إلى آخر الأرض - إبراهيم نصر الله

خدمة شبكة الأمة برس الإخبارية
2009-02-04

رغبات

.. إلى آخرِ الأرضِ خُذْنيَ
يهمسُ غصنٌ لرفِّ طيورٍ غريب
خُذيني، يقولُ السَّحاب لريحٍ، فلا شيءَ في هذه الصَّحَراءْ خُذيني، يقولُ الجنونُ لأغنيةٍ عابرةْ
خُذيني، فلا شيءَ في مدنِ الصمتِ إلا الحقيقة والعقلاءْ خُذوني إلى الضوءِ، يهتف نايٌ لشعبٍ من الغجرِ العابرينَ
خُذيني إلى الشرقِ، يهتفُ حلْمٌ لقُبَّرةٍ لا تحبُّ الضّبابْ خُذيني إلى ما تبقَّى هنالكَ من أبيضٍ،
للنّوارسِ يهتفُ هذا الغرابْ
إلى شِعْر طاغورَ خُذنيَ، تهمسُ عصفورةٌ، فجأةً، للصباحْ
.. إلى المتنبي تقولُ الخيولُ التي عَلِقَتْ في سهولِ الجراحْ
خُذيني إلى السَّفح، يهمسُ بابٌ لنافذةٍ
منذ عامين تؤلمني العتباتْ!
خُذيني إلى زرقة ليس فيها انحناءٌ، يقولُ لقافلةٍ تعبرُ الدَّربَ منهكةً في الظلامِ، النّخيلْ

أعدْني لبيتيَ، يهمسُ للموتِ، طفلٌ قتيلْ

سـَـلام !!

سأُلقي السَّلامَ على كلِّ شيء لأنيَ فيهِ:
الحمَامُ على حافةِ السّور يَهْدِلُ والقطُّ إذ يترقَّبهُ
وعلى الزَّهرِ يصعدُ من بين فكّيِّ مجزرةٍ
مثلما يصعدُ الوردُ في أيِّ حقلٍ
على طائرِ الشمسِ ينقرُ حبَّ النّدى هادئاً
وعلى النَّحلِ يشربُ كأسَ الرحيقْ
.. ..
سأُلقي السلام على كلِّ شيء لأنيَ فيه
الرصيفُ المحاصرُ ما بين جيشينِ يقتتلانِ
على ما تبقَّى هنا من صغارٍ يفرّونَ من مقعدِ الدَّرسِ
كي يؤنسوا - خلسةً - صمتَ هذا الطريقْ
.. ..
سألقي السلامَ على كلِّ شيء لأنيَ فيه
المسافةُ ما بين أغنيتينِ
وقد أقفرتْ من قلوبٍ تُعمِّرها بالحنينِ
وتطفئُ فيها امتداداً صقيعاً بعشقٍ حريقْ
.. ..
سألقي السلامَ على كل شيء لأنيَ فيه
السماء التي علَّقتْني هنا كالصَّليبِ ثُريّـا
على الأرضِ .. لا شيءَ فيها تبقَّى
سوى نخلةٍ في فراغٍ عميقْ!
.. ..
سألقي السلامَ على كلّ شيء لأنيَ فيه
صغاري الذينَ يطيرونَ حوليَ مثلَ الفَرَاشِ
ولم يعرفوا الفرقَ ما بين ضوءِ القناديل، بعدُ،
ونارِ الحريقْ
.. ..
سألقى السّلام على كلِّ شيء لأني فيهِ
على الـنَّثرِ والشِّعرِ
يقتتلانِ إذا ما غفوتُ
ويقتتلانِ إذا ما صحوتُ
وقلبي الرهينةُ
هذا يقولُ: أريدُ القصيدةَ فِدْيةَ قلبكَ
ذاكَ يقولُ: الروايةَ
لم يعرفا بعدُ أني بغير فؤاديَ لا أستطيعُ الكتابةَ
- خُذْنا إذنْ فِدْيةً، سيقولانِ، واكتُبْ
كما شئتَ، ما شئتَ،
هذا زمانٌ يضيقْ
.. ..
سألقي السلام على كلِّ شيء لأني فيه
على امرأةٍ تترقَّبني منذ عُمْرٍ
وأخرى حلُمتُ بها دون جدوى وفرَّتْ من الحُلْم تعدو بعيداً بجيْدٍ طويلٍ وخصْرٍ رقيقْ
.. ..
سألقي السّلام على كلِّ شيء لأنيَ فيه
الطفولةُ، تلكَ الأسيرةُ في دفتري ههنا
منذ خمسينَ عاما
وتلكَ الكهولةُ إذ تترقّبني بسلامٍ هناكَ بلا قلقٍ
في نهاياتِ ذاك المضيقْ
.. ..
سألقي السلام على كلِّ شيء لأنيَ فيه
على قاتلي المطمئنِّ الأنيقِ
وعينِ الصديق التي تترقَّبُ زهرَ خيانتهِ يتفتَّحُ
ما ان تسيلَ هنا في الممرِّ دماءُ الصديقْ!!!
.. ..
سألقي السلامَ على كلِّ شيء لأنيَ فيه
سألقي السلام عليكمْ.. علينا
على نصفِ يومي الذي لم أعشْهُ
على نصفِ أمسي الذي فرَّ من راحتيْ كاليمامةِ مُبتعِدا
سألقي السلام على نصفِ أرضٍ
على ثُلث منفىً
ورُبْع غناءٍ
وخُمْس بكاءٍ
وسُدْس حياةٍ
وسُبْعِ رَدى.
على ثُمْنِ حربٍ
وتُسْعِ سَلامٍ
وعُشْرِ مدى !!!!

تأملات

يتأمّلُ غيمٌ بلاداً على حافَّةِ الهذيانْ
تتأمّلُ عاشقةٌ نافذةْ
لم تجدْ أفْقَها منذ عامينِ في عَتَمَاتِ المكانْ
يتأمّلُ طفلٌ أباه الذي لم يزلْ واقفاً تحت شجرةِ توتٍ ومنذ سنينٍ يراه يموتُ
كأنَّ الزّمانَ هنا واقفٌ شبحاً في الزمانْ
يتأمّلُ حقلٌ ذبولَ خطى النهرِ فجراً
ويُنشِدُ مرثيةَ الروحِ، صمتاً، بلا شفةٍ أو لِسانْ
يتأمّل زرْعٌ هبوبَ الخماسينِ
في أعينِ الناسِ والحيوانْ
تتأمّلُ هذي الدُّمى طفلةً
فوق ذاكَ الرصيفِ تُشير بجبهتِها نحوَها
واليدانِ مقطَّعتانْ
يتأمّلُ جسمٌ بقاياه في السجنِ
كيفَ تلاشى
ولم يبقَ من كلِّ أوصافِهِ غيرُ شكْلِ الرّمادِ وطعمِ الدُّخانْ
يتأمّل وجهٌ ملامحهُ في المرايا
ويبكي: المرايا كما الناس ذاكرةٌ من ضبابٍ
ويسألها هاذياً
أين ريحي وقامتُها
أينَ ذاكَ الحصان؟!
تتأمّل أغنيةٌ خطْوَها في ارتعاشةِ حنجرةٍ يَبِسَتْ.. وكَمانْ
يتأمّل بحرٌ ضحاياهُلمّا يزلْ بهم شغفٌ لاقتيادِ العواصفِ من شَعرها
بالأغاني الحزينةِ والخيزرانْ!
تتأمّلُ حربٌ حقولاً من الموتِ لا تنتهي
ونساءً بلونِ السَّوادِ
يَسِرْنَ على خطِّ دمعٍ رفيعٍ ويذبلْنَ قبل الأوانْ تتأمّلُ عصفورةٌ كلَّ هذا
ولكنّها لا تكفُّ عن الطيرانْ!

مفارقات

هنا أُفقٌ عالقٌ بسحَابةْ
طريقٌ هنا عالقٌ بخطى هِرَّةٍ
ومحيطٌ بصنّارةٍ
رجلٌ محترمْ عالق بإشارةْ
وفلسفةٌ ببقايا بِشارَةْ!
ونسْرٌ بأرنبةٍ
وثلاثونَ طيراً محلقةٌ بجناحِ ذبابةْ!
هنا جبلٌ عالقٌ بحجرْ
يتدحرجُ في الليل للمنحَدَرْ
وهنا ضحكٌ عالقٌ بالكآبةْ
والتواريخُ غابةْ!!

أمومة

قالَ لي البيتُ: سُوريَ عالٍ وكلُّ جدارٍ هنا قلْعَةٌ
والنوافذُ تحرسُ سرَّ المكانِ
وتحرسُ ضوءَ الهلالِ الطريِّ على زهرةِ الفُلِّ فوقَ السِّتارةِ
في الحَوْشِ أشجارُ سرْوٍ
وخلفيَ، تعرفُ، غابةُ لوْزٍ وتمتدُّ حتى رؤوسِ الجبالِ
فنمْ جيداً
ثَمَّ بحرٌ أنيسٌ يُعلِّمُ أطفالَنا العَوْمَ في ساعةِ الظُّهر
يحْمي النّوارسَ من كلِّ شرٍّ
ويعرفُنا في الليالي الطّوالِ
ويفهمُنا كالنّدى والظِّلالِ
على كَتِفِ التلِّ زيتونةٌ ولِدَتْ قَبْلَنا
علَّمتْنا كلامَ القناديلِ في الشَّرقِ
والريحَ في طُرُقاتِ الشَّمالِ فنمْ جيداً
خلْفَ بيّارةِ الموزِ نهرٌ صغيرٌ
يُغنّي لطفلٍ على خشبِ الصَّلْبِ
يغسِلُ أرجلَهُ بالبنفسجِ
.. جبْهتَه ببياضِ القُرنفل والياسمينِ
ويهمسُ: كنْ قمراً للجَمالِ
يمرُّ الظَّلامُ هنا واثقاً كالجنودِ
فنمْ، تحتَ رأسِكَ هذا الترابُ
وظلُّ الجنود كظلِّ الرّياح: بقايا الرِّمالِ
فنم جيداً قالَ لي البيتُ
لا ترتعِدْ إن رأيتَ سماءً مُعلَّقةً من ضفائرها
تتدَلَّى من السَّقفِ
أو إن رأيتَ ذراعَ فتى - ليُعيِدَ السماءَ إلى نفسها- يتسلَّقُ في الليلِ جذْعَ النّخيلْ
أو رأيتَ غزالاً يُطلُّ من النَّعْشِ
أو نجمةً تتعثَّرُ كالطّفلِ خلْفَ دليلْ
قال لي البيتُ لا ترتعدْ
بعدَ يومينِ تنهضُ حيَّاً
وإن نِمْتَ كالآخرينَ قَتيلْ!

شاعر من فلسطين
صورة

تغيَّرَ فيَّ الكثيرُ أجلْ
شابَ شَعْري
الخطايا أقلُّ!!
وأما الخُطى فهْيَ أقصرْ!!
قهوتي في المساءِ أخفُّ
وشاييَ من دونِ سُكَّرْ!
أميلُ إلى الأغنياتِ البسيطةِ
أكثرَ من أيِّ يومٍ مضى
وأسيرُ على مَهَلٍ
وورائي عواءُ ذئابٍ وعشرونَ خِنْجرْ
أُفكِّرُ في كلِّ ما مرَّ لكنْ
أُطيلُ تأمُّلَ ما ظلَّ أكثرْ!
وتكفي ثلاثُ دقائقَ حتى أنامَ وأصحو
وخمسُ دقائقَ كي أتذكَّرْ
مروري على الأرضِ مثل الفراشةِ
حُلْماً تجلَّى وحُلْماً تَكسَّرْ
ويَفتنُني قمرٌ مطمئنٌ لعشّاقهِ
وسحابٌ فقيرٌ إذا مرَّ أمطرْ

خسرتُ كثيراً لأكسبَ نفسي
ظلالي مملوءةٌ بالمياهِ
وقلبيَ لمّا يزلْ، بعدُ، أَخْضَرْ

هنا

هنا في هدوءِ الرَّصيفِ قتيلُ
هنا في انطِفاءِ الزّهورِ قتيلُ
هنا تحتَ زيتونةٍ تشتَهي أن تعيشَ طويلاً كأغنيةٍ
وهنا في ظلالِ الكَمانِ على كتفٍ ناعمٍ كالهواءِ قتيلُ
هنا في امتداداتِ شَجْرَةِ سَرْوٍ
تُناغي السّماءَ لتضحكَ لو مرَّةً للصغارِ قتيلُ
هنا فوق عَتْبةِ بيتٍ يُهدْهِدُ ساكِنَهُ كي ينامَ قتيلُ
هنا في استراحةِ سيِّدةٍ بَعدَ نشْرَةِ أخبارِ هذا المساءِ
وما سيَلِيها قتيلُ
هنا في اتِّزانِ المذيعِ أمامَ الشَّريطِ المُصَوَّرِ للغارةِ الأَلفِ يَصحو قتيلٌ ويَغفو قتيلُ
هنا في خُطى القُبَّراتِ على خيْطِ نُورٍ،
هنا في حقيبةِ تلميذةٍ،
فوقَ مَقْعَدِ درْسٍ،
على صمتِ شُبّاكِ صفٍّ تَعلَّمَ اسمَ الصباحِ
فصادقَ شمساً وعشرينَ طائرَ دُوريْ قتيلُ
هنا في الأغاني، القصائدِ، في لوحةٍ حَلَّقَتْ حينما التهموا البيتَ قَبلَ الغروبِ قتيلُ
هنا في لقاءِ سنونو بظلِّ الفراشةِ فوقَ المياهِ قتيلُ
هنا في ابتساماتِ عاشقةٍ تتساقطُ مثلَ الخريفِ قتيلُ
هنا في جَنِيْنٍ -على حاجزٍ- يتفلَّتُ كي
يُمْسِكَ اسمَ أبيهِ لينجو قتيلُ
هنا فوقَ هذا السَّريرِ قتيلُ
هنا تحتَ هذا السَّريرِ قتيلُ
(وما كانَ خلفكَ، ما زالَ خلفكَ: رُومٌ سوى الرُّومِ
قل لي إذنْ
فعلى أيِّ جنْبَيْكَ سوفَ تميْلُ؟!!) *

* صياغة أخرى لبيت المتنبي
** من ديوان جديد بعنوان (لو أنني كنت مايسترو) يصدر قريبا عن الدار العربية للعلوم ـ بيروت ومنشورات الاختلاف ـ الجزائر ودار مكتبة كل شيء ـ فلسطين.










شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي