فورين أفيرز ترسم ملامح استراتيجية أمريكية جديدة في الشرق الأوسط

2020-09-18

 

أكدت التطورات الدراماتيكية في الأشهر الأخيرة على حاجة الولايات المتحدة إلى تخفيف تركيزها على منطقة الشرق الأوسط، وهو النهج الذي تبناه الرئيس "دونالد ترامب" مؤخرا. وحتى قبل الأزمات المزدوجة لوباء فيروس "كورونا" والانهيار اللاحق في أسعار النفط، فقد كان هذا النهج الأمريكي الجديد منتظرا.

وفي منطقة طالما ظهرت الولايات المتحدة فيها كقوة مهيمنة، فإن الانسحاب نتيجة تراجع المصالح يعتبر أمرا غير متقبل من كثير من صانعي السياسة والمحللين الأمريكيين. ولكن مع انحسار موجة الوباء، ستبدو المنطقة مختلفة نوعًا ما. وفي هذا المشهد المتغير، ستكون هناك فرص ومخاطر جديدة أمام الولايات المتحدة.

لا تزال الولايات المتحدة تتمتع بفرص لتحقيق مصالحها دون التزامات باهظة الثمن أو طويلة الأجل. 

إن التركيز على تقييد المنافسة الجيوسياسية داخل المنطقة، ومواجهة السلوك الإيراني بشكل أكثر فاعلية، وحل النزاعات بالوكالة حيثما أمكن ذلك، من شأنه أن يمكّن واشنطن من الحفاظ على نفوذها المهيمن والقيام بأقل مما تقوم به في الشرق الأوسط دون التخلي عن الإقليم تمامًا.

 

موضوع يهمك : منذ التطبيع الإماراتي.. الفلسطينيون "ضحية" لعنف إسرائيلي متصاعد

 

 

ردع إيران

لقد ترك الوباء وانهيار أسعار النفط دول الخليج في مواجهة انخفاض كبير في الثروة، مع عدم كفاية السيولة لدعم اقتصاداتها المتأزمة، فضلا عن تعثر دعم برامج الإصلاح الطموحة أو مشاريع التنمية الضخمة. كما سيعيق ذلك قدرتها على ممارسة نفوذها في بقية أنحاء الشرق الأوسط.

لطالما كانت الأداة الرئيسية لدول الخليج العربية في المنافسة الجيوسياسية الإقليمية هي المال. يمكن رؤية فعالية هذه الأداة، على سبيل المثال، في 30 مليار دولار أنفقتها السعودية والإمارات لدعم حكومة الجنرال "عبدالفتاح السيسي" في مصر

والآن، تواجه دول الخليج مقايضات مالية صعبة. سيتعين عليهم أن يقرروا مقدار الاستثمار في الحلفاء المتعثرين، مثل مصر والأردن؛ وكم يمكنهم إنفاقه لصد النفوذ الإيراني في العراق ولبنان. وكيف يمكنهم حماية مصالحهم الأساسية في اليمن. ولكن بشكل عام، سيتوجب عليهم التخلص من الأحلام المتعلقة بالقضاء على الخصوم الأيديولوجيين وإعادة تشكيل المنطقة وفق تصوراتهم الخاصة.

بالرغم أن التمويل الخليجي عمل في بعض الأحيان ضد المصالح الأمريكية، إلا أن واشنطن اعتمدت عليه في كثير من الأحيان لدعم شركاء الولايات المتحدة الأضعف وتقوية عجلات الدبلوماسية الأمريكية. وبالتالي فإن خسارة ثقل الخليج سيعرقل أي جهود تقودها الولايات المتحدة في المنطقة.

في الواقع، قد تكون آثار الوباء لصالح إيران على حساب دول الخليج العربية. فبالرغم من تضررها بسبب "كورونا" والعقوبات، تعلمت الجمهورية الإسلامية منذ فترة طويلة أن تعيش بدون دخل نفطي كبير، وهي تلعب جيدًا في ممارسة التأثير الإقليمي الأقل تكلفة.

يعتبر الحرس الثوري هو جهة الاتصال الرئيسية لوكلاء إيران الإقليميين. وفي ظل العقوبات، يحصل الحرس على أمواله من التهريب والتورط في القطاعات الاقتصادية الرئيسية في البلاد، مثل البناء والنفط والغاز. وفقا لذلك، فبعد انتهاء الأزمة من المرجح أن ينمو نفوذ إيران النسبي في أماكن مثل العراق ولبنان وسوريا مع تراجع نفوذ دول الخليج العربية.

يجعل هذا التحول من الضروري مراجعة نهج إدارة "ترامب" غير المثمر تجاه إيران. فقد صعّد "ترامب" الضغط العسكري والاقتصادي إلى مستويات أعلى، لكنه لم يصرح مطلقًا بمطالب واقعية ولم يوضح أي منها هو الأولوية.

لقد تأرجح "ترامب" بين محاولة لقاء المرشد الأعلى الإيراني وبين تصعيد المواجهة. وقد دفع اغتيال الجنرال "قاسم سليماني" الولايات المتحدة إلى حافة الحرب. وفي منتصف يناير/كانون الثاني، أصيب العشرات من القوات الأمريكية جراء الانتقام الإيراني، ولا تزال القوات الأمريكية والقوات المتحالفة في العراق تواجه هجمات من ميليشيا كتائب "حزب الله" المرتبطة بإيران.

 كانت النتائج الرئيسية لحملة الضغط التي شنها "ترامب" هي العزلة الدولية للولايات المتحدة أمام طموح إيران النووي، وضغوط جديدة داخل الحكومة العراقية لطرد القوات الأمريكية، مع استمرار تحديات الأمن البحري والبنية التحتية للطاقة في الخليج.

لقد نجحت الولايات المتحدة في ردع الإيرانيين على مدى العقدين الماضيين دون الاعتماد على الأداة العسكرية بشكل كبير، ولكن من خلال مزيج من العقوبات والاستخبارات والضغط متعدد الأطراف والاستخدام المستهدف للقوة عند الضرورة.

وتوفر حزمة السياسة الفعالة لاحتواء التهديدات الإيرانية مسارًا لحث إيران على التهدئة والتخلي في نهاية المطاف عن سلوكها الحالي لصالح الشراكة الدولية، ويتطلب تنفيذ هذا النهج عملية محكمة بين الوكالات  الأمريكية وتعاونًا وثيقًا مع الحلفاء، وهما سمتان غائبتان بشكل ملحوظ من إطار السياسة الحالية للولايات المتحدة.

 

 

موضوع يهمك : حصار داخل حصار.. كيف تضخمت معاناة تربية الأولاد في غزة؟

 

إعطاء فرصة للسلام

تحتاج الولايات المتحدة أيضًا إلى إخماد النزاعات الإقليمية الأخرى التي تمنح إيران وروسيا، فرصًا لتوسيع نفوذهم في الشرق الأوسط. في هذا الصدد، قد يكون لأزمات اليوم فائدة وحيدة، فقد تقلل الأزمة المالية لدول الخليج من ميلها نحو المغامرات الإقليمية.

منذ عام 2011، قدمت الحكومات الخليجية الدعم المالي والمادي والسياسي للجهات المسلحة في ليبيا وسوريا واليمن. اعتبرت دول الخليج هذه الصراعات الأهلية حروبًا بالوكالة مع خصومها من أجل النظام الإقليمي المستقبلي. ففي ليبيا، بالرغم من حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، قدمت مصر وروسيا والإمارات الدعم العسكري لهجوم الجنرال الليبي "خليفة حفتر" على طرابلس. وفي حين تراجعت معظم المساعدات الخليجية للمعارضين السوريين منذ سنوات، لكن تأثيرها لا يزال واضحًا في تفريق المعارضة لرئيس النظام السوري "بشار الأسد". وفي اليمن، شاركت 3 دول خليجية في القتال مباشرة في حرب أهلية مستمرة.

سمحت سياسات إدارة "ترامب" بشأن النزاعات الأهلية الثلاثة للجهات الفاعلة الإقليمية (بالإضافة إلى روسيا وتركيا) بمتابعة أهدافها دون التقيد بأي خطوط حمراء أمريكية. لكن الآن، قد تدفع الظروف دول الخليج لإعطاء فرصة للسلام. وقد يوفر الانخفاض في الموارد والتزام بعض الجهات الفاعلة القوية تجاه هذه الصراعات نفوذًا إضافيًا للولايات المتحدة للضغط من أجل خفض التصعيد دون الحاجة إلى التزام جديد مكلف أو محفوف بالمخاطر.

وينطوي الصراع في اليمن على فرصة لتشجيع المسار نحو حل النزاع، حيث بدأت كل من القيادتين الإماراتية والسعودية في إدراك أن ثمن مشاركتهما في الصراع لا يمكن تحمل استمراره. لم يفشلوا فقط في تحقيق هدفهم المتمثل في إعادة حكومة الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي"، ولكنهم أيضًا قوضوا بشدة استقرار اليمن والإقليم، مما أفاد إيران و"القاعدة" في شبه الجزيرة العربية.

بطبيعة الحال، فإن "رقصة التانجو" تحتاج إلى طرفين، ولكن الحوثيين، المدعومين من إيران، يقاومون جهود التفاوض. ويمكن للولايات المتحدة زيادة الضغط على الحوثيين من خلال تعزيز التحالف البحري الذي يضم أستراليا وفرنسا وغيرهما لاعتراض شحنات الأسلحة إلى الحوثيين.

من المحتمل ألا يستمر الحوثيون في القتال فحسب، بل سيتجاوزون الحدود بمحاولة الاستيلاء على الأراضي السعودية أو شن هجوم يؤدي إلى أضرار كبيرة. لكن بغض النظر عن هذه النتيجة، يمكن للولايات المتحدة أن تبذل بعض الجهود الدبلوماسية بشكل مفيد من خلال تشجيع الجهات الخارجية على الحد من مشاركتها في الحرب ودعم عملية المفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي