أزمة فرنسا مع الإسلام.. إرث 200 عام من الوحشية الاستعمارية

2020-10-09

 

يستمر التطرف الفرنسي المسيحي الرسمي وغير الرسمي، والذي يشرعن نفسه تحت مظلة "العلمانية"، في زيادة هجماته على المسلمين الفرنسيين وغير الفرنسيين.

سجلت حركة مناهضة الإسلاموفوبيا في فرنسا  1043 حادثة معادية للإسلام وقعت في عام 2019 (بزيادة بنسبة 77% منذ عام 2017)، منها 68 اعتداءًا جسديًا (6.5%)، و618 حادثة تمييز (59.3%)، و210 حوادث خطاب كراهية وتحريض على الكراهية (20.1%)، و 93 حادثة تشهير (8.9%)، و22 حادثة تخريب للأماكن المقدسة الإسلامية (2.1%)، و32 حادثة تمييز مرتبطة بمكافحة الإرهاب (3.1%).

وتعد الكراهية الفرنسية المسيحية وما يسمى بالكراهية "العلمانية" للمسلمين، جزءا من الخطاب اليومي للحكومة الفرنسية والنقاد ووسائل الإعلام

في الواقع، لا يضفي تطبيع خطاب الكراهية ضد المسلمين الشرعية على التمييز المؤسسي الذي يتعرض له المسلمون الفرنسيون فحسب، بل يحرض أيضًا على العنف ضدهم داخل فرنسا وخارجها، بما في ذلك إطلاق النار على مسجد بريست واستهداف إمامه الشعبي "رشيد الجاي" في يونيو/حزيران 2019، والهجوم على مسجد "بايونيه" في أكتوبر/تشرين الأول 2019، الذي أدى إلى إصابة 4 أشخاص.

خارج فرنسا، أدى الهجوم الإرهابي الذي ارتكب عام 2019 في مسجد "كرايستشيرش" في نيوزيلندا إلى مذبحة، أسفرت عن مقتل 51 من المصلين المسلمين وإصابة 49، وقد كان الفاعل متأثرا بنظريات القتل للمفكر الفرنسي المعاد للإسلام "رينو كامو".

في أكتوبر/تشرين الأول 2019، ربط الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" (واسمه الأول هو الاسم الذي أطلقه الملَك جبرائيل ليسوع في الأناجيل، ومعناه "الله معنا") ووزير داخليته آنذاك "كريستوف كاستانير" (المسمى أيضًا على اسم المسيح نفسه) الإرهاب في فرنسا بأي مؤشرات تدل على عقيدة وثقافة المسلمين الفرنسيين، بما في ذلك اللحية، والصلاة 5 مرات في اليوم، وتناول الطعام الحلال، إلخ 

من قبيل الصدفة البحتة أن يتم تسمية الرئيس ووزير داخليته على اسم "يسوع المسيح"، وهو ما ينبغي عليهم أن يراعوه في عدم تورط كل من تسموا على اسم "يسوع" في أزمة مع "الإسلام" والمسلمين .

 "تحرير" الإسلام

في الأسبوع الماضي، قال "ماكرون" إن "الإسلام يمر اليوم بأزمة في جميع أنحاء العالم.. ولا يقتصر ذلك على فرنسا فقط". وأضاف أنه يسعى إلى "تحرير الإسلام في فرنسا من التأثيرات الأجنبية بتحسين الرقابة على تمويل المساجد".

موضوع يهمك : الفرصة الضائعة.. استفادة السعودية من رئاسة قمة العشرين تتطلب قرارات جريئة

لكن "ماكرون" ليس أول حاكم فرنسي أراد "تحرير" الإسلام، فهذا تقليد فرنسي "علماني" قديم. وعندما غزا "نابليون بونابرت" مصر وفلسطين عام 1798، كانت خطته الذكية هي الكذب على المصريين بإعلانه أنه وجيشه "مسلمون مؤمنون"، وأنهم أتوا لتحرير المسلمين والإسلام من طغيان المماليك.

لم تنجح حيلة "نابليون" وثار عليه المصريون كما فعل الفلسطينيون، وعاد مهزومًا إلى فرنسا بعد أن ارتكب جيشه فظائع لا توصف في مصر وفلسطين. وكانت أزمة "نابليون" وفرنسا مع الإسلام قبل قرنين من الزمان هي هزيمتهم في مدينة عكا الفلسطينية.

ولكن بعد 3 عقود، عندما غزت فرنسا الجزائر، لم يعد الفرنسيون بحاجة إلى الكذب على المسلمين لغزوهم، ونهبهم، وتدمير أماكن عبادتهم.

بدأ الغزو في منتصف يونيو/حزيران 1830، وسقطت الجزائر في 5 يوليو/تموز. لقد سلبت فرنسا المتعثرة ماليًا خزانة الجزائر، وسرقت ما يزيد عن 43 مليون فرنك من الذهب والفضة، عدا المبالغ التي اختفت، وتلك التي أنفقت على جيش الاحتلال الفرنسي.

كانت الأهداف المباشرة للغزو، كما ذكرها الملك "تشارلز" أمام الجمعية الوطنية الفرنسية في 2 مارس/آذار، هي "استعادة السيطرة المسيحية على الجزائر".

وتماشيًا مع التزامات فرنسا المسيحية، استولى الجيش الفرنسي على المساجد وحولها إلى كنائس وكاتدرائيات تحت تهديد السلاح، بما في ذلك أكبر مسجد عثماني في الجزائر العاصمة، والذي تم بناؤه عام 1612، وتم تحويله إلى كاتدرائية القديس "فيليب" في ديسمبر/كانون الأول 1832.

في نفس العام، قضى الفرنسيون على قبيلة "الأوفيا" بأكملها، ولم يبقوا أي امرأة أو طفل واستولوا على جميع ممتلكاتهم.

وعلى عكس الكراهية والعنصرية المطلقة للمفكرين الفرنسيين البيض المسيحيين المعاصرين تجاه المسلمين، اعترض المفكر الفرنسي الشهير "ألكسيس دي توكفيل" في أوائل أربعينيات القرن التاسع عشر، على معاملة الجزائريين. وقد كان في بداية حياته السياسية مؤيدا لاحتلال بلاده للجزائر، كما اعتبر الجزائريين مواطنين من الدرجة الثانية، ودعا للتفريق بينهم وبين الفرنسيين في القوانين.

ويقول "دي توكفيل": "كثيرًا ما سمعت رجالًا أحترمهم، لكنني لا أتفق معهم، أجد أنه من الخطأ أن نحرق المحاصيل وأن نفرغ الصوامع، وأخيراً نستولي على الرجال والنساء والأطفال العزل" 

 

البربرية الفرنسية

في عام 1871، ثار المسلمون الجزائريون مرة أخرى ضد الحكم الفرنسي، حيث انضم 150 ألف شخص إلى قوات الزعيم القبائلي "محمد المقراني".

موضوع يهمك : الانتخابات الأميركية تحدد مصير المبادرة الثلاثية للحد من التسلح

ردت آلة الإبادة الجماعية الفرنسية بقتل نحو مليون جزائري (حوالي ثلث السكان)، وهدم الفرنسيون عشرات البلدات والقرى، بينما قضوا على النخبة بأكملها في المجتمع الجزائري. لكن حتى هذا لم يحل "أزمة" فرنسا مع الإسلام.

في عام 1901، ازداد قلق الفرنسيين بشأن "أزمتهم" مع الإسلام، حيث أن فرنسا التي باتت تسيطر على مستعمرات جديدة تضم أعدادًا كبيرة من المسلمين، كانت بحاجة إلى معرفة كيف سيكون الإسلام في القرن العشرين.

أصبح هذا مصدر قلق بالغ، لدرجة أن السعي الاستعماري للمعرفة دفع محرر المجلة الاستعمارية الفرنسية الهامة "أسئلة دبلوماسية وكولونيالية"، "إدمون فازي"، للتحقيق في مسألة "مستقبل الإسلام" بحلول عام 2000.

مستقبل الإسلام

على عكس العديد من المسيحيين الفرنسيين المعاصرين للإسلام اليوم، كان "فازي" قلقًا بشأن العدد المتزايد وغير المبلغ عنه من المسلمين في جميع أنحاء العالم،  وانتشار دينهم "البسيط" في أفريقيا.

ورأى العديد من المساهمين في مجلته أنه من المناسب التلاعب بالدين الإسلامي، وتحويل العلماء المسلمين، ليس فقط لإنتاج إسلام حديث يمكن للحداثة الأوروبية أن تتسامح معه، ولكن أيضًا إسلامًا يأملون أن يضعف الإمبراطورية العثمانية.

وجاءت النصيحة الأكثر تفصيلا من المدرسة الفرنسية للمستعربين، ومنهم "إدموند دوت"، الذي قال: "يمكننا أن نؤيد ولادة إسلام جديد يميل أكثر إلى التسامح مع أوروبا؛ لتشجيع جيل الشباب من العلماء الذين يعملون في هذا الاتجاه، وزيادة عدد المساجد والمدارس الدينية والجامعات، مع التأكد من أننا نقوم بتزويدهم بأتباع النظريات الجديدة".

تبدو تعليقات "دوت" مألوفة للغاية لأنه يمكن نطقها بسهولة من قبل أي سياسي فرنسي معاصر - أو غربي آخر - أو محلل اليوم.

أما "وليم ماركيس"، مدير مدرسة "تلمسان" التي أسسها الفرنسيون لتدريب القضاة الجزائريين المسلمين على أسس "عقلانية"، فقد كان متحيزًا للإسلام "الجديد" و"الحديث" الذي كان الفرنسيون يصيغونه، والذي كان بمثابة إسلام "وثيق الصلة بمصير فرنسا".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي