أقوى من الرؤساء والجيوش.. سيدتان نافذتان بالعدل والمال

2020-01-11

كريستين لاغارد (يمين) وفاتو بنسودا (مواقع التواصل)ماري هارون

يرتقي البشر في مساراتهم المهنية حتى يصلوا لمناصب عليا ذات نفوذ وسيادة، ويظن العديد من الناس أن رئاسة الجمهورية هي أعلى المناصب الموجودة وأكثرها نفوذا، إلا أن هناك منظمات من شأنها التحكم برؤساء الدول ومحاسبتهم إن اقتضى الأمر.

أبرز تلك المنظمات هي صندوق النقد الدولي، الشريك الأساسي في عمليات الإقراض والنهضة الاقتصادية والتنموية في الدول النامية، والمحكمة الجنائية الدولية المسؤولة بشكل رئيسي عن محاسبة مرتكبي جرائم الحرب، وهما أقوى من الجيوش شراسة وبطشا.

ولا بد لمن يتقلد رئاسة هذين المنصبين أن يتحلى بالعدل والقوة، فقد تقلدت امرأتان من أقوى النساء قمة عالم النفوذ، حيث وقفت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا أمام أعتى الجيوش وأكبر الدول، وخططت كريستين لاغارد، المديرة العامة السابقة لصندوق النقد الدولي، لإنقاذ الدول النامية من الفقر وزعزعة الاستقرار.

فاتو بنسودا

نشأت فاتو عمر بنسودا (59 عاما) في غامبيا لعائلة مسلمة، وهي متزوجة من رجل أعمال يحمل الجنسيتين المغربية والغامبية ولها ثلاثة أولاد أحدهم بالتبني، وقد تابعت دراستها لتصبح أول مختصة بالقانون الدولي في بلادها.

بدأت العمل في وزارة العدل بغامبيا نائبة للمدعي العام سنة 1987، وأظهرت مثابرة في مرافعتها الضروس في قضية رواندا التي كانت مسرحا لأكثر الصراعات العرقية دموية في القرن العشرين بالقارة السمراء، وذاع صيتها في ذلك الوقت لتصبح عام 2004 نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، ومن ثم المدعية العامة للمحكمة عام 2012.

فاتو بنسودا
فتحت فصلا جديدا في تاريخها وتاريخ العالم السياسي من خلال طرقها قضايا لم يكن يجرؤ من سبقوها على فتحها، إذ فتحت النار على الولايات المتحدة عندما طلبت تحقيقا في جرائم حرب للقوات الأميركية بأفغانستان عام 2017.

وأعلن حينها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو سحب تأشيرة دخولها للولايات المتحدة، وقال إن "على أي شخص مسؤول عن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية المقترح بشأن العناصر الأميركيين المرتبطين بالوضع في أفغانستان ألا يفترض أنه لا يزال يملك أو أنه سيحصل على تأشيرة أو سيسمح له بدخول الولايات المتحدة".

لم يكن ذلك الاشتباك الدولي الوحيد حيث إنه عام 2016 وصفت بنسودا الأحداث التي أدت إلى انضمام شبه جزيرة القرم لروسيا بأنها كانت "حربا شنتها روسيا ضد أوكرانيا"، واعتبرت القرم منطقة محتلة. وذكرت أيضا أن محققي المحكمة يعملون بنشاط من أجل تحديد ما إذا كانت روسيا تتحكم بـ"التشكيلات المسلحة" في جنوب شرق أوكرانيا.

ولم تستبعد بنسودا أن تعتبر المحكمة في أعقاب هذه التحقيقات، أحداث الأزمة الأوكرانية صراعا مسلحا تشارك فيه روسيا، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى توقيع قرار إيقاف مشاركة روسيا في اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية بسبب تصريحات بنسودا.


وأشاد العديد من الخبراء الأمميين المعنيين بالقضية الفلسطينية، بخطوات بنسودا التي قررت فتح التحقيق بجرائم حرب.

ووصف مايكل لينك، المقرر الخاص بالأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 قرار المحكمة الجنائية الدولية النظر في إمكانية الشروع بإجراء تحقيق جنائي رسمي حول مزاعم ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب في فلسطين، وصفها "بخطوة مهمة إلى الأمام في السعي لتحقيق المساءلة" في العقود الخمسة من الاحتلال الإسرائيلي.

وأقدمت بنسودا على فتح تحقيقات لم يقدم أحد على سبر أغوارها من قوة أطراف الصراع فيها، ولكنها لم تخش أن تُقْدِم على فتح التحقيقات غاضة الطرف عن أي شيء سوى حماية المدنيين والعزل من بطش الجيوش.


كريستين لاغارد
تقلدت الفرنسية كريستين لاغارد (64 عاما وأم لابن واحد) العديد من المناصب، وهي أول امرأة تصل لهذه الوظائف على الإطلاق، إذ تقلدت مدير عام صندوق النقد الدولي في 2011، قبل أن تتقدم باستقالتها بناء على طلب من أوروبا التي رشحتها لرئاسة البنك المركزي الأوروبي لتكون أول امرأة تشغل هذا المنصب منذ بدء البنك المركزي الأوروبي عام 1998.

واحتلت المرتبة الـ17 في قائمة فوربس للنساء الأكثر نفوذا عام 2009، واحتلت المرتبة الثانية في القائمة نفسها عام 2019، والمرتبة الـ22 في قائمة الأكثر نفوذا التى تضم الرجال والنساء لعام 2018.

  كريستين لاغارد
كانت لاغارد تمتلك نفوذا واسعا فيما يتعلق بإقراض الدول النامية، وأشرفت على خطط التنمية الاقتصادية والقروض التنموية للعديد من الدول خلال فترة إدارتها لصندوق النقد الدولي التي انتهت في سبتمبر/أيلول الماضي.

وقد أعلن المجلس التنفيذي بصندوق النقد الدولي حينها عن بالغ أسفه لمغادرتها في بيان يشيد بمجهوداتها، مسلطا الضوء على فترة قيادتها، إذ ورد بالبيان "كان أداء الصندوق متميزا في خدمة كل بلدانه الأعضاء، حيث قدم المشورة بشأن السياسات على أعلى مستويات الجودة، مدعمة بأعمال تحليلية رائدة حول مجموعة من القضايا ذات التأثير البالغ على الاقتصاد الكلي".


أدارت لاغارد خلال فترة شغلها منصب مدير عام صندوق النقد الدولي قروضا إلى كل من مصر وتونس ضمن أكثر من 35 اتفاقا ماليا بقيمة مالية تتجاوز الـ 390 مليار دولار، وتميزت لاغارد بحنكتها السياسية التي دفعتها لوضع شرط الاستقرار السياسي مقابل القروض حتى لا يتم عزل القروض عن السلام والأمن.

وحاولت توجيه نفوذها لأفق سياسي يخدم الخطة العامة للأمم المتحدة، الأمر الذي أكدت عليه لاحقا عند قبولها تولي رئاسة البنك المركزي الأوروبي حين أصرت على أن ترتكز أولوياتها على قضايا البيئة والمناخ بشكل رئيسي وحيوي.

تعتبر لاغارد امرأة استثنائية وصلت لأعلى المناصب المالية والاقتصادية ولم تكتفِ بمناصبها بل وسّعت مجال نفوذها لتحقيق مزيد من الأغراض السياسية والبيئية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي