع يهمك : أيهما أخطر على الديمقراطية.. السياسي أم الديني؟
وقد تسبب ذلك في معضلة خطيرة لأي سياسي أميركي يحاول الحفاظ على المبادئ الليبرالية، ناهيك عن ميله نحو اليسار. وقد تكون عواقب إغضاب آيباك ومجموعات الضغط الأخرى الموالية لإسرائيل وخيمة على أي سياسي أميركي.
وفي ذلك يؤكد أوباما في كتابه بوضوح أن "الذين يجاهرون بانتقادهم السياسة الإسرائيلية تعرضوا لخطر نعتهم بمناهضة إسرائيل (وربما بمعاداة السامية) وواجهوا خصما جيد التمويل في الانتخابات".
ويختتم الكاتب: بيد أن أوباما تحسر على نكران إسرائيل الجميل الذي أسبغه عليها إبان وجوده في الرئاسة فكتب قائلا "بالرغم من ذلك، كان للغط الذي أحدثه نتنياهو تأثير مقصود في استنزاف وقتنا ووضعنا في موقع دفاعي ليذكرني بأن الخلافات السياسية العادية مع أي رئيس وزراء إسرائيلي -حتى لو كان يرأس حكومة ائتلافية هشة- سيكون لها ثمن سياسي، وهو ما لم أعهده في تعاملي مع المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا واليابان وكندا، أو أي من حلفائنا المقربين الآخرين".