

يعد الحياد أحد أعظم أصول سلطنة عُمان. وتحت قيادة السلطان الراحل "قابوس بن سعيد"، نجحت عُمان في اجتياز اختبارات سقوط الشاه في إيران، والحرب الباردة ونهايتها، والحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، والربيع العربي
وخلال كل هذه الأحداث العالمية والإقليمية، حافظت عُمان على حيادها واستقلالها. وتحافظ عُمان، على سبيل المثال، على علاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة وبريطانيا، بينما تتمتع في نفس الوقت بعلاقات بناءة مع إيران.
علاوة على ذلك، بالرغم من تحالف السعودية والإمارات ضد إيران وقطر وتركيا، فقد تمكنت عُمان من العمل مع كل هذه الدول لمعالجة القضايا الإقليمية.
وأدت السياسة الخارجية التي رسمها السلطان الراحل "قابوس" إلى أن تصبح عُمان وسيطا مقبولا بين الدول المتنافسة في الخليج والقوى العالمية ذات المصالح في الخليج. وفي دورها كوسيط، سهلت عُمان المفاوضات بين الأطراف المتحاربة، وضمنت إطلاق سراح السجناء المحتجزين في إيران، بما في ذلك 3 مواطنين أمريكيين عامي 2010 و2011.
واستفادت العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، من مكانة عُمان الموثوق بها كمحاور قادر على إجراء مفاوضات عبر القنوات الخلفية مع إيران وكذلك مع الفصائل السياسية والعسكرية مثل طالبان والحوثيين.
ومع ذلك، تشكل الحرب المستمرة في اليمن تحديا متزايدا لسياسة عُمان الخارجية المحايدة. ويرجع ذلك إلى أطماع السعودية في محافظة "المهرة" اليمنية، المتاخمة لسلطنة عُمان. ومع ذلك، يبقى دور عُمان كوسيط مهما لإنهاء الحرب في اليمن.
ولقد أدى تورط قوى متعددة في الحرب، بما في ذلك السعودية والإمارات وإيران، إلى جعل اليمن ساحة تصعيد عنيفة للتوترات الإقليمية. ويتم تشجيع جميع أطراف الحرب وتمويلهم وتسليحهم من قبل قوى خارجية، وقد يكون من الصعب على عُمان البقاء على الحياد.
تحركات سعودية وردود فعل عُمانية
وقبل أن تطلق السعودية تدخلها العسكري في اليمن، في مارس/آذار 2015، حذر السلطان "قابوس" وكبار مستشاريه مرارا وتكرارا كبار أعضاء أسرة "آل سعود" من المخاطر التي ينطوي عليها مثل هذا التدخل.
موضوع يهمك : هكذا سيتغير الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن
ولم يستجب السعوديون ولا الإماراتيون المتحالفون معهم لهذه التحذيرات. وأكد البلدان أن هزيمة الحوثيين ستكون سريعة وحاسمة ومن ثم إعادة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا برئاسة الرئيس "عبدربه منصور هادي". والآن، بعد ما يقرب من 6 أعوام من الحرب، تسعى الإمارات والسعودية إلى وضع نهاية للصراع تحفظ ماء الوجه.
لكن إنهاء الحرب، أو بالأحرى الحروب المتداخلة في اليمن، بطريقة تحقق على الأقل بعض الأهداف الأمنية للسعودية، ليس بالمهمة السهلة. ومن المفارقات أن التدخل الذي تقوده السعودية، الذي سعت من خلاله إلى هزيمة الحوثيين والقضاء على التدخل الإيراني في اليمن، عزز الحوثيين بدلا من ذلك وسمح لإيران بتعميق علاقتها بهم.
وتلعب عُمان دورها في تسهيل المفاوضات عبر القنوات الخلفية بين الحوثيين والسعودية. ولعبت الحكومة العُمانية، بقيادة السلطان "هيثم بن طارق آل سعيد"، ابن عم السلطان الراحل، مؤخرا دورا محوريا في التفاوض على تبادل الأسرى بين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.
وكذلك حذر "قابوس" وكبار مستشاريه السعودية والإمارات من عدم وجود حل عسكري للحرب في اليمن؛ لأنه لا يوجد طرف، بما في ذلك الحوثيون، لديه القدرة على هزيمة الأطراف الأخرى بشكل كامل. وبدون وقف التصعيد وإطار عملي وواقعي للسلام، ربما تتحول الحرب في اليمن لنزاع متوسط إلى منخفض الحدة يستمر لأعوام أو حتى عقود.