

جاءت إحدى أكثر اللحظات المحرجة لي في الحكومة عام 1995، وكنت آنذاك موظفا شابا في مجلس الأمن القومي، وكان هجوم إرهابي في السعودية يشير إلى تزايد الاضطرابات هناك.
وفي اجتماع مشترك بين الوكالات حول هذا الموضوع، التفت إلى ممثل القيادة المركزية الأمريكية وسألته عن متى كانت آخر مرة حدّثوا فيها خطة الطوارئ الخاصة بهم للنزاع الداخلي في المملكة.
لقد كان السؤال الصحيح الذي يجب طرحه، وهو نوع السؤال الذي كان مجلس الأمن القومي من المفترض أن يسأله، وكان الأمر لا يغتفر إذا لم يحدث ذلك.
لكن كل الأشخاص الأكبر سنا والأكثر حكمة على الطاولة نظروا إلي كما لو كنت قد قلت للتو للجنرال: "اقتل نفسك".
وبعد ذلك، سحبني أحد الأشخاص جانبا وأوضح بنفاد صبر: "ليس لدينا خطط طوارئ لذلك، سيكون هذا مثل محاولة وضع خطط طوارئ لتصادم الأرض مع الشمس".
وبعد عقد من الزمان، كنت أتناول العشاء مع صديقي "جدعون روز" في مطعم صيني في الجادة الثانية في نيويورك.
و"جدعون" هو محرر مجلة "فورين أفيرز"، وكان من بين الأوائل الذين أدركوا تأثير ثورة النفط الصخري على مصالح أمريكا في الشرق الأوسط.
وقال إن عمليات التكسير الهيدروليكي ستجعل الشرق الأوسط قريبا من الناحية الاستراتيجية غير ذي أهمية.
وكان ردي أنه قد يحدث في يوم من الأيام، ولكنه سيؤدي أولا إلى انخفاض سعر النفط، ويزعزع معه استقرار جميع دول الشرق الأوسط المتصلبة التي اشترت شعوبها بالإعانات والدعم لفترة طويلة.
وكان السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الانهيار النهائي للدولة سيأتي قبل أو بعد النقطة التي يمكن للعالم أن يعيش فيها بدون نفط الشرق الأوسط.
وهذه، باختصار، هي مشكلتنا مع السعودية.
لقد أدى التكسير الهيدروليكي إلى خلخلة سوق النفط الدولية وساعد في جعل الأنظمة السياسية والاقتصادية القديمة في الشرق الأوسط المسلم غير مستدامة.
وكما أوضحت كل من الحركة الخضراء في إيران عام 2009 والربيع العربي عام 2011، فإن هذا يثير بؤرة الثورة والحرب الأهلية وغيرها من أشكال الاضطرابات الداخلية في جميع أنحاء المنطقة.
موضوع يهمك : فك شيفرة الموقف المتناقض لإيران تحاه الحرب بين أذربيجان وأرمينيا
وتواجه جميع دول الشرق الأوسط تقريبا خيارا بين الإصلاح أو الثورة، بالرغم من إصرار العديد من الأنظمة على التمسك بالقمع بدلا من ذلك، ولسوء الحظ، أثبتت الثورة والحرب الأهلية أنها كانت أكبر التهديدات لإنتاج النفط.
ولا يعد العالم مستعدا بعد للعيش بدون الاحتياطيات التي لا مثيل لها والإنتاج الهائل والقدرة الاحتياطية الفريدة للسعودية، ولا يمكن لكل عمليات التكسير الهيدروليكي في العالم أن تعوض خسارة النفط السعودي.
وهذا هو السبب في أن مسار الرياض الحالي في عهد الملك "سلمان" وابنه، ولي العهد "محمد بن سلمان"، مهم جدا للولايات المتحدة.
وكان التحول الدراماتيكي الذي أحدثه "بن سلمان" هو بالضبط الجواب الصحيح للمملكة وما تحتاج الولايات المتحدة أن يحدث هناك.
ومع ذلك، تبقى السعودية حليفا صعبا، فهو بالرغم من أهميته، مختلف جدا بحيث لا يتناسب بسهولة مع القيم الأمريكية.
ومن المعروف أن "محمد بن سلمان" شاب استبدادي جريء يرتكب العديد من الأخطاء والانتهاكات الفظيعة، وهو مصمم على تعزيز السياسات الاستبدادية للمملكة بنفس قدر تصميمه على تحديث اقتصادها وتحرير ثقافتها
وبالتالي، نحن محظوظون لأن لدينا كتابا جديدا مفيدا عن السعودية مثل "رؤية أم ميراج.. السعودية عند مفترق طرق"، لـ"ديفيد إتش رونديل".
وإذا كنت لا تعرف اسم المؤلف، فلا تقلق، ذلك لأنه موظف مدني أمريكي عاش منذ فترة طويلة في السعودية لمدة 16 عاما من 30 عاما قضاها في السلك الدبلوماسي، وسافر في جميع أنحاء البلاد وعرضها.