ناجية من هيروشيما عمرها 90 عاما.. كل يوم يمثل فرصة أخرى للسلام

المصدر : الصحافة الأميركية
2020-08-25

6 أغسطس/آب عام 1945 كان يوما طبيعيا لكيوكو نيوميلر (15 عاما) وزملائها في الفصل، حيث كانوا مجبرين على صنع الأحذية العسكرية لأجل الحرب في اليابان، بدلا من الذهاب إلى المدرسة. عندما كانت كيوكو تهم بمغادرة المنزل ذلك الصباح، أخبرت والدتها أنها رأت حلما سيئا.

بعد وصولها إلى العمل، رأت وميضا من الضوء وسمعت ضوضاء تصم الآذان. وكان آخر شيء تتذكره هو إيقافها للآلة التي تعمل عليها ثم انهيار المصنع. في الساعة 8:15 صباحا انفجرت قنبلة نووية على بعد أقل من ميل من المصنع. ودمر الانفجار جميع المباني الواقعة على بعد ميل من منطقة الانفجار.

ركام ومطر أسود

وقالت الكاتبة باربرا تيراو، في تقرير نشرته صحيفة "ذا سياتل تايمز" (seattletimes) الأميركية، إن كيوكو فتحت عينيها لتجد نفسها مستلقية على الأرض، وهي تنظر للأعلى حيث اختفى السقف وملأ الركام المكان. لم تكن تعرف المدة التي قضتها فاقدة للوعي. تمزق زيّها الأزرق الداكن، وكانت حافية القدمين، وقطعة خشب ثقيلة على جسدها. لقد كانت محاصرة.

أصيبت كيوكو بجرح بجبهتها ومرفقها الأيسر، لكنها لم تصب بكسور. حاولت أن تتخلص من الوزن الهائل فوقها، وتمكنت من تحرير نفسها من الخشبة التي سقطت فوقها، وأصبحت أخيرا قادرة على الوقوف. وساعدت فتاتين مصابتين من زميلاتها في الفصل على الهرب معها من المصنع.

عندما وصلت كيوكو والفتاتان المصابتان إلى ضفة النهر، بدأ المطر الأسود الإشعاعي بالتساقط لساعات. حاول بعض الناس السباحة تحت الجسر الخشبي الذي انهار، لكن مستويات الماء كانت ترتفع بسرعة كبيرة لدرجة أن قلة منهم كانوا قادرين على عبوره. وتتذكر كيف جرفت المياه أما وطفليها.

عندما توقف المطر الأسود، وجدت الفتاتان جنديا من المصنع أخذهما لتلقي الرعاية الطبية. وكانت كيوكو لا تعرف إن كانت قد نجت وصديقتاها في تلك الأثناء أم لا. لم ينج من الانفجار سوى قلّة قليلة في تلك المنطقة.

وكان احتمال نجاة المواطنين الذين يقطنون في منطقة بعيدة عن مركز الانفجار أكثر من الذين يقطنون بالقرب منه؛ لكنهم ما زالوا يعانون من تأثيرات أشعة النيوترونات وأشعة غاما الصادرة من كرة النار. قُتل عشرات الآلاف من الناس بسبب الآثار المباشرة للقنبلة. ومع مرور الوقت، تسبب التسمم الإشعاعي بوفاة الآلاف. وكانت فرص نجاة كيوكو ضئيلة للغاية.

البحث عن العائلة

بعد أن وجدت الفتيات المساعدة في ذلك الصباح الرهيب، بدأت كيوكو بالبحث عن منزلها وعائلتها. كان الجسر الذي تعبره لتصل إلى منزلها على بعد أقل من ميلين من المصنع، لكنه اختفى بعد الانفجار. كان شقيقها الأصغر يقيم مع أقاربهم خارج المدينة ليكون بمأمن من صراع الحرب العالمية الثانية، ووالدها في العمل، ووالدتها في المنزل تعتني بطفل الجيران.

رجت كيوكو الله أن تجد والديها سالمين بينما كانت تسير حافية القدمين أثناء عودتها لمنزلها، وهي تشعر بألم شديد جراء تورمهما. سرعان ما رأت والدها سيتشي تنورا، الذي كان يبحث عنها هو الآخر، وكان على قيد الحياة وبحالة جيدة. أما والدتها، التي تُدعى تايكو، فقد أصيبت بجرح عميق في وجهها وحُرق 80% من جسدها.

كان والد كيوكو قد سمع عن وجود مركز مساعدة طبية، لذلك صنع نقالة لنقل زوجته تايكو إليه. عندما وصلوا إلى المكان المقصود كانت رائحة اللحم المحروق تفوح. وكانت كيوكو ووالدها يأملان أن تتلقى تايكو العلاج.

لكن الطبيب لم يستطع مساعدتها. ذكرت كيوكو أن الطبيب لم يتمكن سوى من مسح الحروق التي تغطي جسدها، ولم ينظفها بسبب نقص المعدات الطبية. توفيت تايكو في 14 أغسطس/آب، بينما كان الإمبراطور هيروهيتو يستعد لإعلان استسلام اليابان.

النجاة من قنبلة نووية

تنتمي كيوكو إلى "الهيباكوشا"، وهي كلمة ذات أصل ياباني تعني الناجين من قنبلة نووية. وأفادت بأن جميع الهيباكوشا خضعوا للرصد الإشعاعي بدءا من الفحص شهريا أول عامين. لم يكن لديها علامات تدل على وجود آثار جسدية دائمة، لكنها عانت من مشاكل في الكلى عام 1987، وخضعت لاختبارات مكثفة بحثا عن أي علامات لأضرار ناتجة عن الإشعاع.

سألت الكاتبة كيوكو عن كيفية نجاتها، فأخبرتها بأنها استطاعت النجاة بفضل إمدادات الطوارئ التي خبأتها والدتها ودفنتها في الفناء الخلفي للمنزل. تناولت كيوكو ووالدها ذلك الطعام الذي تضمن البطاطا الحلوة المحفوظة والخبز والأسماك المجففة، بدلا من الأسماك الملوثة من النهر.

كما تمكنوا من الوصول لصنبور مياه أحد الجيران كان ما يزال يعمل، وبنى سيتشي ملجأ من حطام الحي الذي يقيمون فيه، وكان خارج منطقة الاحتراق. بعد أيام قليلة، وصل عم كيوكو من رحلته الطويلة، وجلب لهم المزيد من الطعام والملابس.

قالت كيوكو إن وجودها داخل المصنع عندما سقطت القنبلة، وليس في الهواء الطلق، ساهم أيضا ببقائها على قيد الحياة، ورغم إصابتها بجروح طفيفة، إلا أنها لم تحترق. عند النهر، رأى أحد مديري المصنع الفتيات الـ3، وأعطاهن فوتونا (سرير أرضي) ليحتمين به من مطر التهاطل النووي.

لست غاضبة

تساءلت الكاتبة عن موقف كيوكو من هذه الكارثة، وما إذا كانت تشعر بالغضب من الولايات المتحدة بسبب ما حدث والأطراف المتسببة فيها، على غرار الرئيس الأميركي هاري ترومان، الذي أمر بإطلاق القنبلة.

أجابت كيوكو بأنها ليست غاضبة من أي طرف كان لأن البلاد كانت في حالة حرب، وكانت اليابان والولايات المتحدة تهاجمان بعضهما البعض، وقالت إنها تصلي كل يوم لأجل السلام، وهي تعلم أن البشر خاضعون لما يسمى "السموم الثلاثة" (الجشع والغضب والتهور).

عادت كيوكو لمسقط رأسها عام 2008، ولديها صورة مفضلة التقطت قبل الانفجار، تُظهر شجرة كرز مكسوة بأزهار وردية، وهي تشبه كيوكو، لا لأن كلاهما على قيد الحياة فقط؛ بل لأنها تبقى مزهرة، وكأنها تمنح الأمل لكل البشر.

متحف هيروشيما

اليوم، تعيش كيوكو (90 عاما) في جزيرة ويدبي منذ انتقالها من اليابان عام 1962 مع زوجها جايك نيوميلر، الذي كان ميكانيكيا في البحرية الأميركية، وتوفي عام 2018.

ازداد تقدير أطفال كيوكو الـ3 وأحفادها الـ5 إضافة لطفلي أحفادها؛ لنجاتها من الحادثة بعد زيارة متحف هيروشيما التذكاري للسلام معها. عند مغادرة المتحف، عانقتها حفيداتها الـ3، كما تتذكر كيوكو أنهن عبّرن عن امتنانهن لنجاتها.

تعيش كيوكو وفق فلسفة السلام بعد أن عانت أهوال الحرب، وتكرس نفسها للعائلة ولمن يحتاج الدعم. في أحد مجلداتها، تضع رسما تخطيطيا يحمل دوائر متحدة المركز تبدأ من نقطة الانفجار وتحدد الدمار الذي خلفته القنبلة بالدرجات.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي