مرضى يمنيّون يستعيدون أمل الحياة في الأردن

2020-02-15

عانى المصابون بالأمراض المزمنة من الحصار الذي أغلق منافذ السفر، لكن بدأت تنظم لهم رحلات سفر إلى كل من الأردن ومصر للتداوي بسبب نقص المعدات والأدوية في المستشفيات اليمنية. المرضى الذين سافروا وتلقوا العلاج رأوا في هذه المبادرة طوق نجاة راجين أن يعم السلام بلادهم وأن تعود مستشفياتهم إلى سالف نشاطها حتى لا يتكبدوا عناء السفر.

عمان- ينظر محمد حسين بحزن إلى زوجته المصابة بالسرطان وهي ترقد على سرير في مستشفى في عمان وتردّد بصوت خافت “الله يلعن الحرب”، في إشارة إلى النزاع المدمر في اليمن، البلد الذي تركاه قبل أيام لتلقي العلاج.

قبل سنة ونصف سنة، شخّص أطباء في اليمن إصابة دولة، زوجة حسين البالغة من العمر 40 عاما، بمرض السرطان في الغدة الدرقية. كان الخبر مفجعا لاسيما أن تأمين العلاج لها في بلد يشهد، بحسب الأمم المتحدة، أسوأ أزمة إنسانية في العالم، مستحيل.

ويقول حسين (50 عاما)، المزارع من محافظة حجة شمال غرب صنعاء، وفقا لصحيفة العرب والدموع في عينيه، “أبلغوني أنها تعاني من المرض قبل نحو أربعة أعوام”.

ويضيف، “لم أتمكن من علاجها بسبب الحرب والحصار ونقص الكوادر الطبية والعلاجات، ولم أتمكن من السفر بها إلى خارج البلاد، لأن ما كنت أحصل عليه من مال بالكاد كان يكفيني لأنفقه على إطعام أطفالي الستة”. ويتابع متنهدا “الحياة صعبة في اليمن بشكل لا يمكن أن يتصوره إنسان”.

انتظر الزوجان أربعة أشهر في فندق صغير في صنعاء موعد الرحلة التي سُمح فيها للزوجة أخيرا بالانتقال إلى الأردن لتلقي العلاج على نفقة منظمة الصحة العالمية.

ووصلا إلى عمان في الثامن من فبراير في رحلة من مطار صنعاء نظمتها الأمم المتحدة. وأقلت الطائرة 24 مريضا مع أفراد من عائلاتهم، بعد رحلة أولى سبقتها إلى عمان، نقلت سبعة أطفال يمنيين مرضى.

جدير بالذكر أن عملية النقل الجوي الطبي تمت عبر مفاوضات أجرتها الأمم المتحدة وحكومات كل من الأردن ومصر والسعودية.

وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن ألطاف موساني، إنّ هؤلاء المرضى هم جزء من مجموعة خاصة من اليمنيين المصابين بأمراض مزمنة الذين لا يستطيعون الحصول على العلاج الذي يحتاجون إليه في داخل اليمن. وهم يعانون أنواعا مختلفة من أمراض السرطان وأمراض الكلى والتشوّهات الخلقية وغيرها من المشكلات الصحية. ويسيطر المتمردون الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء منذ 2014 بعد هجوم شنّوه على القوات الحكومية في مناطق عدة.

وتسبّب النزاع بمقتل وإصابة عشرات الآلاف، بينهم عدد كبير من المدنيين، بحسب منظمات إنسانية. ودمر أو تضرر العديد من

المستشفيات في اليمن الذي يعتمد بشكل كبير على مساعدات المنظمات الإنسانية للحصول على الخدمات الطبية أو الغذاء.

                                  الجسد في عمان والبال في اليمن

في المستشفى التخصصي الخاص في عمان كانت دولة تنتظر جلسة العلاج الكيميائي. في غرفة أخرى رُسمت على جدرانها بيوت ملونة ومروج خضراء، جلس وهيب (40 عاما)، وهو من تعز في جنوب غرب اليمن، إلى جانب ابنه أيمن (عشر سنوات) الذي يعاني من تشوه خلقي في العمود الفقري، وقد حدّد الأطباء موعدا لإجراء عملية جراحية له في الـ23 من الشهر الحالي.

ويقول وهيب بقلق، “قالوا لي إنها عملية معقّدة ستستمر ثماني ساعات”. ويروي، “منذ أن كان عمره ستة أعوام وابني يعاني. راجعنا أطباء كثيرين. كانوا يقولون، ليس بإمكاننا إجراء العملية في اليمن، يجب أن تذهب به إلى الخارج”.

ويضيف عامل البناء الذي ترك زوجته وخمسة أطفال آخرين في بلاده، “الوضع سيء في بلادي، حرب، غلاء… لا توجد معاشات. مستشفيات مدمرة والكل لديه مريض وينتظر الفرج”. وتابع “آمل أن تنتهي الحرب بأسرع وقت ممكن ونستعيد حياتنا الطبيعية لأننا تعبنا”.

في غرفة أخرى، تقول نادية (25 عاما) بينما تحتضن طفلتيها؛ منال (5 أعوام) وماريا (عامان)، اللتين بدتا هزيلتين وخائرتي القوى، “أبلغني الأطباء قبل قليل أن منال ستخضع لعملية جراحية في ذراعها اليمنى التي لا تستطيع تحريكها منذ ولادتها”.وعلى الرغم من الحرب في بلادها، تترقب نادية بفارغ الصبر العودة إليها، تقول “في بلدي المستشفيات مدمرة بسبب الحرب والأطباء

قليلون والأدوية تكاد تكون معدومة. هذه الرحلة أعادت لنا بعض الأمل”.

وتتابع “آمل أن تجري الأمور على خير وأن أعود إلى بلدي بأسرع وقت، فلدي طفل ثالث تركته في بيت جده”.

 

استقبل المستشفى التخصصي في عمان المرضى الذين يعانون من أمراض القلب والكلى والسرطان والتشوهات الخلقية والعظام والأورام

ويقول المدير الطبي للمستشفى التخصصي، هاني الكردي، “استقبل المستشفى 19 مريضا يمنيا بينهم سبعة أطفال”، مشيرا إلى أن “المرضى يعانون من أمراض القلب والكلى والسرطان والتشوهات الخلقية والعظام والأورام”.

ويشير إلى أن غالبية المرضى “بحاجة إلى عمليات جراحية نتيجة عدم حصولهم على معالجة طبية صحيحة في السابق ما جعل حالاتهم تتعقد وتتطور”.

وتوضح المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، إيناس همام، أن الجسر الجوي الذي أقامته الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بين صنعاء وعمان يهدف “إلى إجلاء اليمنيين الذين لا يستطيعون الحصول على علاج داخل اليمن أو دفع تكاليف هذا العلاج”.

وتشدد على حقّ هؤلاء في “الحصول على الرعاية لإنقاذ حياتهم… في انتظار أن يتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة”.

هكذا، سيكون في إمكان هاشم عبدالله (28 عاما) الآتي من صنعاء أن ينقذ قدمه. ويقول هاشم بفرح ظاهر “قبل ثلاثة أعوام بينما كنت أقود دراجتي صدمتني سيارة وعندما نقلت إلى المستشفى في

صنعاء أراد الأطباء بتر قدمي اليمنى”، لكن عائلة هاشم رفضت ذلك وأخرجته من المستشفى.

وسيخضع هاشم في عمان لعملية جراحية، الأسبوع المقبل،  يقول “لا أرغب في بتر قدمي. فما زلت شابا. أبلغني الأطباء أن (…) كل الأمور ستجري على ما يرام”.

ويضيف “آمل ذلك بشدة، فأنا أريد أن أمشي أريد أن أتزوج وأن أتخلص من العكاز”.

وتقول همام، “من دون هذا الحلم، لن يكون (هؤلاء المرضى) قادرين على الاستمرار. هذا هو الأمل الوحيد لهم للبقاء على قيد الحياة”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي