لن أطويَ عمري على مغزل

2020-07-04

 كريم ناصر*

1

فالحصانُ الغائصُ في الوحل رمى اللِجامَ و»الحكَمَتين والعذارين والسير»

أيّها الليلُ يا بطنَ الحوت كيف أنثر الرمالَ في خيالِ العسس؟

2

سأمقتكِ يا ريحَ الصـحراء يا طنينَ الرؤوس،

كأنَّ القرانفَ جدائل في أحضانِ البستان.

3

كقمرٍ يدركُ بهاءَهُ، كدغلٍ تلتهبُ نارهُ، كرعدٍ يشقُّ الفنارات،

خرجَ الولدُ من النفق..

بلّلَ المطرُ قصبَ البنات.

4

ما من بلابل على الشجرة، ما من نوارس على الشطّ، ما من زوارق من فضّة.

5

لا أستلّ كبدَ الحوت من أنفاسِ البحر..

ما مصير سفينة لا تمخر؟

6

متى أسوقُ القطيعَ وأكسرُ شوكته،

وأرفعُ الفخاخَ وأدخلُ الشمس؟

مَن لي غير البِرْكَة؟

7

فلا أشكُّ في مهارةِ الأُسُود، ولا أخافُ من الوزغ

لا أخافُ من دفّانٍ يركلُ رُفاتاً.

8

لِمَ يجفّ النهرُ ويشقّ الكوسجُ رذاذَ السفن؟

هناك تفحُّ الأفعى

هنا في أعماقي عاصفةٌ تنهبها اللذّة.

9

لم أرَ كوكباً ساحراً، لم أرمِ قنديلاً، لم أصطدْ سمكةً على الشاطئ،

سأغرسُ الشجرةَ في ضوءِ الشمس.

10

فالضبابُ الذي قطعَ السرابَ قطعَ سحابةً فَضفاضة..

هذا الغزال الذي قصدَ الضحضاحَ وروي منه

ضاع طيفُهُ في حديقة،

كيف يصدحُ الطائرُ ولا تهفهفُ الريح؟

11

أعطني حلوى قرنفلة

فلا أشرب ماءَ ساقية،

لتلك الصبوة تاريخٌ

إنَّ ديكَ الرملِ لا ينقدُ نبتةَ الجبال.

12

أصغي إلى هسيسِ الجنِّ، أصغي إلى الدم

كلّما غُصت في الطينِ ركبت نهراً في القرنِ الافريقي.

13

ستنهبني ريحٌ شماليّة، ريحٌ تطير، ريحُ سفينةٍ لا تنجو من الأمواج، لا تعوّلُ على الزنابق، ريحُ الصحارى.

14

سألحقُ بالرهطِ قبل القنطرة بالقنطرةِ قبل الرهط،

هذه الفكرة فتيّة

15

إنتفضي يا يدي لأُغازل البراعم،

أنا لا أهاب ريحاً لا تحرقني، لا أخاف من شمسِ جزيرة

يا دولةَ الملائكة.

16

كانت فانتازيا فاستحالتْ طنيناً،

كانت سحابة فأصبحتْ ريحاً كلّها عظام، ريحاً تصرعُ النمور.

17

كأنَّ ظلّي طيف شمس..

آه

يا ليت البحرَ يهدأ، يا ليتنا نحرّر طائرَ الريح،

هل لسيقانِ الشجرِ أقانيم؟

18

تكاد تسبقني الغزلانُ إلى الغدير،

مع اندلاعِ الحربِ الكونيةِ التي لن تتنهي.

خلف الجبالِ كواكب، فهذا الحادي يغنّي في العراء

19

فلن تنهشني أفعى تأكلُ تمساحاً، لن تزحفَ التنانين إلى الولائم..

ألا هل تمرحُ الغزلانُ في البُستان؟

20

أمّا تلك الشجرة فصفصافة خضراء،

فلا أريدُ عباءةَ الملك، لا أريدُ أسمالَ الخنافس.

21

ما من لآلئ ولا قواقع

فالبحرُ بيتك، أيها النُوتيُّ أيّها البحار

سأفــترشُ الأفنيــةَ التي تجــذبُ الغـزلان.

22

لا أثرَ لأزهارِ الحدائق،

هكذا ذرقَ العصفورُ ليرسم غابةً لأطيافه.

23

تأخذني الهمّةُ لأقرصَ خدّكِ الزاهر لأنفخَ في البُوقِ متناهياً في أنغامه.

24

الضوءُ رجلٌ يتألّم،

أنا حزين كصفصافة، فلن أطويَ عمري على مغزل.

25

وهاد من رملٍ وطين،

كأنَّ الريحَ تطوي القرطاس،

رأيتُ ثعلباً ماكراً،

أهذه الحديقة جنّةُ شياطين؟

26

لا أسخطُ على الغزلان، ولا أقتلُ الدلافين.

فلماذا لا تصدحُ الطيورُ على البحر؟

27

لولا الصيف لما سرّحت الفرس..

لا يفتحُ المفتاحُ قفلَ أبي،

لكم طويت الليالي، وركبت البحرَ والطحالبَ والأوراق.

28

آهٍ

سيبقرُ الكوسجُ بطنَ القُبطان، وتجزُّ المناجلُ السنابل،

آهٍ لا أريدُ الوعولَ هناك.

29

ليت الشمسَ تنطّ،

الذاكرةُ صيفٌ في الظلام،

سيقتلعُ السيلُ زنابقَ الحقل،

في كلِّ حربٍ يموتُ نسغٌ في شجرة.

30

أهكذا أُحصي الموتى وأكتفي بحكمة؟

أعرف أنَّ الطائرَ في الهوّة، وأعرف أيضاً كيف أعبرُ البريّة،

قدمي على طرفِ غيمة،

فما من نهرٍ لا يلجهُ تنّين.

31

لا أستنشقُ ريحَ القارات،

هذا الصيف يلصفُ الحجارةَ في طريقي

سأقطعُ ذيلَ الحرباءةِ التي تتلوّنُ في الشمسِ وتصيدُ الفرائسـَ في خيالِ البركان.

32

لا أصطادُ سمكةً تملكُ روحاً، ولا طائراً يهبطُ من شجرة،

لا أراقبُ الكَرْمَ في الوحل،

كلّما فحّتِ الأفعى أسرجت حصاني على الشاطئ.

33

لعلَّ السكّةَ ورمُ الأرض،

فلا أُحاذي الماءَ لكيلا أقتفي أثرك،

خذِ الأطلال خذِ الطيور.

34

لو ينبت لي جناحان فأرث السماء..

سأتركُ المرعى والحقلَ والبستان.

35

كيف فقسَتِ الأفعى بيضتَها على ظهري؟

قمرٌ وطائرٌ وبرنسٌ على الشجرة.

36

كيف يعلو الصدأُ القنطرة، ويرفعُ الفلاحُ فخّاً ولا يغسلُ يديه؟

هناك

إذ يسيلُ من فمِ الغزالِ عسلٌ مرّ.

37

عندما طمرَتِ الصخرةُ الباحة، أورثني النسرُ مخالبه،

فاصطدتُ ذئباً في المسالك.

38

أتذكّر جيداً

كلمّا هبّتِ الريحُ عفستْ طيوري

آهٍ من شلّالٍ فقدَ رونقه.

39

ظننتُ البحيرات مرايا،

حلمتُ بشمسٍ تنحفُ كفرس وبثعابين وعظايات ونسورٍ في الظلام،

رأيت غولاً على الساحل.

40

لا يعلو القمرُ ولا يهبطُ من كتفي،

آهٍ

لم تبق سلاحف في قيدومِ السفينة، ولم تهبّ ريحٌ تحت سرب القطا.

41

لا أبكي على أمجادِ القرصان، ولا أريد طلقةً لا تقتلُ تنّيناً،

لا أنثرُ القرانفَ على كتفك ولا الأكاليل.

42

كأنّما تغرّدُ البلابلُ في أحلامي،

البرعمُ يؤاخي الثمار،

من يلملمُ أغصانَ شجرةٍ ميتة؟

الشجرةُ طرّةُ الأرض،

هذا القمر وردةٌ وموسيقى.

43

لماذا تغيبُ النجومُ وتهرعُ النمورُ إلى الحقلِ لتأكل الأيائل؟

44

لقد استوطنَتِ السكاكينُ ذاكرتي،

هكذا

لم أسمعْ صديقي العتيد مالديف.

45

لا تغربُ الفزّاعةُ عن المزرعةِ وعن الحقلِ وعن الصخرة،

سأبحثُ عن ينبوعٍ جرفَ بيتاً في الصيفِ الماضي

46

أعرفُ الغزلانَ كما أعرف الأوعالَ في البستان،

لا أراقبكِ يا حبيبتي ما من شيءٍ حيّ،

ظننت أنَّ الزورقَ يسير، ما من قبطانٍ شجاع

يا أسفي على البحر، وعلى البلشونِ الحزين.

47

أخافُ من الماءِ والترابِ والصقيع، ومن اللئيمِ الذي سرقَ دمية،

ومن الماردِ الذي قطعَ جديلة،

أيّها الصنديد كيف قتلتَ التنّينَ في الميناء؟

 

  • شاعر من العراق

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي