ممرضة أحدثت ثورة بقواعد الصحة.. هالها مشهد مروع في لندن

2020-04-03

طه عبد الناصر رمضان

على وقع تفشي فيروس كورونا في البلاد، تعتزم بريطانيا خلال الأيام المقبلة افتتاح مستشفى وسط لندن، يحمل اسم فلورنس نايتينغل. فمن هي تلك المرأة؟

خلال القرون الماضية، برزت أسماء العديد من العلماء والأطباء الذين ساهموا في تقدم الطب بفضل إنجازات علمية غير مسبوقة مكّنت من دراسة أمراض لطالما أرقت البشرية وأزهقت أعدادا هائلة من الأرواح.

وقد كان للقرن التاسع عشر نصيب وافر من هذه الدراسات التي أنقذت حياة ملايين البشر حيث عرفت تلك الفترة أبحاثا ساهمت في القضاء على العديد من العادات القديمة التي أدت لظهور الأوبئة وارتفاع نسب الوفيات.

فإلى جانب الطبيب الإنجليزي جون سنو الذي أدخل تغييرات جذرية على لندن عقب تقصيه لمصدر وباء الكوليرا ومواطنه جوزف ليستر الذي ساهم بوضع أسس عمليات التعقيم، برز اسم الممرضة فلورنس نايتينغل (Florence Nightingale) التي أدخلت تغييرا جذريا على قواعد الصحة وطرق التعامل مع المرضى لتلقب بفضل ذلك مؤسسة التمريض الحديث وتساهم في إنقاذ العديد من الأرواح البشرية.

صورة للجراج جوزف ليستر

 

صورة للطبيب جون سنو

ولدت فلورنس نايتينغل يوم 12 أيار/مايو 1820 في مدينة فلورنسا بإيطاليا وقد سميت تيمناً بتلك المدينة الإيطالية التي نزل فيها والداها عقب زواجهما عام 1818.

تنحدر من عائلة ثرية ومرموقة حيث امتلك والدها وليام شور نايتينغل (William Shore Nightingale) منزلين وعددا من الخدم وهو ما سمح لهذه الطفلة الإنجليزية بالتمتع بحياة الرفاهية.

ثائرة رفضت التقاليد

ترعرعت بمنزل عائلتها في ليا هورست (Lea Hurst) بمنطقة داربيشاير (Derbyshire) وحصلت على تعليم جيد إلا أنها رفضت الانسياق وراء تقاليد المجتمع الإنجليزي السائدة حينها بالعصر الفيكتوري والتي فرضت على الفتيات المتحدرات من الطبقات المرموقة الزواج والمكوث في المنزل.

منذ طفولتها، اتجهت فلورنس إلى مساعدة الفقراء المقيمين بمدينتها وعمدت في السابعة عشرة من عمرها للتمرد على قيم العصر الفيكتوري فرفضت الزواج من أحد الأثرياء ووجدت نفسها في خلاف مع والديها بعد أن عبّرت لهم عن رغبتها بالعمل كممرضة.

ولملاحقة حلمها، اتجهت على الرغم من معارضة والديها، سنة 1844 للدراسة في إحدى مدارس التمريض اللوثرية بمدينة كايسرورث (Kaiserwerth) الألمانية.

رسم تخيلي يجسد فلورنس نايتينغل حاملة فانوسها

قواعد جديدة

مطلع الخمسينيات، عادت إلى لندن فعملت في مستشفى ميدلسكس (Middlesex) وكسبت مكانة مرموقة لدى الجميع بفضل اعتمادها على قواعد نظافة ساهمت في تقليص عدد الوفيات بالمستشفى أثناء فترة انتشار الكوليرا بالمنطقة.

مع اندلاع حرب القرم عام 1853، وجد عشرات الآلاف من الجنود البريطانيين أنفسهم في مواجهة الروس بمناطق البحر الأسود وبعد مضي أشهر فقط عن بداية المعارك تكدّس نحو 18 ألف جندي بريطاني بالمستشفيات المحلية بالمنطقة وسط ظروف صحية سيئة.

وعقب معركة ألما (Alma) يوم 20 أيلول/سبتمبر 1854، تزايدت معاناة الجنود البريطانيين المصابين حيث فارق كثير منهم الحياة بسبب الإهمال وغياب الرعاية الصحية الكافية.

أمام هذا الوضع، راسل وزير الحرب البريطاني سيدني هربرت (Sidney Herbert) فلورنس نايتينغل وطلب منها تكوين فرقة من الممرضات المتطوعات استعدادا لإرسالهم نحو القرم لمساعدة الجنود البريطانيين المصابين الذين فارق العديد منهم الحياة بشكل يومي.

صورة للوزير سيدني هاربرت

مياه ملوثة وبراز.. مشهد مروع

مع بلوغهم المستشفى العسكري البريطاني بالمنطقة، فوجئت فلورنس ورفيقتها بهول المشهد الذي شاهدتاه حيث عانت مصادر المياه من التلوث بسبب بالوعة موجودة بالمكان وانتشر الجنود الجرحى المطروحون أرضا بالممرات كما كانت ثيابهم ملوثة بالبراز بسبب عدم قدرتهم على التحرك جراء الإصابات. كما ملأت الحشرات والفئران المكان الذي افتقر لأبسط الأساسيات كالضمادات النظيفة والصابون.

وبسبب كل هذه الظروف، تجاوز عدد الجنود الذين توفوا بالمستشفيات بسبب التيفوس والكوليرا عدد الجنود الذين ماتوا جراء إصاباتهم.

أمام هذا الوضع، عملت فلورنس حوالي 20 ساعة يوميا لتخفيف معاناة الجنود المصابين فباشرت برفقة زميلاتها وعدد من الجنود الذين عانوا من إصابات خفيفة بتنظيف جميع ممرات وغرف المستشفى كما عملت على توفير وجبات غذائية متكاملة للمرضى وتنظيف إصاباتهم وضمان نظافة أجسامهم لحمايتهم من التعفنات.

رفع المعنويات

إلى ذلك، وفرت الإحاطة النفسية للمرضى وساهمت في رفع معنوياتهم وتنقلت بينهم ليلا حاملة فانوسها وساعدتهم في كتابة رسائل لعائلاتهم فلقبت بسبب ذلك بالسيدة حاملة المصباح.

وبفضل تلك المرأة الشجاعة تراجع عدد الوفيات في المستشفى العسكري البريطاني لأقل من خمس ما كان عليه قبل قدوم فريق الممرضات.

"وسام و"بطلة"

ومع عودتها لوطنها، لقبّت فلورنس نايتينغل بالبطلة وتلقت رسالة شكر شخصية من الملكة فكتوريا وحصلت لاحقا على وسام الاستحقاق لتكون بذلك أول امرأة تحصل على هذا التكريم ببريطانيا كما وقع الاختيار على يوم 12 أيار/مايو (تاريخ ميلادها) للاحتفال باليوم العالمي للتمريض.

سنة 1860، افتتحت "الممرضة البطلة" مدرسة للتمريض في مستشفى سانت توماس بلندن وعملت من خلالها على تقديم تكوين حديث للممرضات ركزت من خلاله على قواعد النظافة والعناية والرعاية الصحية.

صورة لقبر فلورنس نايتينغل







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي