نَيْرون

2020-09-26

سلمان زين الدين*

 

(1)

 

مُذْ أَضْرَمَتْ

حُمّى التَّسَلُّطِ في إهابِكَ نارَها،

ما زِلْتَ، يا نَيْرونُ، تَفْتَعِلُ الحَرائِقَ،

في بَهيمِ اللَّيْلِ أوْ وَضَحِ النَّهارْ،

وَتُهَدِّدُ الدُّنْيا بِأَعْمِدَةِ الدُّخانْ.

وَتَروحُ تُطْلِقُ، كُلَّ حِيْنٍ،

حِقْدَكَ المَسْعورَ، في كُلِّ اتِّجاهٍ،

كي يَظَلَّ العَرْشُ مَرْهونا

لِأَعْراضِ السُّعارْ.

وَلْتَحْتَرِقْ، منْ بَعْدِهِ، روما

كَأَيَّةِ دُمْيَةٍ يَلْهو بِها،

في غَفْلَةٍ منْ أَهْلِهِ،

وَلَدٌ تَعَوَّدَ أنْ يُراهِنَ،

كُلَّما غَفِلوا،

وَيَخْسَرَ في الرِّهانْ.

وَتَروحُ تُضْرِمُ

نارَكَ الهَوْجاءَ فيها،

عَلَّها تَأْتي على

ما أَبْدَعَ الرَّحْمَنُ منْ بَدْعٍ،

وَما اجْتَرَحَتْ يَدَ الإنْسانِ

منْ سِحْرِ البَيانْ.

 

(2)

 

لَكِنَّ روما سَوْفَ تَنْفُضُ

عَنْ جَناحَيْها رَمادَ المَوْتِ،

ذاتَ عشيَّةٍ،

وَتَروحُ تُوْري جَمْرَةَ التَّحْليقِ

مِنْ مَوْتِ الرَّمادْ.

فَالنّارُ، يا نَيْرونُ، لا تَقْوى

على إِخْمادِ جَمْرَتِها،

وَلا يَنْبو لها سيفٌ،

وَلا يَكْبو زِنادْ.

وَتَروحُ تَزْرَعُ

في حُقولِ الفِكْرِ حِنْطَتَها،

فَيَزْدَهِرُ المَدى

بِمَواسِمِ السِّحْرِ الحَلالِ،

وَتَزْدَهي الدُّنْيا

بِأَعْراسِ الحَصادْ.

 (3)

 

يا أيُّها المَهْووسُ بِالكُرْسِيِّ

كَمْ حَطَّمْتَ منْ لُعَبٍ،

وَكَمْ أَيْقَظْتَ منْ فِتَنٍ،

وَكَمْ أَخْفَرْت منْ ذِمَمٍ،

فَصِرْتَ بِلَعْنَة التّاريخِ،

يا نَيْرونُ، مَوْصوما،

وَصِرْتَ بِأَحْرُفِ الشَّيْطانِ

مَمْسوسا وَمَوْسوما.

وَروما لمْ تَزَلْ روما

تُجَرِّدُ منْ صَميمِ الصَّخْرِ

لِلْأُولِمْبِ آلِهَة،

وَتُطْلِقُ في فَضاءِ الرّوحِ

لِلْإبْداعِ أَجْنِحَة،

وَتُوري جَمْرَة لِلْفِكْرِ،

لا تَخْبو لَها نارٌ،

على مَرِّ الزّمانْ.

وَتُراوِدُ التّاريخَ

عنْ أسْمائِهِ الحُسْنى،

فَتَقْتَرِبُ السَّماواتُ العُلى منْها،

وَيَتّسِعُ المَكانْ.

 

  • شاعر لبناني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي