هل تربين طفلا عنصريا دون أن تدري؟ إليك الإجابة العلمية

2020-07-01

ليلى علي

هل أنت أم عنصرية؟ ربما ستكون الإجابة البديهية والأولية لديك "لا". ولكن هل راقبت نفسك بحرص أكثر، هل تصفين أحدهم بالغباء أمام ابنك لمجرد أنه ينتمي لعائلة ما أو جنسية أو عرق مختلف؟

الحقيقة أن الناس عادة ما يصنفون الآخرين ممن يتعاملون معهم وفقا لعدد من المحددات مثل الفقر والغنى والأصل والعلم والمنصب والجنسية والعرق الذي ينتمي إليه، ناهيك عن لون البشرة والدين.

يفعل الناس ذلك طيلة الوقت عمدا دون شعور بأي ذنب، وهذا ما نشؤوا وتربوا عليه، فالأم أو الأب حينما ينعت أحدا بصفة ويعممه على فئة معينة، يحفظها الابن عن ظهر قلب ولا يشكك فيها لأنها صادرة من شخص يثق به ويعد مثله الأعلى.

عبارات عنصرية

شيماء (40 عاما) صحفية وأم لثلاثة أبناء  تقول "اصطحبت ابني إلى تدريب كرة القدم بالنادي، وجلست أشاهده حتى ينتهي، وفجأة سمعت بكاء أحد الأطفال، فقد حدث خطأ ما أثناء اللعب واندفع أحد زملائه نحوه وأسقطه أرضا، فما كان من الأب إلا أن رفع صوته غاضبا متباهيا ومقررا أنه سينقل ابنه من هذا النادي إلى آخر أفضل منه، فهو لا يعجبه مدرب الفريق صاحب الجنسية كذا، قال ذلك وردده بأعلى صوت له ليسمعه الجميع، عاتبا على إدارة النادي توظيف أصحاب هذه الجنسية، في إشارة واضحة منه إلى ازدراء كل حاملي هذه الجنسية".

وتضيف الصحفية "ما لفت انتباهي حقا هو لغة جسد الابن الذي لا يتعدى خمس سنوات، وهو يسير خلف أبيه مقلدا إياه رافعا صوته بالبكاء تارة والكلمات غير المفهومة تارة أخرى".

وتتساءل "ماذا لو أن هذا الابن اختلف مع أحد زملائه بالصف الدراسي مع أحد حاملي هذه الجنسية، ترى كيف سيتعامل؟ وهل من الممكن تغيير هذه النظرة الدونية التي زرعها الأب في ابنه في موقف حياتي واحد".

الغريب، وفقا لشيماء، أن كليهما (الأب الغاضب ومدرب الفريق) من دولتين عربيتين متجاورتين، وهما في الهم سواء.

ينقل الآباء لأبنائهم أيضا آراءهم العنصرية فيما يتعلق بالثقافات والديانات الأخرى، فكل ما هو مختلف لا يعجبنا ولا يرضينا.

المشكلة الحقيقية أن الصغار يأخذون كلام آبائهم على محمل الجد، فلا يعتبرون أن ذلك رأيا خاصا بل يتعاملون معه كحقائق. فهم لم يدركوا بعد الفرق بين هذا وذاك، وفي هذه المرحلة يكون من الصعب تغيير ما زرع في نفوسهم. ومهما حاولت ذلك فيما بعد فسيظل شئ ما عالقا بأذهانهم.

معتقدات غير واعية

أجرى الباحثون في جامعة روما بإيطاليا دراسة عام 2018، بعنوان "التحيز العرقي للوالدين يتنبأ بالتحيز الضمني للأطفال" أظهرت كيف ينقل الآباء عن طريق الخطأ التحيز العنصري للأطفال.

وتشير الدراسة إلى أن الأطفال يتجاوزون تعلم العبارات المسيئة المباشرة حول الثقافات الأخرى، بل أيضا يستوعبون التحيزات غير المباشرة، حتى تلك التي لا يجري الحديث عنها أمامهم.

كما تفيد النتائج بأن الجهود المبذولة للقضاء على العنصرية قد تكون غير مثمرة، حتى يعالج الكبار تحيزاتهم الخاصة، لا سيما الخفية منها والتي لا يظهرونها أمام أطفالهم.

يقول جوزيبي كاروس، المؤلف المشارك بالدراسة، لموقع "فازارلي" الأميركي "لقد أظهر بحثنا أن الآباء وسيلة قوية لانتقال التحامل العرقي تجاه أطفالهم". وتابع "ليس فقط من خلال اتصالاتهم وأفعالهم الصريحة، ولكن أيضا من خلال معتقداتهم غير الواعية والقوالب النمطية والسلوكيات التلقائية".

ووفقا للباحث فإن بذل الجهد لتجنب العبارات المسيئة بشكل صريح يعد غير كاف لجعل الأطفال متسامحين، ولكن يجب على الآباء ممن يطمحون إلى تربية أطفال غير عنصريين إظهار أنفسهم منفتحين للحديث عن الثقافات والبلدان الأخرى، ومشاهدة التلفزيون والأفلام من بلدان أخرى، وتناول الطعام من أجزاء أخرى من العالم.

يقول كاروس "التعليم من أجل التنوع أيضا مفتاح للتغلب على التحيز، من خلال نقل أهمية تأييد القيم العالمية للإنسانية والتسامح والإحسان في حياتنا".

معلمو المدارس والعنصرية

يواجه المعلمون في المدارس أزمة صعبة، فهم يلاحظون ترديد بعض الطلبة جملا عنصرية يؤذون بها زملاءهم، في هذه الحالة لا يمتلك المعلمون القدرة على التحكم في البيئة التي يذهب إليها الطفل. ولا يمكنهم التحكم في ما يشاهده الأطفال على شاشة التلفزيون أو سماعه من السياسيين أو المشاهير.

وإحدى طرق التفكير للسيطرة على ذلك أن تؤكد لهم أن الفصل الدراسي مكان الطيبين غير المتنمرين، وهذا يتطلب ضرورة التفكير في الكلمات التي نقولها ونفكر في ما إذا كانت لطيفة أو غير لطيفة.

ويمكن تأطير ذلك من خلال قول "لن أسمح أبدا لشخص ما أن يقول شيئا مؤذيا بشأنك. وسأحمي كل شخص من التعليقات غير اللائقة أو المؤذية".

الحقيقة الصعبة أنه لا يمكن القضاء على العنصرية. ولكن يمكنك إنشاء بيئة لا ترحب بها، أو لا يسمح فيها إلا بالتعليقات اللطيفة والاحترام.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي