هل حان الوقت لفتح الحدود؟

2020-05-12

مغامرة غير محسوبةبعدما اتجهت جل الدول الأوروبية إلى تخفيف إجراءات الحجر الصحي الذي فرضه تفشي وباء كورونا في الأشهر الأخيرة، تحوّل النقاش في القارة وفي معظم دول العالم، حول الخطوات القادمة التي يمكن اتخاذها والمتعلّقة أساسا بفتح الحدود. وفي انتظار ما ستتضمنه توصية المفوضية الأوروبية التي تصدر الأربعاء في هذا الشأن، كثر الجدل في فرنسا وفي ألمانيا عن تفكير كل من الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشارة أنجيلا ميركل في تخفيف ضوابط مراقبة الحدود، فهل حان الوقت لذلك بالتزامن مع تحذيرات كثيرة من موجة وباء ثانية.

بروكسل – بدأ العالم يتعايش شيئا فشيئا مع أزمة كورونا بعدما اتخذت الكثير من الحكومات قرارات في الأيام الأخيرة لتخفيف إجراءات الحجر الصحي وذلك لتجنّب المزيد من الركود الاقتصادي الذي أحدثه الوباء بشلّه كل القطاعات الحيوية.

وبالتزامن مع العودة البطيئة إلى الحياة الطبيعية، كثر الحديث عن الخطوات القادمة التي ستتخذها الحكومات خاصة في القارة الأوروبية ومنها تخفيف إجراءات المراقبة على الحدود تمهيدا لفتحها بالكامل مستقبلا.

وفي عواصم أوروبية كباريس وبرلين ولندن ومدريد بدأت منابر النقاش السياسي تفتح بشأن هذا التصور الأخير الهادف لإنقاذ الاقتصاد لكن بالمحافظة في الوقت نفسه على إجراءات مشددة للتوقي من الوباء وذلك رغم تحذير الخبراء ومنظمة الصحة العالمية من تداعيات وخيمة قد تعيد الأمور إلى نقطة البداية إن تم فتح الحدود.

تفكير جدي

تراكمت الدلائل التي تشير إلى تفكير الحكومات الجدي بالفتح التدريجي للحدود، بعدما كشفت تقارير صحافية أوروبية الثلاثاء، أن ميركل وماكرون تشاورا بشأن تخفيف الضوابط على حركة المرور عبر الحدود الألمانية-الفرنسية في ظل أزمة كورونا.

وبحسب معلومات المنصة الإعلامية الجديدة بألمانيا “هاوبشتات بريفينجس” التابعة للشركة الإعلامية الرقمية الناشئة ببرلين “ميديا بيونير”، تسعى ميركل وماكرون للتوصل إلى حل يسري على مواطني كلا البلدين على نحو متساو، بل ويتجاوز بلديهما في أفضل الأحوال أيضا. ووفقا للمعلومات، فقد أجريا محادثة هاتفية سويا مساء الاثنين.

تحذيرات متواترة من الدخول في مقامرة غير محسوبة العواقب

 

وتأتي هذه الخطوة بعدما اتخذت برلين قرارا لا يسمح بالدخول لألمانيا منذ أسابيع سوى لمن لديه سبب مهمّ، كسائقي الشاحنات مثلا أو ذوي المهن الطبية. فضلا عن ذلك هناك ضوابط رقابية ثابتة على الحدود مع الدنمارك وفرنسا ولوكسمبورج وسويسرا والنمسا.

وكان وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر صرح مؤخرا بأن هناك إجماعا في الرأي داخل الحكومة الألمانية على مواصلة الضوابط على الحدود حتى 15 مايو في البداية، فيما دعا أرمين لاشت، رئيس حكومة ولاية شمال الراين-فيستفاليا، لتخفيف الضوابط.

وأكد المتحدث باسم الحكومة الألمانية شتفن زايبرت الثلاثاء أن المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي تحدثا الاثنين عن المهام الأوروبية الراهنة.

ويحذر خبراء أوروبيون من تداعيات اتخاذ مثل هذه القرارات في الوقت الراهن وذلك بالاستناد على آخر الأرقام والإحصائيات التي تقدّمها منظمة الصحة العالمية.

وحذرت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء من أن فايروس كورونا لم يتوقف عن التفشي بعد رغم تراجع حصيلة الإصابات اليومية وحالات الوفاة الناجمة عن الوباء في مختلف دول العالم، داعية إلى اليقظة التامة في التعامل مع رفع قيود العزل.

وتأتي الأنباء الجديدة عن إمكانية فتح الحدود في المستقبل القريب بالتزامن مع استئناف بعض الدول لنسق الحياة الطبيعية عبر فتح المتاجر والسماح بالأعمال التجارية عكس دول أخرى وعلى رأسها روسيا التي تبقى في مرحلة العزل التام، فيما من المقرر أن يبدأ رفع العزل في ولاية نيويورك الأميركية اعتبارا من الجمعة، باستثناء مدينة نيويورك.

تظل الحكومات الأوروبية كما الخبراء في انتظار المسودة التي ستصدرها الأربعاء المفوضية الأوروبية والتي تخص التخفيف التدريجي لإجراءات الرقابة المفروضة على الحدود بين دول الاتحاد الأوروبي في ظل أزمة كورونا. ونقلت صحيفة “هاندلسبلات” الألمانية عن مسودة التوصية التي تعتزم المفوضية طرحها الأربعاء القول “نظرا لأن الموقف الصحي يتحسن تدريجيا، فينبغي تغيير تقييم الموقف إلى حد الوصول إلى حرية تنقّل غير مقيدة للأشخاص”.

"اليقظة التامة ضرورية"

وتعرض وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر مؤخرا لضغوط بسبب استمرار الرقابة على الحدود مع عدة دول مجاورة لألمانيا.

وحسب تقرير هاندلسبلات، فقد رأت المفوضية في توصيتها أن تأخير فتح الحدود “لن يمثل عبئا ثقيلا بالنسبة لعمل السوق الداخلية وحسب بل بالنسبة لحياة الملايين من مواطني الاتحاد الأوروبي أيضا الذين حُرِمُوا من مزايا حرية التنقل”.

في الوقت نفسه، رأت المفوضية أنه من المهم اتباع نهج منسق وحريص في هذا الصدد.

وأضافت المفوضية أنه ينبغي في البداية تخفيف الرقابة في المناطق التي تتشابه فيها أعداد العدوى في الجانبين، وهو تقريبا نفس ما ذكرته المفوضية في استراتيجيتها للخروج من أزمة كورونا في منتصف أبريل الماضي.

وشددت المفوضية أيضا على “الأهمية القصوى” لتوفير اختبارات كافية للكشف عن الفايروس بالإضافة إلى تعاون السلطات في الجانبين المتجاورين في مجال تتبع مخالطات المرضى.

وكانت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية يلفا يوهانسون، صرحت في الأسبوع الماضي في تعليقها على فتح الحدود قائلة “يجب أن نتحرك بشكل تدريجي ومنسق، وهدفنا الأكبر هو استعادة منطقة شينجن ذات التنقل الحر بكامل طاقتها بمجرد أن يسمح الوضع الصحي بهذا”، وطالبت يوهانسون برفع القيود تدريجيا.

ويعارض الكثير من الخبراء ما يسمونه بمنح هدية سانحة للوباء كي يفتك بالجميع بعدما تقدّم العالم في محاربته وتمكّن من ترويضه بصفة نسبية مقارنة بالأيام الأولى لظهوره.

وفي بريطانيا انتقدت زوي ويليامز في مقال بصحيفة الغارديان، بحدة خطة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، بشأن الخطوة القادمة في المعركة مع وباء فايروس كورونا. وتقول الكاتبة إن “خطة الطريق التي طرحها جونسون بشأن فايروس كورونا لن تؤدي إلا إلى إثارة التشويش”. وقد غيّر جونسون شعار حملة المواجهة من “الزموا المنزل، احموا خدمة الصحة الوطنية (إن.إتش.أس)، أنقذوا الأرواح”، إلى شعار جديد هو “توخوا اليقظة، سيطروا على الفايروس، أنقذوا الأرواح”.

"اليقظة التامة ضرورية"

وتعتبر زوي الخطة، التي تهدف في نهاية المطاف إلى إنهاء الإغلاق، “غير عملية ومتناقضة بشكل ميؤوس منه”.

وبلغت حصيلة الوباء العالمية استنادا إلى مصادر رسمية عن منظمة الصحة العالمية 4.15 مليون إصابة و284 ألف وفاة. وفي ظل غياب علاج أو لقاح، شدد مسؤول الطوارئ الصحية في منظمة الصحة العالمية مايكل راين خلال مؤتمر صحافي عبر الفيديو على أن “اليقظة التامة ضرورية”.

واعتبر أن “بعض الدول” التي لم يسمها، اختارت “إغلاق عينيها والتقدم بشكل أعمى” نحو رفع العزل، دون أن تحدد بؤر الوباء أو أن تحضر إمكانيات طبية كافية.

وتشي هذه التحذيرات بأن الحرب على الوباء ما زالت طويلة وأن فكرة فتح الحدود لإنقاذ الاقتصاد أو لإجلاء بعض العالقين في غير دولهم قد تزيد في اضطراب الوضع وجعله أسوأ مما كان عليه. ويحذر في هذا الصدد عمدة لندن صديق خان، من موجة ثانية من الوباء. ويقول إن هذا سيكون “صفعة على وجه العائلات الحزينة”. ويشيد العمدة ببذل الشعب البريطاني جهودا بطولية لتجاوز ذروة انتشار كوفيد – 19 بالبقاء في المنازل والحفاظ على التباعد الاجتماعي، والذهاب أبعد من ذلك بمساعدة المحتاجين.

غير أنه يقول “مع ذلك، لا يزال المئات من الأشخاص يموتون من هذا الفايروس كل يوم ولا يزال الآلاف غيرهم يمرضون ويدخلون المستشفى. القتال لم ينته بعد ولا يمكننا ببساطة أن نتحمل نتائج التساهل”.

وتؤكّد مثل هذه النتائج الوخيمة في بريطانيا وكافة دول الاتحاد الأوروبي أن التفكير في فتح الحدود أو حتى التخفيف في إجراءت المراقبة سيكونان بمثابة المقامرة غير محسوبة العواقب.

من جهتها وتأكيدا على صعوبة الوضع، طلبت رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو الثلاثاء أن يكون ارتداء الكمامة إلزاميا في الحدائق والمنتزهات التي تنوي إعادة فتحها “للتنزه”، و”في جميع شوارع العاصمة الفرنسية”.

وكتبت رئيسة البلدية الاشتراكية في تغريدة على تويتر “مراعاة لاحتياجات الباريسيين، أجدد طلبي بفتح الحدائق والمنتزهات شرط التزام ارتداء الكمامة في المنتزه، وفي جميع شوارع المدينة كذلك، لأن باريس مدينة مكتظة جدا”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي