تحسين اقتصاد غزة.. بين فرضية جابوتنسكي والغباء الإسرائيلي

2020-01-22

قبل بضعة أيام بُشرنا بمنح تسهيلات اقتصادية لغزة، وهذه المرة في شكل تصاريح لعدد أكبر من التجار للدخول والخروج من وإلى القطاع. وفي اليوم ذاته جاء عن قيادة المنطقة الجنوبية بأن “التسوية” تجري كما ينبغي. مصادر في غزة، هكذا قيل، أفادت بأن البالونات المتفجرة التي سقطت في سديروت، في الوقت نفسه مع “التسهيلات”، هي رد من جانب أولئك الذين في غزة ممن هم غير راضين عن وتيرة تقدم “التسوية”. ظاهراً هناك تفسير كامل لوضع عديم المنطق. مرت بضعة أيام أخرى، وانظروا العجب – طريقة عمل “المارقين” أصبحت طريقة عمل المنظمة التي تجري معها إسرائيل مباحثات “التسوية”. وأفادت وسائل الإعلام بأن حماس تعتزم تشديد أعمالها ضد إسرائيل لأن “التسوية” لا تجري بما يرضيها.

الإرهاب لا يسكت لدفع رشوة اقتصادية. في العام 1923 أجاد جابوتنسكي بأن يهزأ في مقالته “الحائط الحديدي” بأولئك الذين يعتقدون بإمكانية إرضاء معارضة العرب للصهيونية في امتيازات اقتصادية: “طالما كان لدى العرب ذرة أمل للتخلص منا، فلن يبيعوا أملهم هذا – لا لقاء كلام حلو ولا لقاء أي شريحة خبز بالقشدة”.

  في 1987 بعد 64 سنة من “الحائط الحديدي”، نشبت الانتفاضة الأولى. وقد نشبت حين كان عشرات آلاف الغزيين ينالون رزقهم في إسرائيل، وعبور البضائع لم يقيد، والوضع الاقتصادي كان جيداً بما لا يقاس مع الوضع الذي ساد قبل السيطرة الإسرائيلية. وفي العام 2000 نشبت الانتفاضة الثانية. وها هم، عندما تحرروا من السيطرة الإسرائيلية وأتيح لهم توجيه جهودهم إلى الداخل، شرع الفلسطينيون بهجوم إرهابي إجرامي ضد إسرائيل.

إن جملة البحوث التي حللت دوافع الإرهاب في إسرائيل والعالم كله على مدى التاريخ، تؤكد الفرضية الأساس لجابوتنسكي: لا توجد صلة بين الوضع الاقتصادي الشخصي واختيار الإرهاب كطريق لتحقيق أيديولوجيا ما. دولة إسرائيل ما كانت لتقوم لو كان العناد الذي تميز به مؤسسوها على مدى الزمن بالفكرة الصهيونية مشروطاً برفاههم الاقتصادي.

أولئك الذين من بيننا ممن أهملوا قسماً مهماً من أيديولوجيتهم التأسيسية، وكل ما يريدونه السير في قناة الحياة الطيبة، يشرحون وفقاً للمنطق إياه سلوك الطرف الآخر. هذا هو دافع الفكرة الإسرائيلية التي تعتقد بأن نقل المال القطري إلى غزة وإعطاء التسهيلات الاقتصادية لسكانها سيقللان من تعلقهم بحماس، وكذا الرغبة الشعبية لتحقيق أيديولوجيا المنظمة. هذا تذاكٍ عسكري إسرائيلي من النوع المعروف، كنتاج مباشر للتفكير الدارج في الثقافة الغربية العلمانية. أما عملياً، فإن الامتيازات الاقتصادية ستصبح رافعة للابتزازات والتهديدات الموجهة بأسلحة ضد من أمن بنجاعتها.

من يعتقد أن الحل السحري لمشكلة غزة يكمن في تحسين شروط حياة الغزيين، يتجاهل قوة الأيديولوجيا والتعليم، اللذين يخلقان شباناً، سواء كانوا جوعى أم شبعى، مستعدين لأن يضحوا انطلاقاً من أمل تحقيق مثال أعلى وليس انطلاقاً من يأس من وضعهم. إن القيادة الإسرائيلية تكذب على نفسها وعلى مواطنيها. فالضعف، والخداع الذاتي، والأماني، وبالأساس تجاهل دروس الماضي، تسمح لمنظمة الجريمة المسماة “حماس” بالنجاح في سلوكها الابتزازي تجاه إسرائيل، ما يدفع ثمنه سكان الجنوب منذ سنوات عديدة. إنه ليس الاقتصاد، يا غبي…

 

بقلم: يهودا فاكمان، عقيد احتياط، مرشد في العقيدة القتالية في الجيش الإسرائيلي

 إسرائيل اليوم 22/1/2020







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي