دعوهم يأكلوا الكعك

2020-09-26

ماري أنطوانيت كانت صاحبة أسلوب حياة راق

الحبيب الأسود*

لا تزال شخصية يوزف غوبلز، وزير الإعلام أو وزير التنوير العام والدعاية كما كان يسمّى في نظام هتلر، تطرح نفسها دائما كعنوان للبروباغندا، ويستدل عليها البعض بعبارة “أكذب ثم أكذب حتى يصدّقك الناس”، التي لا يمكن بأي حال من الأحوال ربطها بشخص أو بلد أو نظام سياسي أو حقبة من الزمن، لأنها كانت على الدوام جزءا من التاريخ وصناعة الأحداث، بل إن البشرية لا تزال تعيش على أكاذيب ضاربة في التاريخ، وتنظر إليها إلى اليوم على أنها حقائق مطلقة لا يمكن الاقتراب منها أو التشكيك فيها.

لقد صنع البشر الأساطير بأعلى الدرجات في موهبة الكذب، وربطوها بالأحداث الخارقة والأبطال الاستثنائيين، ودعموها بقوى الروح والطبيعة، وأحاطوها بقداسة الآلهة، لتتحول إلى عقائد وخصوصيات ثقافية للشعوب.

 

صنع البشر الأساطير بأعلى الدرجات في موهبة الكذب وربطوها بالأحداث الخارقة والأبطال الاستثنائيين ودعموها بقوى الروح والطبيعة وأحاطوها بقداسة الآلهة لتتحول إلى عقائد وخصوصيات ثقافية للشعوب.

واليوم سيقول لك المختصون إن الأسطورة هي الخلق اللاواعي لثقافة كاملة، لذا فإن لها حقيقة نفسية داخل الثقافة التي نشأت فيها.

والأساطير يمكن تصنيعها حسب الطلب أو لخدمة هدف معين. لننظر مثلا إلى الأسطورة التي حبكت أحداثها حول جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة، والتي تقول إنه عندما كان صبيا في السادسة من عمره قطع شجرة كرز من حقل والده.

وعندما سُئل عن ذلك، قال بأقصى درجات الفضيلة “لا أستطيع أن أكذب، لقد قطعتها فعلا بفأسي”. فما كان من والده إلا أن احتضنه، وقال “صِدْقُكَ يا ولدي خير لي من ألف شجرة”.

هذه الأسطورة أريد لها أن تصوّر قيمة الصدق في شخصية جورج واشنطن، وقد تبيّن لاحقا أنها من اختراع أحد كتاب السيرة الذاتية للأب المؤسس، وهو وزير متجول وبائع كتب يدعى ماسون لوك ويمس، حيث أنه بعد وفاة واشنطن عام 1799، كان الناس حريصين على معرفة المزيد عنه، ويقبلون على كل ما ينشر عنه أكثر من إقبالهم على الرغيف الساخن، وكان ويمس مستعدا لتلبية الطلب كما أوضح لأحد الناشرين في يناير 1800 عندما قال “لقد ذهب واشنطن كما تعلم ولكن الملايين يتطلعون لقراءة شيء عنه، خطتي أن أكتب تاريخه بدقة ثم استمر لأظهر أن صعوده الفريد من نوعه وتفوقه الكبير كانا بسبب فضائله العظيمة وهو ما يحتاج إلى تأليف بعض الحكايات”.

بالمقابل، نواجه الكثير من الأساطير المفبركة والتي سرعان ما تتحول إلى حقائق لدى المتلقي. فوفقا للأسطورة، قبل الثورة الفرنسية، كانت ماري أنطوانيت، زوجة الملك لويس الرابع عشر وملكة فرنسا، غير مبالية بمحنة الجماهير الغاضبة والتي تخرج للاحتجاج من أجل الخبز وسط مجاعة تلوح في الأفق، لذلك قالت “طالما لا يوجد خبز، دعوهم يأكلوا الكعك”، وهي العبارة التي لا تزال تنتشر بين الناس دليلا على الاستبداد والاستهانة بمشاعر الشعوب.

الباحثون يؤكدون أنه لا يوجد ما يدعم مقولة أن ماري أنطوانيت هي من نطقت بتلك العبارة، بل ويشيرون إلى أنها كانت عبارة رائجة قبلها، ويضيفون أن الملكة كانت صاحبة أسلوب حياة راق، ومعروفة بأعمالها الخيرية، وهي متعلمة وذكية ومثقفة ومدركة لمحنة الجماهير.

والحقيقة أن تلك العبارة وردت منسوبة إلى إحدى الأميرات في كتاب “الاعتراف” لجون جاك روسو ألفه في العام 1767 عندما كانت ماري لا تزال فتاة في فيينا اسمها ماريا أنطونيا جوزيفا جوانا، ولم تنسب إليها إلا بعد 50 عاما من مقتلها على يد الغوغاء في 16 أكتوبر 1793، وذلك من قبل الكاتب والروائي جان- باتيست ألفونس كار في أحد أعداد مجلته الساخرة “الدبابير”.

 

  • كاتب تونسي

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي