عمل المرأة الأفغانية في قوات الأمن.. معاناة يومية من الإساءة والخوف والتحرش

المصدر : نيويورك تايمز
2020-07-24

يتقلّد جيل جديد من النساء حاليا أدوارا قيادية في أفغانستان، ولكنهن يتعرّضن يوميا لوابل من الإساءات، كما أنهن خائفات من أن الأوضاع لن تتغير كثيرا.

وفي تقريره الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" (The New York Times) الأميركية، قال الكاتب مجيب مشعل إن الملازمة الثانية زازا زازاي المتحمسة والمتعلمة والحديثة التخرج من أكاديمية الشرطة في تركيا، كانت تتمتع بمؤهلات ممتازة خوّلتها العمل في شرق أفغانستان في يونيو/حزيران، ولكن كل هذه المؤهلات لم تكن مهمة عندما بدأت العمل.

كانت زازا تُنعت بـ"العاهرة" على منصات التواصل الاجتماعي، بحسب الصحيفة، وقال الرجال إن وجودها في صفوف الأمن سيفسد مقاطعة خوست التي عُيّنت فيها، كما حاول زملاؤها في مقر الشرطة -حيث كانت الضابطة الوحيدة بين حوالي 500 موظف- تخويفها لإرغامها على ارتداء ملابس تقليدية بدلا من زيها الرسمي، والاختباء في الأركان الخلفية للمكتب بعيدا عن الناس.

وعادت الملازمة زازاي (21 عاما) إلى منزلها منذ يومها الأول وهي تشعر بالغثيان والخوف وعدم الأمان، لدرجة أنها طلبت من والدتها البقاء معها في المأوى بمقر الشرطة، قائلة "أريد أن أحصل على شيء ما أدافع به عن نفسي".

هشاشة المكاسب

وأصبحت مساعدة الأفغانيات اللواتي نُفين من ديارهن من قبل حركة طالبان أثناء توليها السلطة في التسعينيات، بمثابة صيحة استنفار للتدخل الغربي في أفغانستان عقب الغزو الأميركي عام 2001. وبعد مرور عقدين، أصبح صعود جيل من النساء الأفغانيات المتعلمات المحترفات مبشرا بحدوث تغيير.

ومع إمكانية وقوع محادثات لتقاسم السلطة بين حركة طالبان والحكومة الأفغانية، تخشى العديد من النساء أن الخطوات التي قطعنها مهددة. ومما يزيد مخاوفهن هشاشة المكاسب بعد عقدين، وإنفاق أكثر من مليار دولار على مشاريع تمكين المرأة، فالواقع اليومي للنساء اللواتي يحاولن تقلّد المناصب العامة في الحكومة وقوات الأمن لا يزال قاتما.

وتغيب المرأة عن الاجتماعات الرفيعة المستوى التي تُتّخذ فيها قرارات الحرب والسلم والسياسة، كما أن العاملات في الوظائف الروتينية يتعرضن يوميا لوابل من المضايقات والإهانة وسوء المعاملة.

وتشكل النساء 2.8% من إجمالي العاملين في قوات الشرطة التي كانت محور جهود التنويع لأعوام، وهو أعلى معدل مسجّل طوال 18 عاما. واعترف المسؤولون بأن حوالي 3800 امرأة يمارسن مهامهن بسرية ويتواصلن بشكل محدود مع الناس. وتشغل النساء 5 مناصب من 200 منصب قيادي عسكري ومدني في وزارة الداخلية.

قلة من الأفغانيات ارتقين المناصب

ويُذكر أن الرئيس الأفغاني أشرف غني ضاعف عدد السفيرات وقدم نائبات للمحافظين والوزراء وأرسل نائبات لوزارتي الدفاع والداخلية. ولكن العقلية الذكورية لا تزال تطغى بشدة على المجتمع الأفغاني، حيث تواجه اللواتي ارتقين إلى هذه المناصب الصعوبات.

وبيّن الكاتب أن الإستراتيجية الرامية لضم النساء إلى المناصب الأقل رفعة تتلخّص في إنفاق المال وتلبية حصص متواضعة. ففي الأعوام الستة الماضية، أنفقت الحكومة الأفغانية وحلفاؤها الغربيون 100 مليون دولار لبناء مرافق لتعزيز انضمام الأفغانيات إلى قوات الأمن.

وفي محافظة ننكرهار، أنفقت 6 ملايين دولار على منشأة تدريب لضابطات الشرطة، ولم يتم استغلالها حتى بعد 3 أعوام من انتهاء العمل.

رشوة النساء للانضمام إلى الشرطة

وبعد الإخفاقات المتكررة، خلصت جهود التجنيد بشكل أساسي إلى رشوة النساء للانضمام إلى قوات الشرطة. وبحسب حسناء جليل نائبة وزير الداخلية، فإن الحوافز التي قد تدفع النساء للالتحاق بقوات الشرطة تشتمل على 8 مزايا إضافية مقارنة بالذكور، وأضافت أنه سُمح للنساء عند بلوغهن سن التقاعد بتزوير هوياتهن وخفض سنهن للبقاء في الخدمة.

ومع ذلك، لم يتحقق هدف إشراك الإناث بنسبة 5% في قوات الشرطة. ولا يعزى هذا إلى الافتقار للنساء المؤهلات والراغبات في العمل، بل يعود إلى حقيقة أن الالتحاق بقوات الأمن يعني تحمّل الإساءة والإذلال.

تحرش في العمل وعنف في المنزل

ويقول الكاتب إن التحرش الجنسي متفشّ بين قوات الأمن، حيث أفادت شهادات بأن زوجات الضباط "الأرامل" بعد فقدان أزواجهن أثناء أداء الخدمة، كن عرضة للمضايقة عند الحصول على إعانات الوفاة. كما تتعرض ضابطات الشرطة للمضايقة بشكل متكرر، وهو ما يمنع النساء اللواتي يُعتبرن ضحايا العنف المنزلي وجرائم أخرى من زيارة مراكز الشرطة.

وتؤكد حسناء: "لو كان فقط بإمكاننا طمأنة الأب بأن كرامة ابنته ستكون مصانة في صفوف الشرطة لأنها تتمتع بالسلطة والمهنية، لربما اختلف الأمر، لكن تكريس هذه العقلية صعب".

وتعتبر رحيمة عطائي من اللواتي عانين طوال سنوات من سوء المعاملة، بسبب سعيها وراء حلمها بالترقية في صفوف قوات الأمن، إذ أمضت 13 عاما في القوات الخاصة بالشرطة الأفغانية، وهي تعمل الآن سكرتيرة لحسناء في وزارة الداخلية.

قبل والد رحيمة -وهو عقيد متقاعد من الشرطة- التحاقها بأكاديمية الشرطة، وخولتها قوتها الجسدية الانضمام إلى القوات الخاصة. أمضت أسابيع في خطوط الجبهة في المقاطعات التي تتعرض لهجوم من قبل طالبان، ولكن عند سؤالها عن كيفية تعامل زملائها الذكور معها في الميدان، انهارت وقالت إن ما تعرضت له من تنمر وإساءة تسبب في "إصابتها بمشاكل نفسية".

أخفت الأمر عن والدها خوفا على صحته وخشية منعها من العمل، وكانت في كل مرة تشتكي من ظروف العمل تتلقى الإجابة نفسها: "حسنا، أنت تتقاضين راتبا على الأقل".

تجربة رئيسة قسم الشؤون المتعلقة بالمرأة

قبل أن تبدأ حسناء عملها نائبة الوزير للإستراتيجية والسياسة، تم تعيينها لتكون عينا رقيبة في مؤسسة يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها وكر للفساد. كان عليها أن تكافح لأجل بقائها في المنصب، فغالبا ما يقوم المرؤوسون بتزويدها بمعلومات خاطئة للإضرار بها، "غالبا ما أقول إنني نائبة السياسة والإستراتيجية لوزير الداخلية، ولست رئيسة قسم الشؤون المتعلقة بالمرأة".

ورغم الاعتداءات المتعصبة ضد المرأة على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام، تقول حسناء إنها تواصل مسيرتها لإجراء إصلاحات في صفوف الشرطة، فهم يقضون ساعات طويلة يبحثون عن شبهات للفساد، ويحاولون إخضاع الضباط لمعايير جديدة للمساءلة، وتوفير رعاية أفضل لعائلات عشرات الآلاف من ضباط الشرطة الذين قتلوا منذ عقود في الحرب.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي