كورونا والأدب

2020-03-29

 

ستيفان كوشلين

ترجمة عبده حقي*

 

ستيفان كوشلين

ترجمة عبده حقي*

ما الذي يتبقى عندما تضرب جائحة ما، ويغرق المجتمع في المعاناة والقلق؟ الأدب ومزيجه من الحلم والقوة. هذه نظرة عامة عن موضوع واعد منذ اليونان القديمة.

في الذكرى الستين لوفاته كان ألبير كامو محفوفا ببعض الشموع، وزيارات حميمية لقبره في مقبرة لورمارين. ولكن بعد انفجار فيروس كورونا مؤخرا، تم تكريم مؤلف رواية «الطاعون»، وهذا في رأيي شيء مرفوض ومبالغ فيه قليلا! أجل لقد ارتفعت مبيعات رواية «الطاعون». هل يجب أن نكون سعداء، لأن الأدب يساهم في التخفيف من رعبنا، كما لو أننا نبحث عن أجوبة لقلقنا؟ دعونا نجيب فورا على هذا السؤال. لا يقدم ألبير كامو أي استجابة طبية فحسب، ولكن هناك شيء أفضل من ذلك، إنه حقيقة الشر في مواجهة الشر.. ما هو موجود بشكل أعمق بدواخلهم.. إنها قوتهم.

عودة ألبير كامو

تذكرنا مدينة ووهان الصينية، التي انفلت منها فيروس كورونا، بمدينة وهران الخيالية عند ألبير كامو: شوارع مهجورة وحرارة مفرطة تضرب السكان.. سفن تقفل عائدة، العزل، أكوام من الجثث، الطبيب لي وينليانغ الذي نشر وأذاع التحذيرات والإنذارات.. الطبيب الذي هزت وفاته الصين، تتشابه حالته مع شخصية الدكتور ريو في رواية كامو. لا وجود لمنحى سياسي عند هذا الكاتب الفرنسي العظيم، ولا حتى منحى سوسيولوجي لمدينة وهران، ولا لمزيد من الدراسات حول العلاقات بين الجزائريين والفرنسيين. تبحر وهران مثل شبح في هذا الكتاب الشعري الطافح بالسخرية.

«يبدو أن الطاعون قد استقر بشكل مريح في ذروته الوبائية، وأنه جلب لضحاياه موظفا جيدا ومثاليا يقوم كل يوم بعمله بدقة وانتظام». يذكرنا هذا بحصيلة الجنازات في قنواتنا الإخبارية. لقد سمحت جائحة الطاعون عند كامو، بوضع صور مثيرة ومحببة.. الدكتور ريو والصحافي رامبرت «السعيد جدا بحياته»، ولكنه سجين مدينة لا يعيش فيها، أو الموظف الصغير في البلدية جوزيف غراند.. بملابسه غير المتناسقة، المسؤول عن الإحصائيات، الذي يحلم بكتابة رواية. هذه مجرد نماذج بالطبع كما هو الحال في العديد من قصص الكوارث.

عندما كتب روايته الشهيرة «الطاعون» في عام 1942 مكث ألبير كامو في محافظة شامبون سورلينيون.. كان مصابا بداء السل ويبصق الدم. وقد أجبره هذا الداء على الذهاب إلى سانت إتيان من أجل الخضوع للعلاج. كان على علم بأن ضباط الشرطة الفرنسية قد اعتقلوا العديد من اليهود في قرية في أوفيرن، لذلك نزح إلى مدينة ليون وهو متأبط مخطوطته تحت ذراعه. تولدت عن وباء الطاعون وأزمة كامو الشخصية وتداعيات الحرب، استعارة للدلالة على الاحتلال والهمجية النازية وخلق ذريعة لإثارة المقاومة، لقد اغترف كامو موضوعه من نبع التراث الإغريقي.. الملك أوديب حيث يصف سوفوكليس مدينة طيبة، التي ابتليت بالموت الأسود. «المدينة بأكملها مليئة بعبق البخور المشتعل وهدير الأناشيد والرثاء» وأوديب يتأوه منذ السطور الأولى.

طيف إدغار ألان بو

نحن نهتف.. نصلي.. نأمل عبثا في صد الشيطان، من الوثنية إلى العصر المسيحي لطالما «أنشد وكتب» الشعراء والروائيون عن الوباء، وهو منفذهم للتحدث بشكل أفضل عن الله، ومساءلة الإيمان .. أولئك الذين ترعرعوا في ظل روحانيات الأولمب، أو من الكتاب المقدس المروع (عند كامو موعظة الأب باتيلوكس في صمت مطلق تبقى أحد اللحظات البارزة في الرواية) «الخوف من السنة الألف» حيث هاجس الشيطان يسكن النصوص المقدسة التي سيتناولها الأدب، ويرى بوضوح – ضرورة البيع – الجمال والنفس الذي يمكن أن يستخلص منه.

في القرن التاسع عشر جعل ما يسمى بالأدب «القوطي» من الألم الملغز، علامة بارزة بخباياها المعتمة، وريفها المصاب، حيث ينتصب الدير المنقذ. في «قناع الموت الأحمر» لإدغار بو (1842) يغلق الأمير على نفسه في الفضاء الخلفي من ديره، معتقدًا أنه قد نجا من اللعنة، التي حلت بالأراضي المجاورة، ثم استغرق في الفسق والملذات.. آخر جولة شرف قبل الموت القاسي. لقد ألهب هذا الموضوع القصص بشكل جيد للغاية، لأن من شروطه أن يكون إدغار بو في القيادة، ولكن لا تزال هناك مشكلة إذا ما أخذنا في الاعتبار ما قاله هيتشكوك: «كلما كان الشرير ناجحا كان الفيلم أفضل».

بينما في النوع الوبائي ليس هناك شرير. الشر يبقى غير مرئي.. ينتشر بدون شخصية. ليس بوسعك أن تكرهه.. إنك ترغب في عقابه، تطلق عليه الرصاص ليخترق جسده… من دون شك أن هيتشكوك قد قرأ للروائي القوطي برام ستوكر، الذي كتب أحد أجمل الروايات عن الوباء ورعبه. ولد برام ستوكر عام 1847 في دبلن، وكان طفلا مريضا، وقلقا بسبب القصص الرهيبة التي حكتها له والدته على ضوء الشموع.. عن اجتياح الكوليرا في أيرلندا، في بداية القرن التاسع عشر، تلك الجائحة التي نجت منها والدته.

عاش الصبي وسواس الموت والعدوى، لدرجة أن جميع أعماله الروائية صارت كما لو أنها مصابة بالعدوى، ولكن من أجل إغراء القراء كان الكاتب بحاجة إلى شخصية شريرة حقيقية جدًا. كانت لديه فكرة عبقرية عن تشخيص الوباء من قبل رجل مصاص الدماء، رجل مثل البلاء.. دراكولا الذي تتسبب عضته في تلويث دماء ضحاياه. بعد قرن من الزمان سيعطي فرانسيس فورد كوبولا لهذا البطل الشرير والمغري، رؤية أكثر دقة، وذلك بالإشارة إلى الجنس ومرض السيدا. لقد أحرق جثة برام ستوكر. تقول الشائعات أنه مات بمرض الزهري، ملوثا حتى في قبره!

سيختفي فيروس كورونا يومًا ما، لكن العدوى الأدبية ليست على وشك الاختفاء وهذا شيء مستحسن كثيرًا.

ملاذات روائية أخرى

طبعا سيختفي فيروس كورونا يومًا ما، لكن العدوى الأدبية ليست على وشك الاختفاء وهذا شيء مستحسن كثيرًا. ومن صدف البرمجة الثقافية أن ثلاثة أعمال رائعة ستهز الأخبار الثقافية قريبا . فقد أعادت مؤسسة «لوبوان» نشر رواية «العمى» لخوسيه ساراماغو التي نشرت في عام 1995، والتي تحكي عن وباء العمى cécité الذي أصاب سكان إحدى المدن البرتغالية، حيث جل السكان فقدوا أبصارهم. التفاهة («إنه العمر» يقول طبيب لمريض في سن معين) ويحاول طمأنته («لا بل لديك التهاب في العينين فقط») ما يفسح المجال للقلق ثم إلى الأنانية والعنف عندما يضرب الطاعون بشكل عشوائي، لقد استحوذ الذعر على المجتمع برمته، الطبيب بدوره يغرق في الظلام.

رواية ساراماغو المدهشة

يأتي بعض الرجال للبحث عن رجل، تسألهم زوجته. «إلى أين أنتم ذاهبون؟ لم يجيبوها وأمروا زوجها بالخروج من السيارة، لكنها جعلتهم يعتقدون أنها عمياء أيضًا، وقد قادتهما ممرضتان إلى منفى خاص بالمعتوهين، حيث قررت الحكومة حجر ضحايا المرض الغامض. كانت الزوجة أقوى من الممرضتين فهي لم تكن ترى سوى العنف والأوساخ، والبحث عن كبش فداء لكل منهما ــ ثم من بعدي الطوفان ــ «إهدئي! قال الطبيب. في زمن الوباء ليس هناك مذنبون، بل الجميع ضحايا. تمدنا رواية ساراماغو الحاصلة على جائزة نوبل للآداب برواية مرعبة، مكتوبة بأسلوب جميل وصارم، من دون أن يأخذ القارئ نفسا في حوار، حيث لا يوجد أبطال، بل تعطى الأهمية لأدوار، الوزير، الطبيب، السائق، الطفل، الذين يقدمون أعمالا بسيطة. الدولة كلها «أبرد الوحوش الباردة» كما قال نيتشه الذي سحق الفرد.

العدوى حسب جيرارد مايس

جو الدهشة نفسه يعبر الإضمامة الرائعة التي نشرها جيرارد ماسيه، بلغة أنيقة ودافئة، يقدم لنا من خلالها ثلاثة أطباء في كفاحهم ومعركتهم ضد العدوى. يطرح النص أسئلة مرعبة: «كيف مات البحارة بسبب الكوليرا؟» أو: «ماذا نفعل مع نفاياتنا وفضلاتنا؟». يقول كيف إن هوس الصحة والنظافة يعذبان الإنسان.. إنها مواقف دقيقة ينقشها الكاتب تانيزاكي الشمولي عند الطبيب «سيلين» العنيف والقذر، حسب رأي أحد مرضاه، ولكن بحثًا عن النقاء الذي كرّس له الروائي ماسيه العديد من الصفحات القوية. يمزج المؤلف ذكرياته ويتحدث عن النبيذ والغابات دائمًا بعمق هذه الرائحة والهوس بالنظافة.

الترجمة الفرنسية الأولى

يخشى الكاتب أن تؤدي بسترة Pasteurisation العالم إلى كارثة، وإلى مطاردة الكائن الغريب النتن، كما هو الحال في الكتاب الرائع الثالث الذي سيظهر خلال الشتاء المقبل «الهروب الاستثنائي ليوهانس أوت» الكاتب السلوفيني دراغو جانكار. نُشرت هذه الرواية عام 1978 التي وصلت إلينا مؤخرا في ترجمتها الفرنسية. كان جانكار البالغ من العمر 72 عامًا نجل أحد معارضي النازية الذي ذاق عذاب سجون الديكتاتور اليوغسلافي المارشال تيتو. تدور أحداث هذه الملحمة في العصور الوسطى التي دمرها وباء الطاعون، والتي يبدو أن يوهانس أوت المغامر الغامض، حاول أن يجليها لأعين السكان المهووسين بالشيطان. إنه كتاب جميل يتراوح بين رواية القصص وكرسي القس.. مليء بالأعياد والنبيذ والمواكب وهو قصيدة للطبيعة، والمسافر الهارب الذي يترك خلفه أثرًا لامعًا مثل النجم، هنا بكل سحره، حتى إلى قرارة الهاوية ما يزال هناك الوهج يتألق.

Avec le coronavirus, une épidémie… de littérature Par Stéphane Koechlin







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي