بوليتكو: فترة الهدوء في المواجهة الأمريكية – الإيرانية مؤقتة وبانتظار الجولة المقبلة

2020-01-12

قالت سوزان مالوني، نائبة مدير السياسات بمعهد بروكينغز والموظفة السابقة بالخارجية الأمريكية بمقال في مجلة “بوليتكو” إن العالم تنفس الصعداء بتوقف ولو قليل للمواجهة الأمريكية-الإيرانية، فبعد خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ردا على الغارات الصاروخية التي شنها الحرس الثوري الإيراني يوم الأربعاء، تراجعت الحرب العالمية الثالثة المتوقعة من منصات التواصل الاجتماعي لتحل محلها الدراما الملكية في بريطانيا والمتركزة حول قرار الأمير هاري وزوجته ميغان التخلي عن واجباتهما الملكية.

فقد ثار حس بأن تداعيات مقتل الجنرال قاسم سليماني قد تراجعت، لكن العملية الانتقامية الإيرانية لمقتله ليست نهاية القصة ولكنها بداية لأخرى، أخطر وغير متوقعة في النزاع المتواصل بين البلدين.

وأكدت الإدارة نواياها بمواصلة المواجهة عندما فرضت يوم الجمعة عقوبات جديدة على إيران. ومع أن الإجراءات الجديدة على الحديد والنسيج الإيرانيين لن يتركا الكثير من التداعيات الاقتصادية، إلا أنها تؤكد استمرار إدارة دونالد ترامب في سياساتها العدوانية تجاه إيران.

وترى مالوني أن حالة الهدوء الحالية بعد تبادل إطلاق النار ليست مفاجئة، فكلا الطرفين يحاول إبطاء دوامة التصعيد التي خرجت عن الطوق بمقتل الجنرال سليماني. فقادة إيران في رأس الحربة أمام القوات العسكرية الأمريكية التقليدية في العراق والمنطقة بشكل عام وهم لا يريدون تعريض أنفسهم لها. وكان هذا واضحا من الرد الإيراني يوم الأربعاء ضد القوات الأمريكية في العراق، فقد كان سريعا ودقيقا ويؤكد القدرات العسكرية الإيرانية التي يرى النظام فيها نجاته. واراد النظام من الألعاب النارية المتخيلة تخفيف غضب الرأي العام الداعي للانتقام بعد الجنازة الوطنية الكبيرة لسليماني. إلا أن تحذير الإيرانيين مقدما لنظرائهم في العراق كان يهدف إلى تقليل أو تجنب الضحايا الأمريكيين. كما أكد يوم الخميس الجنرال أمير علي حاج زاده.

  العملية الانتقامية الإيرانية لمقتل سليماني ليست نهاية القصة ولكنها بداية لأخرى، أخطر وغير متوقعة في النزاع المتواصل بين طهران وواشنطن.

وعليه فالرد الإيراني على مقتل الجنرال يتناسب مع المدخل الذي تبنته طهران قبل 6 أشهر القائم على تصعيد تدريجي ضد المصالح الأمريكية وحلفاء واشنطن في العراق والخليج العربي وذلك ردا على الضغوط الاقتصادية التي مارستها واشنطن على إيران. وتضمنت حملة التصعيد الإيرانية البطيئة على سلسلة من العمليات التي استهدفت ناقلات النفط بالخليج ووصلت ذروتها في هجوم أيلول (سبتمبر) على المنشآت النفطية السعودية بهدف زيادة الثمن لأمريكا والدول المتحالفة معها بل والعالم، وبدون أن تكون في مرمى الهدف الأمريكي. وكانت حسابات إيران في هذه الهجمات تقوم على قراءة لمواقف ترامب الراغب بتجنب مواجهة جديدة في المنطقة. وأثبتت الهجمات التي لم يسقط فيها ضحايا بل كانت مجرد تخريب صحتها. لكن السجل السابق يؤكد أيضا أن المواجهة الأمريكية-الإيرانية مرشحة للتصعيد من جديد. فهدف إيران في تصعيدها الثابت منذ أيار (مايو) هو إجبار إدارة ترامب على وقف حملة الضغط والعقوبات التي شلت الاقتصاد الإيراني وأدت لموجات من التظاهرات في أنحاء البلاد مطالبة احتجاجا على الظروف المعيشية. واليوم أصبحت النظام أكثر تصميما على وقف الحصار الأمريكي وصار مدفوعا أكثر بالأيديولوجية وحس تصفية الحسابات بعد مقتل سليماني. وكذا الحفاظ على المكتسبات التي حققتها في طول وعرض الشرق الأوسط، وتحقيق انتصار أكبر وهو إجبار القوات الأمريكية على الخروج وبشكل دائم من المنطقة. وزادت طهران من نشاطاتها النووية وأعلنت بعد مقتل سليماني عن وقف في بعض التزاماتها بالاتفاقية النووية عام 2015 والتي خرج منها ترامب عام 2018. لكل هذا فموجة الصواريخ التي أطلقتها إيران يوم الأربعاء لن تكون نهاية الانتقام الإيراني. والخطوة القادمة ستكون بناء على الخطوات التي طورتها خلال الأربعين عاما الماضية وهي تحصين نفسها على حساب أعدائها. ومواصلة المشروع الهادف وليس المزاجي والذي يأخذ بعين الاعتبار موازين القوى والثمن والمنافع والفرص التي تحصل من خلال الثغرات ومكامن الضعف. ويقوم أيضا على تطبيق خلاق للوسائل المتوفرة وبتركيز واسع. فنحن نتعامل مع نظام قام بترتيب هجمات من بيونس أيرس إلى بلغاريا ولديه قدرات إلكترونية واسعة وشبكة من الجماعات الوكيلة شبه المستقلة. وهناك بعض الجماعات، خاصة في العراق تريد الانتقام من واشنطن مهما كان الانضباط الإيراني. وفي هذه الحالة فلن تستبعد إيران أي خيار وهي تواجه الضغوط الأمريكية على اقتصادها، وما تملكه من قدرات عالية في الحروب غير التقليدية. ومن جانبها فإدارة ترامب ليست محصنة من الرغبة في التصعيد كما أظهرت في الأيام الماضي. فمن الناحية المبدئية لا يريد ترامب الدخول في مواجهة مستعصية بالشرق الأوسط. وقد قرأ المزاج العام وعدم رغبته بالحرب وهو لا يريد الاستثمار في نظام دولي سلمي ومزدهر. إلا أن سياسته تجاه إيران اتسمت بالعنف ومنذ الأيام الأولى في حكم إدارته والتي استبدل فيها عددا من المستشارين للأمن القومي. وهذا يعكس حسابات بدعم من مؤسسة الأمن القومي في الحزب الجمهوري التي ترى أن المواجهة مع إيران وليس الحوار هي الوسيلة لمنع التهديدات التي تمثلها. وبصورة معاكسة ترى طهران أن التردد الأمريكي باستخدام القوة كان سببا في دفع إيران للتوسع وتقوية الجماعات الموالية لها بالمنطقة. وضمن هذا المنظور فلن تستطيع الولايات المتحدة الانتصار إلا في حالة قررت المخاطرة وتقبل تداعيات الحرب ونقلها إلى ساحة تصب في صالحها. وقتل سليماني ليس نوعا من الهوس بحادثة السفارة الأمريكية عام 1979 أو مجرد عرض “سلايدات”، بل هو تعبير عن الحاجة للظهور بمظهر القوي أمام إيران. ومن هنا فردة الفعل لم تكن سيئة ولم تؤثر على الاقتصاد وأدت إلى تفعيل القاعدة الانتخابية للرئيس فيما نظر إليه كانتصار في السياسة الخارجية ضد عدو خطير، وجاء القتل في لحظة مهمة من حملات إعادة انتخاب الرئيس. والمشكلة أنه في غياب الإطار الجدي الذي يتم من خلاله تخفيف التصعيد ويفتح الباب أمام المفاوضات، فالإدارة قد تحاول مرة أخرى القيام بأعمال مثل قتل سليماني، لأنها تعرف أن الثمن ليس باهظا. وستقوم بمواجهة الاستفزازات الإيرانية باستفزاز آخر. وبانهيار الاتفاقية النووية أو قرب انهيارها فستجد الإدارة نفسها مجبرة لممارسة موقف متشدد من عمليات تخصيب اليورانيوم وبناء القدرات النووية. ومع أن الأزمة قد خفت في الوقت الحالي وعلينا ألا نكون واهمين. فواشنطن تخوض حربا طويلة مع إيران احتمالات الخطأ فيها عالية. ويجب والحالة هذه البحث عن مخرج يمنع نزاعا في المستقبل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي