فورين بوليسي: بريطانيا لم تعد تخشى من ردود الفعل العربية حول دعمها لإسرائيل وأمريكا في الشرق الأوسط

2020-02-07

في مقال نشره موقع “فورين بوليسي” وكتبه أزريل بيرمانت، المحاضر المتخصص بالشؤون الدولية في الجامعة العبرية أشار فيه الى موافقة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الى استعداده للمصادقة على صفقة القرن التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي الأسبوع الماضي وذلك في محاولة منه للتقرب من الرئيس الأمريكي على سياسته في الشرق الأوسط وفي رغبة منه للحصول على معاهدة للتجارة مع واشنطن.

وأشار الكاتب في البداية إلى شجب مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل يوم 4 شباط/فبراير خطة الرئيس ترامب وقال إن عملية ضم مستوطنات في الضفة الغربية “لن يمر بدون تحدٍ” وأكد التزام الاتحاد الأوروبي بحل الدولتين.

ولكن بيانه كان على خلاف ما صدر من الحكومة البريطانية حول الصفقة، ففي حديثه أمام مجلس العموم قال جونسون “لا توجد خطة سلام تامة”. وأضاف أن خطة ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فيها “مزايا” فيما وصف وزير خارجيته دومينيك راب الخطة قائلاً “من الواضح أنها خطة جادة وتعكس عملاً طويلاً وجهداً”.

وبنظرة فاحصة فإن خطة ترامب لن تعمل على تعزيز السلام. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت محذراً من أنها ستحول إسرائيل إلى دولة تمييز عنصري. وحتى رئيس الوزراء نفسه، بنيامين نتنياهو عبر عن مخاوفه في الماضي من تحول دولة إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية، وهو مصير قد تواجهه حالة منحت الضوء الأخضر لضم وادي الأردن وكل مستوطناتها في الضفة الغربية. وفي استطلاع أعده معهد الديمقراطية الإسرائيلية وجد أن نصف اليهود الإسرائيليين رأوا في الصفقة تدخلاً في الانتخابات الإسرائيلية الشهر المقبل. ولكن أنصار نتنياهو لم يضيعوا وقتهم للحديث عن دعم جونسون لصفقة ترامب.

ويعتقد الكاتب أن موقف رئيس الوزراء البريطاني لم يكن مفاجئاً، أياً كان الضرر الذي سينجم عن دعمه لخطة ترامب. وبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي أصبح البلد معتمداً على رحمة الولايات المتحدة وتوقيع اتفاقية تجارية معها.

وقبل وصول ترامب إلى منصب الرئاسة كانت صفقة البريكسيت قد تمت، مع أن بريطانيا التزمت موقف نظيراتها الأوروبية من إسرائيل حيث تمسكت بحل الدولتين وعارضت التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية ودعمت الاتفاقية النووية مع إيران.

وعندما قرر ترامب الخروج منها في ربيع 2018 انضم جونسون الذي كان وزيراً للخارجية في حينه إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في محاولة أخيرة لإنقاذ الإتفاقية وإقناع ترامب البقاء فيها رغم رفض إسرائيل لها. إلا أن موقف جونسون تغير هذا العام عندما دعا في كانون الثاني/يناير إلى استبدال الإتفاقية النووية “بصفقة ترامب”. ومن خلال هذه التصريحات حاول جونسون والفريق معه موازنة عدد من الضرورات.

وظل الموقف البريطاني من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني مشروطاً بحساسيات الدول العربية التي يطلق عليها بالمعتدلة. وحتى وقت قريب كانت بريطانيا حذرة من علاقات قوية مع إسرايل خشية إغضاب الرأي العام العربي المعتدل. وحقيقة انضمام بريطانيا إلى المفوضية الأوروبية الإقتصادية عام 1973 جاء بعد تراجع مركزها كإمبراطورية. وفي ذلك العام رفض رئيس الوزراء إدوارد هيث تزويد إسرائيل بدبابات سنتريون أو منح حقوق هبوط للطائرات العسكرية الأمريكية في طريقها إلى إسرائيل أثناء حرب عام 1973.

وظلت بريطانيا تتجنب الظهور بمظهر الداعم لإسرائيل لئلا تضر بعلاقاتها الإستراتيجية ومصالحها التجارية مع العالم العربي. ففي ذروة الحرب الباردة كانت بريطانيا تعتمد على النفط العربي. وبعد رفض الرئيس رونالد ريغان شجب الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 كتبت مارغريت ثاتشر في حينه على برقية من واشنطن “لا تعرف أمريكا مدى الحنق الذي تتسبب به في الشرق الأوسط”. وخافت ثاتشر من بناء الاتحاد السوفييتي وغيره قوة تأثير بسبب دعم أمريكا لإسرائيل وأفعالها. إلا أن الكثير قد تغير منذ ذلك الوقت. فحقيقة وجود سفراء كل من الإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين أثناء حفلة الإعلان الصفقة يعبر عن الواقع الجديد. وعبرت السلطة الوطنية الفلسطينية عن خيبة أملها من تردد السعودية وقطر والكويت انتقاد خطة ترامب، مع أن الجامعة العربية أعلنت عن شجبها للخطة.

 

  لبريطانيا في قضية الشرق الأوسط تأثير على الولايات المتحدة،ولكنها اليوم أضعف في أعقاب البريكسيت وتراجع موقفها الدولي

ويرى الكاتب أن بريطانيا لم تعد تخشى من ردود الفعل العربية حول دعمها لإسرائيل والسياسة الأمريكية في المنطقة، لأن الدول العربية تتحرك باتجاه الموقف نفسه. ويضيف أن الموقف البريطاني من صفقة ترامب يذكر بموقفها من اتفاقية كامب ديفيد التي وقعتها إسرائيل مع مصر في ظل إدارة جيمي كارتر عام 1978. وعارض العالم العربي الاتفاقية باعتبارها خيانة للفلسطينيين بل وعبر بعض المسؤولين في الخارجية البريطانية عن مخاوفهم من تضرر المصالح البريطانية في المنطقة. إلا أن رئيس الوزراء البريطاني في حينه جيمس كالاهان لعب دوراً في الإتفاقية من خلال إقناع مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي بتقديم تنازلات للرئيس المصري أنور السادات. ولم ينس كارتر هذه الجهود عندما شكر كالاهان على ما قام به من جهود. ودعمت حكومة ثاتشر القصف الأمريكي على ليبيا عام 1986 وحاولت ثاتشر استخدام الدعم لتقوية موقف بريطانيا في الشرق الأوسط ودعوة أمريكا للعب دور أكبر فيه. ورغم أن الدعم لم يترك أثره على النزاع العربي- الإسرائيلي إلا أن الجائزة جاءت من خلال اتفاقية ترحيل المطلوبين وأفعال أمريكا ضد إرهاب الجيش الجمهوري الآيرلندي. وعلق ريغان في العام نفسه أن “رفض الخطة سيكون إهانة لرئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، الزعيمة الاوروبية التي وقفت معنا جنبا إلى جنب أثناء العملية ضد القذافي الإرهابي”. وفي الفترة الأخيرة قدم توني بلير الدعم للغزو الأمريكي على العراق. ومع أن التاريخ لم يكن لطيفاً مع بلير إلا أن هناك أدلة تشير إلى خريطة الطريق التي أعلن جورج دبليو بوش والتي جاءت نتاجاً لدعم بلير له في حرب العراق. واليوم أصبحت بريطانيا بحاجة لأمريكا، حيث يناقش دعاة الخروج أنه سيعطي بريطانيا الحرية للحصول على عقود تجارية مع الولايات المتحدة. إلا أن النقاش هذا يتجاهل التنازلات التي يجب على الحكومة البريطانية، تقديمها بما في ذلك موقفها من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. وفي حالة كالاهان وثاتشر وبلير كانت آراء بريطانيا في قضية الشرق الأوسط لها تأثير على الولايات المتحدة. ولكنها اليوم أضعف في أعقاب البريكسيت وتراجع موقفها الدولي. فهي لا تزال مع حل الدولتين إلا أن دعمها لخطة ترامب يضعف هذا الموقف. وبالتأكيد فوقوف بريطانيا عام 2020 إلى جانب ترامب هو تعبير عن ضعفها وليس تعبيراً عن قدرتها على لعب دور بناء على المسرح الدولي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي