أشجار وتلال

2020-10-15

عمل لـ تغريد درغوث

داليا طه*

 

الأشجار

 إنها بيننا مثلُ قنابلَ موقوتة

هذه الأشجارُ في مدينتِنا

صامتةٌ جداً

كما لو أنها أقسَمَتْ على ذلك

صامتةٌ جداً كما لو أنها في الحقيقةِ

تمثِّل

 

ومع ذلك أمشي أسفلَها باطمِئْنان

في شارعِ المكتبة

غارقة في أفكاري

بينما جذورها تتمدد ببطء تحت الأرض

مثل من يعدّ كمينا بصمت

 

الأشجارُ مخيفةٌ

لا لأنها تحاولُ أن تقولَ شيئاً لا نفهمُ ما هو

بل لأننا لا نعرفُ مع مَن تحاولُ أن تتواصلَ

انظرْ كيف تبدو كأنها تُهرِّبُ أسلحة

وأغصانُها بالكاد تتلامَس

 

دائماً مريبة -

كأنها صمتَت للتَّوِّ

مثلَ اثنينِ توقفا عن الوشوشةِ في اللحظةِ التي دخلْتَ فيها إلى الغرفة

جيشٌ

بإشاراتٍ سرِّيَّةٍ

يتقدمُ رُغم أنه يبدو كأنه لا يغيِّر مكانَه

مخيفةٌ جداً الأشجار

انظُرْ إليها يا صديقي

بقلبكَ لا بعينَيْك

الأشجارُ رسالةٌ تحذيرية

تقف أمامَنا كرسولٍ قرأ علينا للتَّوِّ خبراً

وينتظرُ منا الإجابة

ومثلَ ما فعلنا مع كل من حمَلَ رسالة

نقطعُ رأسَ الأشجار.

■ ■ ■

التلال

أنتَ لا تستطيعُ رؤْيتَها

الكدَماتُ على عيني من النظَرِ نحوَ التلال

إنها في الداخلِ

تحتَ الجِلد

في المكانِ الأقربِ لما يُسمى الروح

التلالُ شيءٌ خارقٌ وبعيد

وبالتحديدِ تلك التي في الطريقِ من أريحا إلى عمان

من سيارةِ الأُجرة

تبدو كصفٍّ من الأرواح

أو كقنّاصٍ

يتأمَّلُ الطريقَ الصحراوي

كلُّ شيءٍ في مكانه كمعادلةٍ رياضية

الأحياءُ في جِهةٍ

والأمواتُ في جهة

ولكنْ هناك على تلك التلال

أتخيُّلُهم يلوِّحونَ لنا

وهم يحاولون النزولَ إلى الشارعِ السريع

حيثُ السياراتُ تلمعُ ثم تختفي في الريح

كأنها صرخاتُهم المكتومة

حيثُ الشاحناتُ الثقيلةُ في المَسربِ الأيمَنِ

تحملُ الحجارةَ في ضَوْءِ الغُروب

وتتعاقبُ

حيثُ الريحُ هي السائقُ الحقيقي

تجرُّنا وراءَها

وأعناقُنا ملوِيَّةٌ إلى الخلف

أستطيعُ أن أفهمَ الآنَ بأنَّ كلَّ شيءٍ بدأ من هنا

من أرضٍ جرداءَ وقاحلة

كلُّ شيءٍ بعدَ ذلك محضُ صُدفة

الأشجارُ والأنهارُ والحشَراتُ وشكلُ الغيومِ والعُشْب

والجسورُ المعلَّقة

كلُّ شيءٍ سينتهي هنا أيضاً

دون أن يحملَ معه شيئاً من كل هذا العالَم

سوى غُموضِ البداية

أنا مهووسةٌ بالتلال

لا أتوقَّفُ عن التحديقِ بها

كمَن يحاولُ أن يتذكَّرَ أين التقَيْنا

كما لو أن اسمَها على طرَفِ لساني

أحاولُ أن أسحبَه

من وادٍ سحيقٍ في داخلي

من صِغَري وأنا أُصدِّق

بأنني إذا حدَّقتُ بشيءٍ لوقتٍ كافٍ سيتحرَّك

هذا لم يحصلْ أبداً بالطبع

ولكنَّ التلالَ تبدو فعلاً كما لو أنها على وشَكِ أن تبدأ بالمَشيِ نَحْوي

أنظرُ فقط إلى قطَرات الضَّوْء

وهي تتلألأُ فوقَها

كمِئَةِ عينٍ فُتِحَت في نفس اللحظة

حقائبي في صندوق السيارة

وهنا

وفي هواء الغَوْرِ الساخن

أشعرُ أن ما طوَتْهُ يداي قبل قليلٍ

لم يكن ملابِسي

بل أرواحاً

وأن ما تراهُ عينايَ

يتوالى من زُجاجِ السيارة

ليسَ تلالاً

بل وعورةُ الطريقِ التي أتَيْنا

منها

قبلَ أن نصِلَ إلى هذا العالَم

عراةً تُغطّينا الدِّماء

وقادرينَ أخيراً على

الصُّراخ.

 

  • شاعرة من فلسطين






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي