سيرة السؤال

2020-03-11

 أحمد البرقاوي

مذّ صارت لي أجنحة.

ونسيتُ المشي على الطرقات

طرقات سوتها أقدام

غزاة

أقدام جناة

أقدام دجاجلة

أقدام رعاع

أقدام الحكماء

وأنا أجوب فضاءات وفضاءات

شكّاك

يبحث في الميتا

القابعة خلف الأشياء

براقي عقلي

وجناحاه كلام

وقلبي طفل يتنقل بين الأحلام

يرميني في اليم سؤال يجري وراء سؤال

وأنثر أسئلتي أنىّ اتجهت

فيغضب مني حراس الأدغال

وحراس الأوحال

وحراس الأحوال.

زهراً تغدو أحياناً

وأحياناً أشواكاً تسأل أشواكاً

وكل الأسئلة عن الأسرار.

أي سر في هذا الكون

كون مثل عواطف أنثى

يحجب داخلها سحر وجمال

كون لا يعرف ما النطق

فلا يبوح حتى في الهمس

ولا يقول صوتاً

وكأنه محض سراي وخيال خيال

كون هو سور من أبواب

كل أسوار الكون أبواب

وكل الأبواب مقفلة،

مفاتيح الأبواب

المصنوعة من حق

ومن وهم

ملقاة في أقبية الزمن،

تنتشر على أرصفة التيه

تسكن أبراج الحكماء

تنام في كتب العظماء

وفي أوهام البلهاء.

مفاتيح أثقلها صدأ

يتراكم يكبر

حتى صارت أكبر من سكر الأبواب.

كم أنهكني قرع الأبواب ​

وأزرقت أيدي العقل

من قرع الأبواب

وصراخ يجرح حنجرتي

ماذا وراء الأبواب ؟

ماذا وراء الأبواب؟

خلفت الصُدأ ورائي

وخرجت من العتمة

أحمل بين يدي ألف سؤال وسؤال

كم من مرة

فتحت هذا الباب

وذاك الباب

حين دخلت

دُهشتُ

فرأيت وراء الباب باباً

ووراء الباب باباً

ووراء الباب مقفلة أبواب.

دخلتُ الكهف

ورغم العتم، رأيتُ

بقايا ريش من وطواط

بيوت عناكب مهجورة

هياكل بشر كانوا بشراً،

ترسم صوراً لوجود كان

مثلي كان يسأل

عن سر الأكوان

هياكل إنسان حين رأتني

سخرت مني

قهقهة الأشلاء تعالت،

وتنادت كي تصنع لي مرآة،

أشلاء صارت لي مرآة

في مرآة من أشلاء

نظرت نفسي

خائبة من نفسي

إلى نفسي

صورة عظمي رأيت

وصورة جمجمتي

لم يبق من الأشلاء إلا العظم

أين العين يا كهف

أين العين

وأين الثغر

وأين، وأين وأين

وانتشر جواب في الكهف أيييييين.

خرجت من الكهف

أسخر مني

ومن عجز بياني والبرهان.

وأغلقتُ ورائي الباب

وأنا أشلاء ترثي أشلاء.

سؤال صدأ لا يفتح باب سماء

والأكوان كل الأكوان

أصغر من كهف الأشلاء

قبر صبي أوسع من أي سماء.

السر في المعنى

لا في حجم الأشياء

لا سرَ في الأزلي،

لا سرَ في الأبدي،

السر في الأحياء

وفي عدمٍ يسرق أرواح الأحياء.

سماء النجم لا تغريني بسؤال

لا، ولا النجم

بل بسمة ثغرٍ

وأراها تراب الأرض

دون سؤال.

سماء النجم لا تغريني بسؤال

لا، ولا النجم

بل عين شربت

من كل الأكوان

عين فيها صور الأكوان

جمال الأكوان

وقبح الأكوان

عين إن ضج حنين القلب إلى القلب

إن فاض القلب بحزنٍ

توهج فيها الدمع كلام.

عين يقتلها سهرٌ

عين تفضح ما يخفي الصدر

عين خادعة،

عين صادقة

عين تروي قصة حب،

قصة حقد،

قصة حزن،

أو قصة قهر،

عين تعشق سحر الألوان

عين أعماها البطرُ

فلم تنظر يوماً للنور وللإنسان.

ترى من أين أتتنا هذي العين؟

ولماذا؟

لماذا لم تأت للشجر؟

ماذا لو كان للشجر عيون؟

بلون الزهرِ

بلون الثمر

بلون الورق الأخضر

بلون الجذع الصامت

وبلون الأرض

ماذا لو كان للشجر عيون؟

فيراني

وأنا أحكم بالإعدام على السيقان

كي أصنع منها أعمدة للإعدام

أو تابوتاً لامرأة ماتت عشقاً

أو ساطوراً للسجان

وكيف يراني؟

ماذا لو كان للحجر عيون

للحجر الأزرق والأبيض والأصفر

ولصخر الصوان؟

فيراني وأنا انهال عليها بمطرقة

وأقسو عليه بازميل

كي أبني قصراً للسلطان

وبرجاً يُسكنه حرّاس السلطان

وسجناً يأكل أجساد المجُان

فيراني وأنا أصنع منه لطاغية

صنماً أو تمثالاً

أو صومعة للرهبان

وكيف يراني؟

ماذا لو؟

ماذا لو؟

ماذا لو أن للأرض عيون؟

فتراني وأنا أسقيها دماء ودماراً

جروحاً ودمامل

قبحاً

وأنهاراً من قطران.

وكيف تراني؟

ماذا لو ماذا لو؟

أصل الكون وفصل الكون

لا يغريني بسؤال

لا سرَ في الأزلي،

لا سرَ في الأبدي،

السر في هذا الإنسان،

يفترس لحمَ الخلقِ

ويصنع للموت رماحاً

ناراً للأحرار

مسامير للصلبان.

نهم للزاد المختبئ خلف الأشياء

ذو عقل أصغر من حصالة طفلٍ

وفيه خزائن أوسع من كل

خزائن هذي الأرض

السر في عقلٍ يخلُّد في اللوحات،​

في الكلمات،

وفي أشعار العشاق

وأشعارالمجان،

عقل تتعارك فيه كل الأضداد

يحلم كالطفل

يحقد كالطوفان

يصدق إن شاء

وإن شاء يشيد صروحاً من بهتان

يفضح سرالآه

وبوح الآه

ويخفي سر الآه وراء الأنخاب

يتستر خلف الألوان

يختار إن شاء الأبيض

والقلب سواد

يا عقل

أنت يا عقل

ما أنت يا عقل؟

يالقابع في جمجمة

تغدو في القادم من موت الأيام

وكراً للديدان.

من أين من أين يا عقل؟

من أين أتاك هذا السلطان؟

من أين؟

يا رخواً يغدو أكلاً للديدان

من أين أتاك هذا السلطان.

من أين؟

أصل كالكون وفصل الكون

لا يغريني بسؤال

لا سرَ في الأبدي

لا سرَ في الأزلي

السر في هذا الإنسان

زمن يجري

سجن عالي الجدران

ينهشنا زمن

يسخر منا زمن

ويغرينا زمن

ويأخذنا زمن في كل الأزمان

ومن عدم آتٍ نخشى

نتوسل بالكلمات

هروباً من هذي القضبان

لا سرَ في الأزلي

لا سرَ في الأبدي

السر في الإنسان.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي