الهجمات السيبرانية والحرب الناعمة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية

2020-02-15

وفقا لتصريحات مسؤولين إيرانيين، تعرضت إيران يومي الثامن والتاسع من فبراير الجاري إلى هجمات استهدفت الشبكة الوطنية للانترنت، حيث تمت الإشارة إلى أن مصدر الهجوم شرقي آسيا وشمال أميركا. كما تمت الإشارة إلى أنه تم صد الهجوم الأول من خلال منظومة الجدار الناري ويُطلق عليه “دجفا”، وزعمت إيران أن الهجوم لم يؤد إلى إلحاق أضرار بشبكة الانترنت أو البنية التحتية، لكن تأثيره اقتصر على خلل في خدمة مشغلات الهواتف المحمولة وانترنت الهواتف المنزلية. ووفقا لمرصد NetBlocks للانترنت، فقد حدث اضطراب واسع في شبكة الانترنت في إيران لينخفض الاتصال بالانترنت بمعدل 25% وذلك نتيجة لتفعيل آلية الدفاع الالكتروني.

هذا الهجوم ليس الأول من نوعه فقد شهدت السنوات الأخيرة عددا من الهجمات السيبرانية المتبادلة بين إيران والولايات المتحدة، ليأخذ الصراع بينهما بعداً جديداً عبر توظيف التكنولوجيا الحديثة في إطار ثورة التكنولوجيا الرابعة، ليتم شن مجموعة من الهجمات السيبرانية بهدف التأثير على المصالح الحيوية للدولتين. بحيث انتقل الصراع بين الولايات المتحدة وإيران إلى الفضاء السيبراني.

وخلال السنوات الأخيرة حاولت إيران تطوير قدراتها في هذا المجال خاصة أن هذا النوع من الهجمات السيبرانية يتسم بالعديد من السمات، من بينها سهولة التنفيذ، مع صعوبة تحديد الأهداف المحتملة في ظل سهولة الخداع، مع إمكانية الاعتماد على وكلاء في أي مكان في العالم لتنفيذ تلك العمليات. إضافة إلى صعوبة صد وردع تلك الهجمات وفي كثير من الأحيان صعوبة تحديد مصدرها.

وفي ظل المخاوف من تحولها لحرب علنية بين الدولتين من المهم التعرف على القدرات الإيرانية في هذا المجال وأبرز الهجمات التي تمت خلال الفترة الأخيرة وتوقعات مسارها مستقبلاً.
الأمن السيبراني: حقائق وأرقام

وفقا لمؤشر الأمن السيبراني لعام 2018، والصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات، جاءت إيران في الترتيب 60 على مستوى العالم من بين 175 دولة شملها المؤشر، بينما جاءت الولايات المتحدة الأميركية في الترتيب الثاني على مستوى العالم. ويقيس المؤشر مدى التزام الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي للاتصالات بمتطلبات الأمن السيبراني. حيث يركز المؤشر على ثلاثة عناصر هي: أمن المعلومات، والخصوصية وحماية البيانات الشخصية، وإجراءات حماية المواطنين من مخاطر الفضاء السيبراني.

ورغم أن إيران تأتي في مرتبة متأخرة في هذا المؤشر الدولي الهام، إلا أنها تقوم بتوظيف الانترنت كشكل من أشكال القوى الناعمة Soft Power، وأنشأت بنية تنظيمية معقدة لإدارة الحرب السيبرانية. وفي عام 2012 أنشأت المجلس الأعلى للفضاء السيبراني الذي يتبع للمرشد الأعلى ويديره الحرس الثوري الإيراني ويُعنى برسم سياسة إيران في مجال الأمن السيبراني. إضافة إلى إنشاء عدد من الوحدات داخل الجيش والحرس الثوري والباسيج تقوم بمهمة الدفاع والهجوم ضد هذا النوع من الحرب. كما تُشير المصادر إلى أن ميزانية الإنفاق على الأمن السيبراني في إيران تضاعفت منذ تولي حسن روحاني الرئاسة في عام 2013، و بلغ الإنفاق السنوي الإيراني في هذا الملف نحو 19.8 مليون دولار عام 2015.

ويبدو أن إيران تنظر إلى الحرب السيبرانية كجزء من قدراتها العسكرية بمفهومها الأوسع، وذلك في إطار المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية. وأصبح لدى الحكومة الإيرانية قراصنة في المجال الالكتروني يستهدفون المصالح الأميركية. مع ملاحظة أن الولايات المتحدة لديها قدرات أكثر تميزا في هذا المجال مقارنة بإيران ،حتى أن 58% من شركات أمن الفضاء الالكتروني عبر العالم تتواجد في الولايات المتحدة وحدها.

الهجمات السيبرانية: توظيف متزايد في الصراعات الدولية

الهجوم الأخير الذي تعرضت له إيران أيّا كان مصدره لم يكن الأول، والمؤكد أنه لن يكون الأخير. فخلال السنوات الأخيرة كانت إيران هدفا لعدد من الهجمات السيبرانية، كما كانت المسؤولة عن تنفيذ عدد من تلك الهجمات والتي لم تستهدف الولايات الأميركية وحدها، وذلك لتحقيق أهداف استراتيجية وتكتيكية وإن لم تعلن مسؤوليتها عن أغلب تلك الهجمات.

وكانت البداية لأبرز تلك الهجمات في عام 2010، فقد استهدف فيرس “ستوكنست” الإسرائيلي الأميركي، أجهزة الطرد المركزي الإيرانية الخاصة بتخصيب اليورانيوم. وكان ذلك بداية الحرب الالكترونية بين الدولتين. لتشهد السنوات التالية هجمات متبادلة بين الدولتين وإن كانت محدودة. ثم تطورت تلك الهجمات للتأثير على المصالح الحيوية للدولتين، ومن ذلك “عملية أبابيل” حيث تم استهداف المؤسسات المالية الأميركية عامي 2012، و 2013 بهدف التأثير على الخدمات المصرفية لتلك المؤسسات، وقد جاء هذا الهجوم ردا على فيروس “ستوكنست”. وفي عام 2013 استهدفت إيران إحدى شركات المياه في مدينة نيويورك، وفي عام 2014 تعرضت “مؤسسة لاس فيغاس ساندز” لهجمات الكترونية، ثم الهجوم على حسابات شخصية لعدد من المسؤولين الأميركيين عام 2015، وغير ذلك.

ورغم تراجع تلك الهجمات في إطار توقيع الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي، فقد عادت مرة أخرى ردا على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، ففي يوليو 2018 أعلن مسؤولون أميركيون عن قيام قراصنة إيرانيين بالتخطيط لتنفيذ هجمات على البنية التحتية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية. وفي منتصف 2019 ورداً على قيام إيران بإسقاط طائرة بدون طيار أميركية، قامت أميركا بشن هجوم ضد أنظمة التسلح الإيرانية. وفي نوفمبر 2019 أعلنت إيران عن وقوع هجوم أمني كبير جدا استهدف البنية التحتية للحكومة الالكترونية. وجدير بالذكر أن الهجمات الإيرانية لم تستهدف الولايات المتحدة الأميركية فحسب، بل شكلت المصالح الخليجية أحد أهداف المجموعات الإيرانية المتخصصة في هذا المجال، حيث أشارت بعض المصادر إلى وجود مجموعة تجسس الكترونية إيرانية تسمى “العفاريت Elfin” تستهدف قطاعات البنى التحتية والطاقة لدول المنطقة وكذا الولايات المتحدة الأميركية. ومنذ عام 2015 استهدفت المجموعة 50 منظمة ومؤسسة حكومية وخاصة، وأكثر من 40% من تلك الهجمات وُجهت للمملكة العربية السعودية وحدها ثم الولايات المتحدة بنسبة 34%.

 

مستقبل الحرب الالكترونية بين إيران والولايات المتحدة

أصبحت الهجمات السيبرانية جزءا من الصراع بين إيران وأميركا ولا يمكن تجاهلها، لتتحول إلى بديل للحرب والمواجهة التقليدية، بحيث أثرت على شكل الصراع خلال الفترة الماضية، ومن المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة مزيدا من الهجمات السيبرانية ضد المصالح الحيوية للدولتين. ورغم المخاوف من تحولها لحرب الكترونية علنية إلا أن هذا يظل مستبعدا في الأمد المنظور. فالأرجح أن تستمر الهجمات السيبرانية بين الدولتين في هذا النطاق دون تحولها لحرب تدميرية شاملة.

أما تصاعد أو تراجع تلك الهجمات فيرتبط بالخلافات السياسية بين الدولتين، فقد شهدت الفترة التالية لتوقيع الاتفاق النووي تراجعا في تلك الهجمات، قبل أن تعاود الظهور ردا على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وفي ضوء التطورات الأخيرة على خلفية مقتل قاسم سليماني من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة عددا من الهجمات المتبادلة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي