ماذا لو دخلت الصين في حرب ضد أمريكا؟ الهزيمة واردة بسبب نقطة ضعف وحيدة

2020-09-07

الرئيس الصيني خلال عرض عسكري

الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين تشهد صعوداً وهبوطاً يجعل من استبعاد احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بينهما فرضية تفتقر إلى ما يساندها، وخصوصاً في منطقة بحر الصين الجنوبي التي تشهد تواجداً عسكرياً مكثفاً وجزراً كثيرة متنازعاً عليها، ورغم ثقة الصينيين في قدرتهم على حسم أي مواجهة لصالحهم، إلا أن هناك نقطة ضعف لا يمكن تجاهلها، فما قصتها؟

ما هي قدرات الصين العسكرية؟

منذ عام 2015 بدأت استطلاعات الرأي تظهر أن الغالبية الساحقة من الصينيين واثقون تماماً من قدرة جيش بلادهم على استعادة الجزر المتنازع عليها مع اليابان – جزر دياو سنكاكو – بالقوة العسكرية حتى في حال تدخلت القوات الأمريكية في الحرب لمساندة القوات اليابانية المتحالفة معها، واستمر ذلك الشعور بالتفوق العسكري وصولاً إلى اليوم.

وفي ظل التوتر المتصاعد بين بكين وواشنطن ووصوله لذروته مع تفشي جائحة كورونا حول العالم منذ مارس/آذار الماضي وتسمية الرئيس الأمريكي كورونا بالفيروس الصيني، بدأت تظهر في الأفق ملامح التنافس على الهيمنة على المسرح العالمي بعد أن سيطرت الولايات المتحدة على العالم منذ انهيار القطب الثاني وهو الاتحاد السوفييتي.

البحرية الصينية تريد طريقاً قصيراً للمحيط الهندي

ومع تغيير الصين لسياستها الخارجية في ظل زعامة الرئيس شي جينبينغ للدولة وللحزب الشيوعي، تحولت العلاقة بين الجانبين إلى ما يشبه الصراع المكتوم وبدأت تظهر بقوة ملامح معسكر مضاد للهيمنة الأمريكية تقوده الصين، وهو ما أصبح متردداً بشكل متكرر في التقارير الصادرة عن المراكز البحثية سواء الغربية أو الشرقية.

ومن هذا المنطلق بدأت مراكز بحثية متعددة استطلاع رأي الصينيين في الصراع مع الولايات المتحدة، وفي هذا السياق نشر موقع The National Interest تقريراً بعنوان "الصينيون مقتنعون بقدرة جيشهم على هزيمة أمريكا في بحر الصين الجنوبي"، رصد نتائج استطلاع رأي تجري بصورة منتظمة منذ عام 2015، وهذه النتائج تلقي بظلالها على مستقبل العلاقات بين الطرفين.

وثقة الصينيين ليست من فراغ بالطبع، فبلدهم يتمتع بثاني أقوى اقتصاد في العالم – بنهاية 2019 وعلى الأرجح ستظهر النتائج الاقتصادية الكلية بنهاية العام الجاري أن الاقتصاد الصيني أصبح يحتل الصدارة عالمياً – وهي قوة نووية وتتمتع بحق الفيتو في مجلس الأمن، كما أنها تمتلك جيشاً تقليدياً هو الأكبر من حيث العدد عالمياً، وإذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تتمتع بالصدارة بشكل عام من الناحية العسكرية، تظل القدرات العسكرية للصين تمثل تحدياً لا يستهان به.

بماذا يتفوق الجيش الأمريكي؟

موقع The National Interest  الأمريكي نشر تقريراً بعنوان "الشيء الوحيد الذي يحد من قدرة الصين على أن تصبح قوة عظمى"، رصد افتقاد جيش تحرير الشعب (الجيش الصيني) للخبرات القتالية، حيث كانت آخر حرب يخوضها عام 1979، فهل تمثل تلك عقبة حقيقية ونقطة ضعف فعلاً؟

قوات أمريكية في العراق

في حالة المقارنة، من هذه الزاوية، مع الجيش الأمريكي فإن الجيش الصيني بالطبع يخسر بشكل حاسم، فأمريكا لم تتوقف عن خوض الحروب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2001 حتى الآن؛ غزو أفغانستان ثم غزو العراق وقيادة التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش في سوريا والعراق وجميعها حروب لا تزال لم تحسم بعد، بصورة أو بأخرى.

وبالتالي ربما لا يوجد بين قيادات الجيش الصيني جنرالات يتمتعون بخبرة الحرب الفعلية، على عكس الجيش الأمريكي، لكن السؤال هنا في ظل التقدم التكنولوجي الذي جعل الحرب تدار من غرف محصنة تحت الأرض على بعد آلاف الأميال، هي تعتبر هذه نقطة فاصلة فعلاً؟

هل الحرب محسومة إذن؟

المحلل تيموثي هيث في مؤسسة RAND البحثية بكاليفورنيا يرى أن الجيش الصيني ربما لا يمتلك خبرة قتالية بالفعل، ولكن ربما لا يؤثر عدم الخبرة كثيراً، والسبب أن الجيش الصيني يمتلك اليوم ترسانة مبهرة من الأسلحة التي تعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا المتطورة للغاية وإن ظلت قدرة العسكريين الصينيين على استخدام تلك الأسلحة في حرب فعلية أمراً غير واضح.

ويرجع آخر صراع عسكري رئيسي يخوضه الجيش الصيني إلى عام 1979 عندما "سحق الجيش الفيتنامي صاحب الخبرة القتالية غزواً صينياً"، بحسب هيث، ففي ذلك الوقت كان الجيش الفيتنامي لا يزال منتعشاً من الانتصار الذي حققه على الولايات المتحدة وحلفائها مطلع السبعينيات، على النقيض تماماً من القوات الصينية التي كانت تعرضت لعمليات تطهير سياسي على أيدي الحزب الشيوعي.

ويرى هيث أن "التداعيات الكارثية واضحة بالدليل من حيث اعتماد جيش التحرير الصيني وقتها على تكتيكات عسكرية بالية مثل الهجوم من خلال الأمواج البشرية إضافة إلى عدم قدرة رجال المشاة على قراءة الخرائط وعدم دقة رجال المدفعية بسبب عدم التدريب على أجهزة قياس المسافات".

شبح الهزيمة في فيتنام لا زال يخيم على الجيش الصيني 

 

ولا يزال شبح الهزيمة يخيم على الجيش الصيني، وفي الصين اختارت القيادة السياسية أن تتجاهل الصراع المحرج وهي الاستراتيجية التي توافقت بصورة غريبة مع رواية النهوض السلمي للبلاد، لكن هذه الاستراتيجية تركت آثارها على كثير من قدامى العسكريين الصينيين بشأن المشاركة في أي حرب.

لكن ذلك لا يعني أن الصين لا يمكن أن تنتصر في أي مواجهة عسكرية كبرى، على الرغم من أن حرباً كبرى بين بكين وواشنطن يمكن أن تشهد هزيمة طرف وانتصار آخر بشكل حاسم أخذاً في الاعتبار الخسائر الكارثية المتوقعة لهكذا مواجهة، سواء بشرياً أو بيئياً أو سياسياً، فالانتصار في هذا الحالة لن يعني سوى شيء واحد وهو أن طرفاً استطاع أن يحقق هدفه الاستراتيجي ويحرم الطرف الآخر من نفس النتيجة.

ماذا يقول التاريخ عن حتمية الخبرة؟

لكن دروس التاريخ تشير إلى أن نقص الخبرة القتالية ربما لا يكون العامل الحاسم في الحروب، ففي بداية اشتراك الولايات المتحدة نفسها في الحرب العالمية الثانية كان الجيش الأمريكي يفتقد الخبرة القتالية لكنه يمتلك الموارد والتنظيم والرغبة في القتال، إضافة إلى التدريب والتعليم والقدرة على تصحيح المسار بصورة مكنته من العودة سريعاً من هزائم تعرض لها مثل سحق الجيش الألماني للقوات الأمريكية في ممر كاسيرين في شمال إفريقيا عام 1943.

وعلى النقيض من هذا المثال، كان الجيش العراقي عام 1991 يتمتع بخبرة طويلة بعد حربه ضد إيران لمدة 8 أعوام بداية من 1980، لكن تجهيزاته ومؤسساته لم تكن كافية للتصدي لقوات الحلفاء فتعرض للهزيمة وتم تحرير الكويت بأيدي قوات التحالف التي كانت أقل من ناحية الخبرة.

وفي هذا السياق، فإن الجيش الأمريكي يتمتع اليوم بخبرة حربية تفوق أي قوات مسلحة أخرى في العالم، بسبب العمليات العسكرية الممتدة في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى حول العالم، لكن مسألة كون تلك الخبرة عاملاً حاسماً في حرب بأسلحة عالية التقنية ضد الصين تظل أمراً مثيراً للجدل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي