بفوز فيلم Parasite الكوري.. هل بدأ العهد الجديد لجوائز الأوسكار بعد سنوات من الهيمنة والإقصاء؟

2020-02-12

فيلم "Parasite" الكوري الفائز بجائزة الأوسكاربيل هود


حدث شيءٌ استثنائي للتوّ؛ فقد فتح الفوز المُدهش لفيلم “Parasite” بجائزة أفضل فيلم -الفوز الأول لفيلم غير ناطق بالإنجليزية بكامله- مجال “السينما غير الناطقة بالإنجليزية” على مصراعيه، وهو أكثر مجال يخضع للتنميط وأكثر ما تتمركز تصنيفات لوس أنجلوس حوله.

احتوى كلٌّ من فيلمي “The Last Emperor” إنتاج عام 1988 و “Slumdog Millionaire” إنتاج عام 2009 اللذين فازا في السابق بجائزة أفضل فيلم، على مساحاتٍ كبيرة من الحوار المُضمَّن فيهما بلغة أجنبية، بيد أنهما كانا، بدرجاتٍ مُتفاوتة، نتاجاً لمنظومة هوليوود. كان فيلم “The Artist” عام 2012 فرنسياً ولكن مُعظمه صامت، علاوة على أنه كان وفياً بشدة إلى منطقة تنسيل تاون (المعروفة الآن باسم هوليوود). يُعد فيلم “Parasite” الذي عاد به بونغ جون إلى كوريا الجنوبية بعد فيلمين باللغة الإنجليزية، دخيلاً بحتاً على عُصبة الاستوديوهات الأمريكية. هيمن الفيلم بثقةٍ بالغة على موسم الجوائز لينتزع أكبر الجوائز على الإطلاق مُحقِّقاً فوزاً من المُحتَمَل أنه بمثابة تحوُّلٍ في النموذج الفكري.

ومع أن هذا يُعَدُّ حدثاً مهماً بالنسبة إلى بونغ، قد يكون أهم بالنسبة لحفل جوائز الأوسكار. قد يكون التقبل التام للمعنى الأشمل للسينما بمثابة فرصة لحفل الجوائز ليستعيد صلته بما هو سائد، تلك الصلة التي تخلَّت عنها جوائزه على مدى السنوات العشرين الماضية. وضع بونغ يده على صميم المشكلة عندما قال: “لا يُعَدُّ حفل جوائز الأوسكار مهرجاناً دولياً للأفلام. فهو محلي للغاية”. بيد أنه يعود إلى الصدارة، بتحوُّله إلى احتفاليةٍ بشتى أنواع السينما، وليست تلك الناطقة باللغة الإنجليزية فقط. إلا أن ذلك يعني ضمنياً حدوث تغييرات جذرية هي: إلغاء فئة الأفلام العالمية -حيث إن مفهوم الفيلم الأجنبي قد أُعيدَت صياغته هذا العام- ومحاولة زيادة نسبة تمثيل الأعمال غير الأمريكية في جميع الفئات الأخرى.

ربما تظلُّ هوليوود هي المُهيمنة على السينما العالمية، غير أن الحقيقة هي أن حفل جوائز الأوسكار لم يعد يحظى بالجاذبية التي حظي بها في الماضي. فقد أصبح مقطوع الصلة بالتيار الأمريكي السائد، وتسيطر عليه أفلامٌ خاصة تبدو وكأنها قد صُنِعَت خصيصاً بوضع “منح الجوائز” في الاعتبار. في السنوات الخمس عشرة الماضية، حصدت خمسة أفلام فائزة بجائزة أفضل فيلم ما يزيد على 100 مليون دولار على الصعيد المحلي (ومع ذلك تظل الزيادة ضئيلة)، وهي: “Argo” و “The King’s Speech” و “Slumdog Millionaire” و “The Departed” و “Million Dollar Baby”. باستثناء أفلام مثل “Moonlight“، ساد جو من إغفال جانب التنوُّع الثقافي في ما يتعلق بأحدث الفائزين بالجائزة. أصبح حفل جوائز الأوسكار بمثابة حدثٍ هام من الضروري استضافته، لكن مشاهدته ليس كذلك.

ومن المفارقة أن “Parasite” قد يكون الفيلم الأمثل للدخول في مرحلة شعبوية جديدة. فهو فيلم ذو هيكل كلاسيكي، ويُعد أكثر أفلام بونغ (بخلاف فيلم The Host) مُراعاةً للتيار السائد في مسيرته الفنية حتى تلك اللحظة، يدور حول فكرة أساسية هي: مهرِّجون من الطبقة العاملة يتبنون نمط حياة أسرة غنية بادعائهم أنهم مُعلمون رفيعو المستوى. يُعَدُّ هذا نوع الأفكار الفريدة من نوعها التي تبيع جيداً والمدفوعة بصدى مُعاصرٍ، التي استخدمتها استوديوهات هوليوود واعتمدت عليها في الترويج وبيع الأفكار الأصلية. كان هذا قبل أن تبيع الصناعة روحها للملكية الفكرية وحقوق الامتياز، وهو الشيء ذاته الذي صنع حفل جوائز الأوسكار، وكان عدد الأفلام من ذلك النوع التي تُوِّجَت هُناك ضئيلاً.

ستظل الأفلام الأمريكية تُهيمن على حفل جوائز الأوسكار ذي الطابع الدولي، كما تفعل في شباك التذاكر العالمي. بيد أنه من المؤكد أن حدة الإثارة ستزداد في حال قُبِلَ التحاق الأطراف الأخرى للمنافسة على الجوائز الكبرى. أضفَت قصة بونغ، التي تناولت تيمة المُستضعَفين، الحيوية على سباق هذا العام. لذا لكم أن تتخيَّلوا كيف يُمكن للانفتاح على أفضل ما في بوليوود وصناعة السينما الصينية الصاعدة والقوة المُحرِّكة المحلية للأزياء الصينية والتُركية ونوليوود وما عداها أن يُضيف قدراً أكبر من الحماسة. ستكون الجماهير في الدول التي تترشح أفلامها للأوسكار أكثر اهتماماً، واعين أنهم ليسوا مُجرد أسواق غير فاعلة لمُنتجات هوليوود، بل يتسنى لهم أن يُشاركوا في الحوار السائد أيضاً. ينبغي أن تتضاءل أهمية اللغة في هذا اليوم وهذا العصر، كما أشار بونغ بإيجازه البليغ النموذجي في تعليقه على “حاجز ترجمة الفيلم على الشاشة الذي يبلغ طوله بوصة واحدة”. إن أسواق البلدان الناطقة بالإنجليزية هي وحدها التي تتمسَّك بذلك النهج المُتعصِّب.

وفي ما يتعلق بالأكاديمية التي تُعاني بالفعل مع مسألة التنوُّع العرقي، لا جدال أنه من الصعب أن نرى كيف يُمكن لعملية إضفاء الطابع الدولي أن تتحقَّق في ما يتعلق بقاعدة المُصوِّتين. سيعني ذلك حدوث اضطراب كامل. تُشير الاحتمالات إلى أنه ربما يكون فوز فيلم “Parasite” حدثاً لن يتكرر، وأن الإرادة اللازمة لنشر ذلك التأثير على المستوى العالمي ضئيلة. بيد أن ذلك سيتجلى فقط حيث تكمن الجهات الفعلية التي تستهدفها هوليوود؛ فقد ازداد بشكل مُطرد ما تستقبله من شباك تذاكرها من الخارج من نسبة 50% عام 2000 لتُحقِّق رقماً قياسياً بلغت نسبته 73% في العام الماضي. أثَّر الحضور الهوليوودي على صُنَّاع الأفلام في كلِّ مكان وبثَّ فيهم الهمة، وكثيرٌ منهم، مثل بونغ، يُعرب عن مدى امتنانه لنماذج السرد القصصي الهوليوودي القديم، ويُساهمون بشيءٍ قيِّمٍ خاص بهم في هذا المجال. ينبغي أن يكون فوزه بدايةً لتمكين عديدٍ من الأفلام العالمية.

 

*ناقد بريطاني مُتخصص في السينما

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي