علماء النفس يجيبون.. لماذا يرفض البعض الالتزام بالحجر الصحي؟

2020-05-12

منال العبدلاوي

رغم الضحايا لم يعد فيروس كورونا مخيفا للكثيرين (غيتي)

لم يجد المتخصصون طريقة أنجع من الحجر المنزلي للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، وهو ما دفع أغلب دول العالم إلى فرضه بشكل رسمي وسن عقوبات قد تصل إلى السجن لإلزام المواطنين بالتقيد به.

لكن الكثيرين لا يحترمون إرشادات الوقاية التي شددت عليها منظمة الصحة العالمية والحكومات، ويصرون على خرق الحجر والتجول في الشوارع لأسباب لن تكون بالتأكيد أكثر أهمية من بقائهم على قيد الحياة.

المتخصصون في علم النفس حاولوا الوقوف على الأسباب التي تجعل هؤلاء يخاطرون بالخروج إلى الشارع ومخالفة التعليمات، وهم يعلمون أن الأمر محفوف بالمخاطر.

يظهر الأمر بشكل جلي فور إعلان الحكومات حالة الطوارئ أو حظر التجول، حينها يتسارع المواطنون إلى الأسواق ويتسببون في حالة من الفوضى تزيد الخطر عليهم. فما الذي يحدث حينها؟

القلق والاندفاع

يقول روبرت ويست أستاذ العلوم السلوكية والصحة بجامعة كوليدج لندن إن ما يفعله البشر دائما عندما يواجهون وضعا جديدا هو البحث عن أوجه الشبه بينه وبين ما سبق أن عاشوه من قبل.

وأشار إلى أن المقارنة الأولى التي وصل الناس إليها في حالة الطوارئ الصحية ربما ذكرتهم بزمن الحرب، وأوضح لشبكة "بي بي سي" البريطانية أن التشابه هو الفكرة المركزية للتهديد الوجودي، وما يشترك فيه الناس خلال الجائحة هو الشعور المجتمعي بالقلق.

استحضار زمن الحرب يبعث برسائل سلبية للدماغ تفيد بأنه في خطر، وهو ما يفسر التصرف بتهور دون التفكير في العواقب.
وقد ربطت دراسة نشرتها مجلة "سيكولوجي توداي" الأميركية بين القلق والسلوك الاندفاعي الذي يواجه به الإنسان الضبابية وعدم اليقين.

التحذيرات اليومية من كورونا لم تعد مؤثرة (بيكسلز)

"يبدو التهديد بعيدا افتراضيا" تتحدث الدكتورة ليزلي مارتين المتخصصة في علم النفس الصحي ومؤلفة كتاب أكسفورد حول الاتصال الصحي وتغيير السلوك والالتزام بالعلاج، موضحة أن التحدي الرئيسي في اتباع إرشادات الصحة العالمية بشأن الفيروسات التاجية هو الطبيعة غير المرئية وغير الملموسة لانتشار الفيروس.

وأكدت مارتين أن البشر بشكل عام أكثر استجابة عندما يكون هناك دليل فوري على النتيجة. ولكن بسبب وجود فترة حضانة طويلة، ولأن الكثيرين لا تظهر عليهم الأعراض في البداية، فإن التجاوب يكون متأخرا.

 

تحذيرات غير مؤثرة

أظهر استطلاع للرأي قام به باسكال جيلدسبيتزر الباحث في الصحة بجامعة هارفارد أن 93% من المستجوبين بالولايات المتحدة و86% بالمملكة المتحدة أجمعوا على أن التدابير التي يمكن أن تمنع انتشار فيروس كورونا هي: غسل اليدين، تجنب التقارب مع المرضى وتجنب لمس الوجه. لكنه خلص إلى أن هناك فرقا بين معرفة الإجراءات التي تحد من انتقال الفيروس وتنفيذها.

آلاف الإرشادات الوقائية التي تصدرها المؤسسات الصحية كل يوم ومئات نشرات الأخبار والتحذيرات على وسائل التواصل كلها لا تؤثر في الناس بشكل بالغ. في حين يتأثر الإنسان بما عاشه من قبل أو رآه في تجارب قريبة منه، وهو ما اعتمدت عليه حكومات في دول عرفت منذ سنوات انتشار أوبئة "ميرس" و"سارس".

لكن حتى في كندا التي كانت نقطة ساخنة أثناء انتشار فيروس"سارس" يبدو أن تأثير ما عاشه الكنديون تلاشى، كما تقول جاكلين دوفين أستاذة تاريخ الطب بجامعة كوينز.

فتأثير الفيروس الذي انتشر عام 2003 لم يترجم إلى تخطيط ثابت طويل الأمد للتعامل مع تفشي أمراض الجهاز التنفسي في المستقبل. وتقول دوفين "كان التخطيط لمواجهة الجائحة كبيرا في أعقاب الإصابة بسارس، واستمر الأمر لبضع سنوات لكنه تلاشى بسرعة فيما بعد".


"لن نموت هذه المرة"

يعود ويست ليسحدد بعض الأسباب التي تجعل الناس لا يلتزمون بالحجر المنزلي، ومنها السرعة في اتخاذ القرارات، والتفكير فيما بعد بأن "الأمر سيكون على ما يرام هذه المرة".

وأعطى مثالا على ذلك بالتفكر في الإقلاع عن التدخين، عندما لا يكف المدخن عن إقناع نفسه بأن سيجارة إضافية لن تقتل، في حين يزيد تراكم السجائر من خطر الموت المبكر. فقد لا يشكل الفعل الخاطئ خطرا لكن تراكم الأخطاء هو ما قد يضر بالإنسان.

ويوصي أستاذ العلوم السلوكية بأن يتجنب الناس المخاطر عبر مجموعة من القواعد التي يلتزمون بها بشكل دائم، لا تقييمها والحكم عليها عند كل مناسبة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي