أم البنين وابنة الخديوي.. كيف أحيت الفاطمتان العِلم العربي؟

2020-06-04

فريدة أحمد

في تاريخ مصر والمغرب فاطمتان كان لهما فضل في نهضة العلم في بلديهما وربما في المنطقة كلها. فاطمة الفهرية في المغرب، وفاطمة بنت الخديوي إسماعيل في مصر.. فماذا فعلتا؟

فاطمة "القرويين"

تعد جامعة القرويين في فاس بالمغرب أقدم جامعة في العالم، ما زالت تعمل حتى اليوم، تأسست "القرويين" عام 859 الميلادي على يد فاطمة بنت محمد الفهري القيروانية، الملقبة بـ"أم البنين"، وهي سيدة تونسية تعود جذور عائلتها إلى ذرية عقبة بن نافع، أبرز قادة الفتح الإسلامي في أفريقيا ومؤسس مدينة القيروان.

هاجرت "أم البنين" مع أسرتها إلى مدينة فاس بالمغرب، وتزوجت هناك، وبعد فترة توفي والدها ثم لحقه زوجها، وورثت عنهما أموالا طائلة.

من هذه الأموال شيّدت جامع القرويين نسبة لمدينة القيروان موطنها الأصلي في تونس، ويقال إن فاطمة استمرت في الصيام حتى الانتهاء من بناء الجامع والمعهد التعليمي، وتحملت كافة نفقات المسجد بساحاته العلمية الكبيرة.

ومنذ القرن العاشر، أصبح مسجد القرويين الشهير أول معهد ديني تعليمي يمنح الدرجة العلمية في العالم، واجتذب الكثير من الطلاب والأساتذة المشهورين.

فتحت الجامعة أبوابها للمسلمين واليهود والمسيحيين، وكان لديها بعض الخريجين من كبار مبدعي العالم مثل ابن خلدون، أحد أعظم الفلاسفة المسلمين، والإدريسي الجغرافي، ولا تزال تلك الجامعة التاريخية ترحب بالطلاب حتى اليوم في مختلف التخصصات كالرياضيات والطب والدراسات الإسلامية والعلوم الطبيعية والفلك..

كانت فاطمة الفهرية محبة للعلم، والتحقت هي نفسها بالدراسة في تلك الجامعة، حتى إن شهادتها العلمية معروضة على لوح خشبي في مكتبة الجامعة، التي تعتبر واحدة من أقدم المكتبات في العالم وتحتوي على أكثر من 4000 مخطوطة علمية، وفقا لـ"مانشتر يونيفيرستي برس" (Manchester university press).

توفيت فاطمة الفهرية عام 878 م، أي بعد 19 عاما من إنشاء مسجد وجامعة القرويين، الذي يعد أول جامعة في العالم كله، وأول مركز فكري وعلمي خلال العصور الوسطى.

فاطمة "القاهرة"

على غرار فاطمة الفهرية، كان لفاطمة بنت الخديوي إسماعيل الفضل في إنشاء إحدى أهم الجامعات المصرية في المنطقة العربية كافة.

في مصر، تأسست الجامعة التي تعرف اليوم باسم "جامعة القاهرة" في ديسمبر/كانون الأول 1908 لتكون ثاني أقدم الجامعات المصرية والثالثة عربيا بعد جامعتي الأزهر والقرويين.

قبلها كانت هناك كليات تأسست في عهد محمد علي باشا الكبير مثل المهندسخانة عام 1820 والمدرسة الطبية 1827، ولكن تم إغلاقهما في عهد الخديوي محمد سعيد عام 1850، بحسب ما جاء في كتاب "التصنيفات العالمية للجامعات".

وبعد توقف الكليات، دعا المثقفون المصريون إلى إنشاء جامعة وطنية لتوفير التعليم الحديث للمصريين، وبدأت لجنة من المفكرين والشخصيات العامة بقيادة مصطفى كامل حملة مطالبة شعبية لإنشاء جامعة مصرية، وأنشئت بالفعل رغم معارضة سلطة الاحتلال الإنجليزي بقيادة اللورد كرومر.

تدخل الأميرة

واجه مشروع "الجامعة" عقبات وصعابا عدة، حيث لم تتمكن اللجنة وما جمعته من تبرعات من تحمل تكاليف المشروع الضخم، وجعل ذلك الكثير من المتحمسين للمشروع يشعرون بالخوف من ضياع الحلم، وكان ذلك مبررا لينقل الطبيب محمد علوي باشا تلك المخاوف إلى الأميرة فاطمة، إذ كان طبيبها الخاص، وكانت هي معروفة بحبها للعلم والثقافة والأعمال الخيرية.

سارعت الأميرة بتخصيص 6 أفدنة (الفدان يعادل نحو 4200 متر مربع) لإنشاء موقع جديد للجامعة في منطقة بولاق الدكرور مقر وزارة الزراعة الحالي، وأوقفت ريع 3357 فدانا للإنفاق على المشروع، وقدرت إيرادات هذا الوقف لميزانية الجامعة بـ4000 جنيه مصري كل عام.

 

طلبت إدارة الجامعة من أكفأ المهندسين حينها وضع تصميم للجامعة، وبالفعل خرج التصميم على طراز الجامعات الحديثة، لكن المشروع تعطل مرة أخرى، وبلغ الأميرة فاطمة توقف بناء كلية الآداب بسبب التكاليف الباهظة، لكنها كانت متحمسة لنجاح الحلم بأي طريقة، فتخلت عن مجوهراتها الملكية النادرة ووضعتها تحت تصرف الجامعة، وسافر الدكتور محمد علوي باشا، الذي كان عضو مجلس إدارة مجلس التعليم المصري، بالمجوهرات وباعها خارج القطر المصري، فتم استكمال بناء كلية الآداب التي تحتفظ بجدارية منقوش عليها "ذكرى عطرة للأميرة فاطمة إسماعيل التي أسهمت في بناء هذه الكلية".

وضع حجر الأساس للجامعة يوم 31 مارس/آذار 1914 في الأرض التي وهبتها الأميرة فاطمة، وتحملت الأميرة كافة نفقات احتفال وضع حجر الأساس، وكتبت عليه "الجامعة المصرية، الأميرة فاطمة ابنة إسماعيل، سنة 1332 هجرية"، ووضع الحجر في باطن الأرض، مع فئات من العملات المصرية المتداولة، ومجموعة من الصحف الصادرة يوم الاحتفال.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي