70 عاما من العمل التطوعي.. هيفاء البشير سيدة المصباح الأردني

2020-11-01

هيفاء البشير"أقدس العمل والعلم، وهو ليس مقصورا بعمر معين، وأكبر فخر للإنسان ليس عدم السقوط بل النهوض مجددا إذا تعثر.. تجرأت أن أكون قائدة، وأدعو المرأة دوما أن تكون منتجة، وأن يكون دورها فاعلا من أجل حقوقها ومصالحها". بهذه العبارات تلخص الأردنية السيدة هيفاء مسعود ملحيس والمعروفة باسم "هيفاء البشير" تجربتها عبر 70 عاما من العمل التطوعي والإنساني.

جاء ذلك خلال احتفاء منتدى شومان الثقافي في العاصمة الأردنية مؤخرا بمناسبة اختيارها ضمن برنامجه ضيف العام 2020 "هيفاء البشير.. رائدة وملهمة".

وقالت البشير خلال الحفل "استضافتي ضمن برنامج ضيف العام تزيدني شرفا وتكريما، راجية أن يعينني الله لإكمال مسيرتي التطوعية بما يرضي ويفيد".

وآمنت هيفاء البشير أن لا مستحيل في العمل التطوعي إذا توفرت الإرادة والنفس الطويل والتخطيط السليم، أما المال فسيأتي، فأبواب الخير لن تغلق يوما في هذه الحياة، لافتة إلى أن ذوي المبادئ يصلون لأهدافهم، مهما كانت الصعوبات وطالت الطريق.

تقول البشير للجزيرة نت "تحالفت الظروف الشخصية والعامة معا لصقل وعيي كطفلة، شهدت إضراب عام 1936، واندلاع الحرب العالمية الثانية، وشاهدت نتاج تواطؤ الكون على وطني وشعبي وتقاطر الغزاة الأجانب".

واستقطبت السياسة اهتمامها وهي ترى تداعيات النكبة على حياة الشعب الفلسطيني، وشجعها شقيقها "حفظي" على الانتماء لحزب البعث العربي الاشتراكي، فكانت من أوائل النساء اللواتي ينضممن للحزب.

تزوجت عام 1954 من الدكتور محمد البشير وانتقلت للعيش معه في مدينة السلط، وما بين التأقلم في بيئة جديدة وحنينها لنابلس وضيقها من عدم إمكانية استئناف العمل في التعليم -إذ كان القانون آنذاك يحظر عمل النساء المتزوجات- انجبت ابنها البكر مازن عام 1955، وشاء القدر أن حقق رغبتها بالعودة للتدريس، إذ تصادف شغور موقع معلمة اللغة الإنجليزية في المدرسة الثانوية بالسلط، فتطوعت للعمل ريثما يجدون بديلة.

وعندما لم يتمكنوا صدر قرار استثنائي عام 1956 بتعيينها رسميا لتدريس اللغة الإنجليزية لطالبات المرحلة الثانوية في السلط، وكانت أول امرأة متزوجة تنال هذا الحق، وخلال 5 أعوام أصبحت أما لـ 4 أطفال ذكور، وقد مكّنها دعم زوجها من مواصلة التدريس.

تقول هيفاء "لم تجرِ الأمور لصالحي، إذ كان وزير التربية والتعليم ضد عمل المرأة المتزوجة، فأصدر عام 1962 قرارا تعسفيا بنقلي لمدينة الكرك، مما دفعني لتقديم الاستقالة".

ريادة العمل التطوعي

في عام 1970 عين الدكتور محمد البشير وزيرا للدولة ثم وزيرا للصحة، وتقول "هنا أدركتُ أن عليّ كريادية وزوجة لوزير الصحة، مسؤولية المبادرة لصنع التغيير، فاتصلت بزوجات الأطباء للتشاور معهن لتأسيس جمعية خيرية لدعم قطاع التمريض، وتوافقنا على إنشاء "جمعية الأسرة البيضاء"، وتوجهنا لمدارس البنات لتوعيتهن بأهمية مهنة التمريض". 

وامتدت خدمات أعضاء الجمعية التطوعية لدعم السلك التمريضي بالمستشفيات، ولاحظ رئيس الوزراء، دولة وصفي التل، نتائج جهودنا، فدعانا للاهتمام أيضا برعاية المسنين الذين لا تتوفر لهم رعايةٌ أسرية.

تحديات وصعوبات

وتتابع "دفعتني الخسارة المبكرة لزوجي إلى استجماع طاقتي لتحقيق حلمنا معا، فنذرت العمر لتربية الأبناء، كما تمنى والدهم، وإعدادهم لتحمل مسؤوليات المواطنة الصالحة، وتفرغت للعمل التطوعي والخدمة العامة، رغم الضغوطات النفسية والمادية، وقررت استئناف دراستي الجامعية عام 1979، والالتحاق بكلية التمريض بعد انقطاع عن الدراسة لأكثر من 3 عقود، لإكمال رسالة زوجي التنويرية بأهمية رسالة التمريض، وحصلت عام 1983 على شهادة البكالوريوس في حقل التمريض مع مرتبة الشرف من الجامعة الأردنية".

وتضيف أن "تفصيلات الحياة مؤلمة وموجعة، لكن لا بد من القول إن الحياة بنتائجها وليس بتفصيلاتها، أفقدني الله جلت قدرته من جديد، بأن اختار ابني الأعز "مازن" إلى جواره، وكانت الضربة التي لا قبل لي بها، فلا حول ولا قوة إلا بالله".

بعد كل خسارة تلحق بي، أشعر وكأني فقدت قوتي وأطرافي، حتى تغلق الحياة بوجهي، وأشعر أنني انتهيت ولا أستطيع إكمال دوري.

هذه نصيحتي للمرأة

وتختتم بالقول "أيتها المرأة لا تقولي دوري انتهى بتكوين أسرة، هناك متسع في الحياة والعمل، اقهري الخوف والتردد، آمني بنفسك ودورك، وليكن قلبك كبيرا لتعطي الآخرين، تجرأي على الريادة لتصلي للنجاح".

"أما أنا فأتوكأ اليوم على عصاي أواصل العطاء لخدمة المجتمع بذات الهمة والإصرار والعزيمة، لعل ذلك يلأم جراح الروح، ويخفف الأسى اللامحدود".

"شومان" تحتفي بمسيرتها وإنجازاتها

واستذكر نائب رئيس مجلس إدارة منتدى شومان الدكتور ممدوح العبادي في كلمة له باسم المنتدى، الجهود والأعمال الخيرية والتطوعية الكبيرة التي قدمتها هيفاء البشير لخدمة المجتمع منذ قدومها من مدينة نابلس واستقرارها بمدينة السلط بعد زواجها من الدكتور محمد البشير.

وأشار العبادي إلى مثاليتها وقوتها عندما امتصت صدمتها الكبيرة باستشهاد رفيق دربها وترك 6 أبناء ربتهم أفضل تربية ليصبحوا من القامات الوطنية، لافتا إلى أنها تعد أول سيدة تستضيفها المؤسسة كضيف العام تقديرا لجهودها.

50 عاما من العطاء

وتقول ماري نفاع "رافقتها خلال 50 عاما من العمل التطوعي، ورأيت بأم عيني كيف تفكر وتخطط وتشرف على تنفيذ مبادرات مجتمعية لفائدة الناس من رجال ونساء وكيف تحول مؤسسات وليدة لمؤسسات مستدامة ستتحدث عنها الأجيال القادمة".

وعرفنا نحن الذين رافقنا السيدة هيفاء كيف يتميز الإنسان الذي لديه رؤية مستقبلية، إذ كانت تتلمس احتياجات الناس وتبدأ بتصميم المشاريع الاجتماعية ذات المردود الإنساني وعند التنفيذ كانت تصل الليل بالنهار وتسخر أفراد أسرتها وكل أعضاء الجمعية وتبث العزيمة فيهم للبدء بالمشروع الجديد.

عطاء بلا حدود

وتستذكر ميسون العرموطي رئيسة جمعية الأسرة البيضاء لقائها السيدة هيفاء عام 2000 في اجتماع تأسيسي لأندية الخطابة الدولية في الأردن، مستغربة وجودها فما الذي تريد أن تضيفه لتجربتها الزاخرة؟ وتستدرك "كانت سابقة لعصرها وإنها خير مثال للتعلم واكتساب المعارف والمهارات طوال الحياة".

وتضيف "منذ عام 2015 بدأت السيدة هيفاء بتعزيز دوري والتلميح لأكون خليفة لها برئاسة الجمعية، ترشحت عام 2018 لأفوز برئاستها، وعاهدت نفسي بإكمال الرسالة والسير على النهج القويم والبناء على جهود من سبقوني".

سيدة المصباح الأردني

وقالت الكاتبة سحر ملص المستشارة الثقافية لمنتدى الرواد الكبار "تبدو جذور شخصيتها راسخة في أعماق الطفولة، فالطفلة اليتيمة التي فقدت والدها صغيرة، امتلأت حياتها بالجدية والعمل المثمر فهي من منبت طيب جعل من أمها وأخيها حضن الحنان الذي احتواها".

واعتبرت هيفاء منتدى الرواد الكبار رائدا بفكرته تأسس عام 2009 ليكون ناديا نهاريا يلتقي فيه الكبار ليستمتعوا بأنشطة اجتماعية ثقافية وتوعوية وصحية وترفيهية ورحلات وطنية وخارجية.

وهي سيدة متجددة أرادت تتويج مشاريعها بإقامة متحف للأزياء والحلي الأردنية الشعبية أطلقت عليه اسم "رواقنا خزانة ذاكرتنا الجميلة" ليكون حافظة للهوية الشعبية والوطنية الأردنية.

وتختتم ملص "إنها امرأة جديرة بتتويجها على عرش قلوبنا ونطلق عليها لقب سيدة المصباح الأردني وإدراج سيرتها بمناهجنا المدرسية، لتكون قدوة للفتيات بكفاحها وعطائها".

"أم مازن".. ما قصرت

ويستذكر نجلها المهندس عامر محمد البشير منتصف ليلة شتاء باردة في فبراير/شباط عام 1977، وكيف كان استشهاد الوالد حدثا فاصلا في حياتنا، تحملت الوالدة المسؤولية، ولا أذكر يوما معضلة واجهتنا إلا ووجدت لها الحل.

ويستدرك "سأتناول تجربتها بالعمل البلدي، ومشاركتها بالمجلس الوطني الاستشاري، ليس من وجهة نظر الابن، وإنما الخبير الذي مارس العمل البلدي 8 سنوات، كرئيس منتخب للجنة المحلية لمنطقة تلاع العلي، وكنائب لأمين عمان، وعضو منتخب في المجلس النيابي 17".

شاركت هيفاء البشير بمجلس أمانة عمان 1986-1994، وعينت عام 1980 كأول امرأة والوحيدة التي تشارك بالحكم المحلي، عاصرت عمان إبان أمانة العاصمة لتشهد لاحقا انضمام بلديات محيط العاصمة فيما تسمى اليوم بأمانة عمان الكبرى.

وشاركت باللجان المركزية كالحدائق والتسمية والترقيم، وساهمت بتسمية شوارع بأسماء أعلام من الأردنيات الرائدات ممن ساهمن بنشأة الأردن وتقدمه أمثال عندليب العمد، ويسرى صلاح، وإملي بشارات عرفانا وتقديرا لدور المرأة كرائدة ومشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

موضوع يهمك : من هي الصومالية هودان عثمان؟

كما شاركت بعضوية المجلس الوطني الاستشاري 1982-1984، وضم 75 عضوا منهم 4 سيدات، كانت هيفاء البشير إحداهن، بجانب ليلى شرف وسامية الزرو وعيده المطلق.

واعتبر "الوالدة" هدية السماء لأسرتنا؛ عرفت كيف تنشئ أسرة متحابة ومتعاونة وطامحة، حافظت على ظل الوالد بحياتنا، وتجرأت لبيع الأصول والمصاغ لتستثمره بتعليم أبنائها، وتعلم علم اليقين أن اللقم تدفع النقم، وأن الله خير الحافظين. ويختتم بالقول "أشهد أن والدنا أحسن الاختيار، وأشهد أن أم مازن ما قصرت".

سيرة ومسيرة

وهيفاء مسعود ملحيس والمعروفة باسم "هيفاء البشير" مواليد 1931 نابلس/فلسطين، هوايتها الكتابة، أصدرت 10 قصص أطفال باسم "الفرح والسعد" 1997 حازت على جائزة الملكة نور لقصص الأطفال. و10 قصص أخرى باسم "الفرح والسعد 2" 2004، وكتاب "محطات لرحلتي مع الحياة " يوثق 7 عقود من مشاركتها الاجتماعية" 2010، وأصدرت 10 قصص بعنوان "أنا وسما" 2015 موجهة للأطفال بعد سن 12 عاما.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي