مصاب بالتوحّد ولم يتكلم حتى سن السابعة، رسم مدناً كاملة

2020-09-05

لم يبدأ الكلام حتى سن السابعة، ولكن بعد رحلة واحدة فقط بطائرة هليكوبتر فوق سنغافورة، أمضى ستيفن ويلتشر الأيام الخمسة التالية في رسم منظر المدينة بتفاصيل رائعة معتمداً بالكامل على ذاكرته. مع ذلك، عندما كان في الثالثة من عمره، قطع الأطباء الأمل من ويلتشير بسبب تشخيصه بمرض التوحد.

ستيفن ويلتشر ذو الـ45 عاماً اليوم هو فنان عالمي يطير فوق مدن العالم ويزور معالمها الحضارية والتاريخية ويرسم أجملها. تعرفوا معنا على هذا الفنان وموهبته المبكرة.

حياة ستيفن ويلتشر المبكرة

لم يكن ستيفن ويلتشر يتكلم خلال السنوات الثلاث الأولى من حياته. اعتقد والداه في البداية أنه يعاني من تأخر الكلام، لكنه في عام 1977 عندما بلغ عامه الثالث شخّصه الأطباء بالتوحد وتوفي والده في نفس العام في حادث دراجة نارية.

وكما هو الحال مع العديد من تشخيصات التوحد في السبعينيات، فقد أعطى الأطباء عائلة ويلتشير نظرة قاتمة وأخبروهم بأنه من غير المرجح أن ينجح الطفل في أي مجال بسبب مشاكله التنموية.

ومع ذلك، سرعان ما بدأ ويلتشر في إثبات عكس هذه الاعتقادات. ففي سن الخامسة، التحق بمدرسة كوينزميل في لندن، وهي مدرسة للأطفال المصابين بالتوحد.

بعد التحاقه بالمدرسة، أظهر ويلتشر اهتماماً شديداً بالرسم. في البداية رسم الحيوانات والسيارات ثم رسم تخطيطاً لمباني لندن الشهيرة، بالإضافة إلى مناظر جوية لمدن خيالية دمرتها الزلازل بعد أن علم عن الزلازل في المدرسة. وسرعان ما طوَّر فهماً مبنياً على الكتب المدرسية للسيارات الأمريكية وأنتج مناظر للمدن أكثر تعقيداً.

ومن أجل جعل ويلتشير يتحدث، أخفى أساتذته عِدّة الرسم الخاصة به، وبهذه الطريقة تعيَّن عليه أن يتعلم كيف يطلبها. لم يمضِ وقت طويل حتى قال كلمته الأولى: "ورقة". وقد تعلّم ويلتشر التحدث بشكل كامل في سن التاسعة.

الشغف يصبح مهنة!

أبدى أحد معلمي ويلتشر اهتماماً خاصاً به، وأدخل عمله في مسابقات فنية للأطفال وحصل العديد منها على جوائز. أصبحت الصحافة المحلية مهتمة بشكل متزايد بذلك الطفل الصغير الذي يستطيع إنتاج مثل هذه الرسوم الرائعة.

وسرعان ما تحول اهتمام وسائل الإعلام إلى جميع أنحاء البلاد، وقام ستيفن ويلتشير البالغ من العمر 7 سنوات بخطواته الأولى لبدء حياته المهنية مدى الحياة، وفي نفس العام باع عمله الأول.

تلقى ويلتشير مهمته الأولى للرسم عندما كان عمره ثماني سنوات فقط. فقام بعمل رسم تخطيطي لكاتدرائية سالزبوري لرئيسة الوزراء مارغريت تاتشر. بعد ذلك بعامين أكمل أحد أعماله الأولى المعروفة بعنوان "أبجدية لندن". تضمنت هذه المجموعة من الرسومات معالم لندن الشهيرة، معلم واحد لكل حرف من الحروف الأبجدية.

أحد رسوم كتاب أبجدية لندن

ظهر ستيفن ويلتشير في المسلسل التلفزيوني الوثائقي العلمي الشهير QED الذي كانت بثّته BBC، عام 1987. كان عمر ويلتشر آنذاك 11 عاماً. كان البرنامج يتحدث عن الموهوبين المصابين بالتوحد، ولاختبار مهاراته أخذه فريق العمل إلى مبنى تاريخي مميز لم يره ويلتشر مسبقاً، محطة قطار سانت بانكراس المزخرفة من العصر الفيكتوري وسط لندن، ثم طلبوا منه رسمها من الذاكرة لاحقاً في ذلك اليوم.

أذهلت رسوماته المهندس المعماري البريطاني البارز السير هيو كاسون، وقال عن ويلتشر: "إنه رسام طبيعي رائع، لم أر أبداً موهبة طبيعية وغير عادية مثل هذه الموهبة التي يمتلكها هذا الطفل.. أتمنى أن يعرف أنه يمتلكها".

عندما كان عمره 13 عاماً فقط نُشر كتابه الأول: مجموعة رسومات تحمل اسم الرسومات. كتب مقدمة هذا الكتاب الفنان المعماري كاسون. بحلول الوقت الذي تخرج فيه في مدرسة City & Guilds of London للفنون عام 1998، كان قد نشر ثلاثة كتب أخرى. تصدر كتابه بعنوان مدن عائمة عام 1991 قائمة أفضل الكتب مبيعاً في صنداي تايمز.

نجاحات ستيفن ويلتشير اليوم

يقضي ستيفن ويلتشير معظم وقته في رسم مناظر المدن. يحتفظ بقطعه الفنيّة في معرض دائم في لندن ويعرضها في جميع أنحاء العالم.

يأخذ بشكل عام جولة قصيرة بطائرة هليكوبتر فوق المكان الذي سيرسمه، مع أخذ المعدات المهمة لقياس حجم الموقع. ثم يقضي من خمسة إلى عشرة أيام يرسمها على قماش عملاق. في بعض الأحيان يرسم أمام الناس في أماكن عامة.

حصل ستيفن ويلتشير على تكريم MBE ،كعضو في النظام الأكثر تميزاً في الإمبراطورية البريطانية، للخدمات المقدمة إلى عالم الفن في عام 2006. تدعم أعمال ويلتشر العديد من المؤسسات أو القضايا خاصةً تعليم الفنون أطفال.

وقد رسم سيدني وأفق أستراليا لدعم منظمة تقديم الخدمات لمرضى التوحد Autism Spectrum Australia. رسم ويلتشير أيضاً أفق سنغافورة وهونغ كونغ ومدريد ودبي والقدس ولندن وفرانكفورت.

وفي مدينة نيويورك، رسم مواقع مثل جزيرة إليس وتمثال الحرية وشاطئ نهر هدسون في نيوجيرسي وجسر بروكلين. من أشهر أعماله أفق روما، حيث تمكن من الحصول على عدد الأعمدة في البانثيون بشكل صحيح تماماً، على الرغم من رؤيته للمبنى لأقل من دقيقة.

أخبرت أنيت، شقيقة ويلتشير، صحيفة الغارديان مؤخراً بأن فن شقيقها وليس مرض التوحد هو ما يميزه حقاً:

"ستيفن ليس لديه فهم لمرض التوحد ومع ذلك فهو يدرك أنه فنان وفنان متفرد ويجب عدم التعريف عنه بمرضه. من المهم التركيز على موهبته وكيف تغلب على العقبات".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي