الحاجة إلى النقد الجمالي

2020-09-03

"التكعيبية" تسمية ابتكرها الشاعر أبولونيرفاروق يوسف*


يُحب الرسامون رسومهم وهم أيضا يُحبون الرسوم التي سحرتهم وتأثّروا بها. وليس من المستبعد أن يختلط الأمر عليهم فيكونون كمَن يحلم أحلام غيره فيعتقد أن ما يراه في حلمه لم يره أحد قبله.

الشغف بالرسم يحضر محاطا بعصف عاطفي لا يسمح للعقل بالتدخل. لذلك لا يصلح الرسامون لأن يكونوا نقادا لرسومهم. لن تتمكن النصيحة من الوقوف على قدمين سليمتين.

كان هناك دائما رسامون نقاد، لكنهم غالبا ما يتحاشون الاقتراب من رسومهم، وإن فعلوا فإن أخطاءهم ستسبقهم من غير أن يتمكنوا من اللحاق بها.

الرسام لا يعرف رسومه أكثر من الآخرين. حتى الحيل التقنية فهي ليست ملكه وحده. وهو يحتاج إلى عيون الآخرين لكي يرى رسومه من خلالها.

حين ظهرت المدرسة التكعيبية في عشرينات القرن العشرين عرض رساموها رسومهم على الشاعر أبولونير الذي اخترع تسمية “التكعيبية” عنوانا لذلك التحوّل. لقد رأى الشاعر الذي كان في الوقت نفسه ناقدا فنيا في تلك الرسوم ما لم يره رساموها.

غالبا ما يعرض الرسامون رسومهم على أصدقائهم من النقاد قبل أن يعرضوها على الجمهور. ذلك نقاش ضروري ينتج عنه أحيانا استبعاد عدد من اللوحات، لا لأنها ضعيفة، بل لأن شيئا من رسوم الآخرين يبدو واضحا فيها.

يقوم الرسام باستبعاد تلك اللوحات، لأنه يؤمن بخبرة الناقد ويثق بعينه التي تنظر بحرص وصدق ينبعان من معرفة محايدة. وذلك كله يعيدني إلى الأخطاء التي يرتكبها الرسامون العرب حين يعرض بعضهم رسومه مباشرة على الجمهور ليفاجأ بدهشة ذلك الجمهور وهو يكتشف شبها بين تلك الرسوم ورسوم سبقتها لرسامين آخرين.

يعود ذلك إلى أن الرسام العربي لا يشعر بالحاجة إلى الناقد إلّا باعتباره مروّجا دعائيا وليس خبيرا يمكن الاستفادة من معرفته في الحكم على التجربة الفنية قبل أن تجد طريقها إلى العرض العام.

الشعور بالحاجة إلى النقد من شأنه أن ينقّي التجربة الفنية من الشوائب ويحفظ لها توازنها.


*كاتب عراقي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي