حذر من التطبيع وتوقع حصار مصر مائيا.. مصطفى محمود واجه إسرائيل بالعلم والإيمان

2020-11-01

المفكر والطبيب المصري الراحل مصطفى محمود دعاء عبد اللطيف - القاهرة - دائما ما يرتبط اسم الطبيب والمفكر المصري مصطفى محمود، في ذهن الكثيرين، برحلته من الشك إلى الإيمان، وفلسفته القائمة على تقريب العلم للناس التي جسدها في برنامجه التلفزيوني الشهير "العلم والإيمان"، إلى جانب تفكيكه مختلف النظريات السياسية في إطار نقدي جاد، غير أنه خلال العقد الأخير من القرن الماضي سخّر جانبا مهما من جهوده لقضية ارتأى أنها صراع التاريخ وما ينتظر المنطقة العربية في المستقبل.

تلك الجهود التي لم تأخذ من الشهرة ما تستحقه، تمركزت حول أن الخطر الصهيوني ليس محدقا بالعرب فحسب، بل بالعالم أجمع، والتي وظف لها -فضلا عن مقالاته- 9 كتب أصدرها خلال حقبة التسعينيات، تتضمن أطروحاته الفلسفية تجاه جذور الخطر وحاضره ومآلاته.

ولعل هذا المجهود الفكري من جانب مصطفى محمود هو ما دفع أسرته وعددا من متتبعي سيرته لاتهام إسرائيل بالوقوف وراء منع صاحب "العلم والإيمان" من استكمال برنامجه الشهير بالتلفزيون المصري، فضلا عن حظر مقالاته في الصحف.

وفي ذكرى وفاته الحادية عشرة (توفي يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول 2009) تبقى كتابات مصطفى محمود في الشأن الإسرائيلي شاهدة على قدرته على التدقيق في التاريخ واستشراف المستقبل، فما أشار إلى حدوثه قبل أكثر من ربع قرن يمضي في التحقق على أرض الواقع.
السلام مع إسرائيل
في كتابه "إسرائيل البداية والنهاية"، يقول مصطفى محمود إن "إسرائيل تتصرف وكأنها تتعامل مع أصفار، وتتوسع وكأنها تمرح في فراغ، وهذا الغياب للموقف العربي سوف تكون له عواقب وخيمة".

وأمام هذا التهاون أو الهوان العربي كان ضروريا أن يحذر المفكر المصري من مآلات السلام الذي يسعى إليه الكيان الصهيوني، ففي كتابه "على حافة الانتحار" رأى أن إسرائيل ليست لديها نية جادة للسلام بقدر ما هي راغبة في تطويع وقبول من الطرف العربي لسلام من طرف واحد.

ويستدل محمود على رأيه بأن تل أبيب بقياداتها السياسية وزعاماتها الدينية تزرع المزيد من الكراهية ضد العرب، كما أن آلتها العسكرية تتوسع باستمرار على حساب شعب فلسطين، فضلا عن أنها ما زالت تطور أسلحتها الذرية والبيولوجية والكيميائية وتضعها على حدود مصر ولا تدخر جهدا في المساهمة في تدمير الاقتصاد المصري.

لذلك طالب الكاتب بأن تعي الدول العربية ما يُحاك لها من قبل الاستيطان الصهيوني، وأن تحذر في تعاملها مع السلام الذي يُطلب منها اللحاق به، وهو ما يحتاج الاستقلال العسكري والاقتصادي.

ويزيد مصطفى محمود من التحذير في كتابه "إسرائيل النازية ولغة المحرقة"، قائلا "انظروا إليهم كيف يتفاوضون مع العرب ويحسِبون نصيبهم من الأرض بالمتر والسنتيمتر ونصيبهم من الماء فوق الأرض وتحت الأرض وفي جوف الأرض، ويريدون الحفر في الماضي والحفر في الحاضر والحفر في دماغنا ولا نهاية لمطالبهم".

صورة نادرة له مع زوجته السيدة سامية

ولخص صاحب العلم والإيمان رؤيته للسلام بين العرب مع الكيان الصهيوني، بأنه عقد إذعان أكثر منه اتفاقا وتراضيا، وبأنه طريق مرصوف بالجحيم.

واستطرد في كتابه "الطريق إلى جهنم" قائلا "القوة الضاربة الأميركية تساند إسرائيل بينما الإسلام والمسلمون في قفص الاتهام، وكل العالم قد تحالف عليهم، أي سلام سيكون بين طرفين هذا حظهما من المساندة.. ثم لا تكافؤ في أي شيء؟".

وفي ذلك يتساءل عبر كتابه "الغد المشتعل" حول ماهية التطبيع مع قوة نووية "تطالبنا أميركا بالسلام والتطبيع، وماذا يكون هذا التطبيع أمام تلك القوة النووية الغاشمة؟ أهو تطبيع أم تركيع، أهو سلام أم استسلام؟".


مخاوف تجاه النيل
وعبر سلسلة الكتب التي تناولت الخطر الإسرائيلي، تطرّق مصطفى محمود إلى كثير من الخطط الصهيونية، ومنها تشويه الإسلام عبر استخدام ودعم من سماهم إسلاميين متطرفين لتدمير الحضارة الإسلامية من الداخل، داعيا في ذلك إلى ضرورة أن يتعامل المسلمون مع المعطيات الجديدة للعصر ونقد الموروث القديم.

ثم إن هناك مخططا آخر تسعى إليه إسرائيل "طفل أميركا المدلل"، كما يصفها في كتابه "ألعاب السيرك السياسي"، وهو الوصول إلى منطقة البحيرات ومنابع النيل لتهديد مصر.

دكتور مصطفى محمود في شبابه

وأردف "لقد كشفت المخابرات الفرنسية عن عمليات تسليح إسرائيلية مكثفة لمليشيات التوتسي والهوتو المتناحرة برواندا وبورندي وزائير (جمهورية الكونغو الديمقراطية) وذلك لنشر الموت في القارة الأفريقية حول حزام البحيرات الكبرى، ولكسب صداقة العصابات الإجرامية هناك تمهيدا لأشياء أخرى في المستقبل".

وفي مقال له حمل عنوان "لا للتطبيع"، لفت رجل العلم والإيمان إلى تطلعات إسرائيل إلى الوصول إلى مياه نهر النيل عبر سيناء، موضحا أن الحلقة المحكمة لحصار مصادر المياه تضيق أكثر فأكثر.

موضوع يهمك : تاداشي ياناي.. الرجل العصامي الذي وظف نجاحه في خدمة البشر

وأضاف أن إسرائيل تخطط للتحكم في منابع النيل عن طريق السيطرة على منطقة البحيرات الكبرى، وإثارة الحروب والفتن الطائفية والعنصرية بين نصارى الجنوب ومسلمي الشمال في السودان، المنكوب بالتآمر من كل بلاد الجوار الأفريقي.

وتابع "وعلاقات إسرائيل بالحبشة وإريتريا وتسليحها للاثنين وإمدادهما بالمعدات العسكرية أمور لها مقابل، وبوابة البحر الأحمر ودول القرن الأفريقي وجزر البحر الأحمر، كلها محطات إستراتيجية تقع تحت رقابة وأطماع العين الإسرائيلية طول الوقت".

وأمام هذه الأطماع المعلنة، تعجّب مصطفى محمود من أن تمد إسرائيل يدها في تبجح لتطلب التطبيع، وتساءل "كيف يمكن التطبيع مع هذا الحجم من الحصار العدواني في اللقمة وفي شربة الماء وفي الجو وفي البحر وفي أسلحة الدمار الشامل، التي تريد أن تنفرد بها فلا يشاركها فيها جنس عربي؟.. وكيف تنمو صداقة من خلال التهديد والإجرام؟".

مع أسرته
منع وإقصاء
أسهب مصطفى محمود في تبيين المخططات الصهيونية والدعم الأميركي لها، وحاول أن يستشرف مصير الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية عبر إنتاجات متنوعة سواء الكتب أو حلقات من برنامج "العلم والإيمان" للغرض نفسه، لكن التلفزيون الرسمي منع عرض بعضها، بحسب ما أكدته تقارير إعلامية.

ودعا ذلك أسرة الراحل إلى أن تعزو منع مقالاته من النشر بالصحف شبه الرسمية ووقف البرنامج الشهير، إلى تلك الجهود الكثيفة من جانب المفكر الكبير لكشف جذور وطموحات دولة الاحتلال.

وقال أدهم نجل الدكتور مصطفى محمود، إن نظام الرئيس السابق حسني مبارك منع مقالات والده من النشر منتصف تسعينيات القرن الماضي.

وأوضح في تصريحات متلفزة عقب وفاة والده أن مدير مكتب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية الأسبق أسامة الباز أرسل خطابا إلى رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام آنذاك إبراهيم نافع، يطالبه بلفت نظر مصطفى محمود بعدما نشر مقالا أثار استياء القيادات الإسرائيلية والمنظمات اليهودية.

وأضاف أدهم أن الخطاب لم يقتصر فقط على الاعتراض على كتابات الراحل، بل امتد إلى محتوى برنامجه "العلم والإيمان"، مرجحا أن إسرائيل لعبت دورا رئيسيا في توقف عرض البرنامج على القنوات الأرضية المصرية.

ابنته أمل مصطفى محمود
الرأي نفسه تبناه الكاتب الصحفي السيد الحراني، وهو مؤلف كتاب "مذكرات مصطفى محمود"، إذ أوضح أن المفكر الراحل واجه عزلا سياسيا في أواخر التسعينيات من قبل الدولة بسبب طبيعة فكره المختلفة التي تعارضت مع توجهات الدولة حينها.

موقف الدولة بدا أكثر وضوحا من مصطفى محمود خلال جنازته، فلم يحضرها أحد من المسؤولين، وهو ما دفع الإعلامي وائل الإبراشي للتعقيب وقتها على التجاهل الرسمي للراحل.

وقال الإبراشي إن مصطفى محمود كان يمثل خطرا على إسرائيل لأنه كان الوحيد الذي يرد على ادعاءاتها من خلال قراءته المتأنية في العقائد والتاريخ والعلوم، وهو ما تسبب في حرج شديد للمسؤولين في الدولة، مما قد يفسر تخليهم عنه في محنة مرضه وحتى لحظة وفاته.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي