نيويورك تايمز: مسؤولون أمريكيون شككوا في قوة المعلومات التي قادت إلى مقتل سليماني

2020-01-05

كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن الغارة الأمريكية التي قتلت صباح الجمعة القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني كانت مبررة لمنع هجمات مستقبلية، إلا أن البعض داخل إدارة دونالد ترامب عبروا عن شكهم من المنطق الذي دفع للقتل.

وفي تقرير مشترك أعدته هيلين كوبر وإريك شميدت وماغي هابرمان وروكميني كاليماتشي، قالوا إن القادة العسكريين الأمريكيين وضعوا في الأيام الفوضوية التي سبقت مقتل سليماني خيار اغتياله على أجندة الرئيس دونالد ترامب، ورأوا أن اللجوء إلى هذا الخيار هو الأكثر تطرفا للرد على العنف الذي قادته إيران في العراق.

ولم يكن العسكريون يتوقعون موافقة الرئيس على الخيار، خاصة أنهم ومنذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001 قدموا خيارات غير محتملة لجعل الاحتمالات الأخرى أكثر قبولا. وبعد رفضه خيار قتل سليماني وأمر بدلا من ذلك بتوجيه غارات في 28 كانون الأول/ ديسمبر على مواقع ميليشيا شيعية، راقب الرئيس بغضب التقارير التلفازية التي نقلت هجمات الجماعات الشيعية التي تدعمها إيران على السفارة الأمريكية في العراق.

ويقول مسؤولون في وزارة الدفاع والإدارة إن الرئيس قرر بحلول ليلة الخميس تبني الخيار المتطرف وهو ما صعقهم. واتخذ ترامب قراره رغم الخلاف داخل الإدارة حول أهمية المعلومات الأمنية التي حذرت من تهديدات جديدة ضد السفارات والقنصليات والجنود الأمريكيين في العراق وسوريا.

وقال مسؤولون إن الجنرال قاسم سليماني أتم جولة بين جنوده في العراق وسوريا ولبنان ويخطط لهجمات قد تؤدي لمقتل مئات الأشخاص. وقال الجنرال مايك مايلي، قائد هيئة الأركان المشتركة إن هذه الهجمات كانت ستتم “في أيام، أسابيع” وذلك في رده على أسئلة الصحافيين يوم الجمعة حول المدى الزمني لحدوثها، لكنه لم يقدم معلومات أو تفاصيل عن الخطط التي وصفها “بالواضحة ولا غبار عليها”.

وتشير الصحيفة إلى أن بعض المسؤولين عبّروا عن شكهم من المنطق الذي دفع ترامب لقتل سليماني الذي كان مسؤولا عن قتل مئات الأمريكيين خلال السنوات الماضية. وبحسب مسؤول استخباري فإن المعلومات الاستخبارية أشارت “ليوم عادي في الشرق الأوسط- 30 كانون الأول- وأن سفر سليماني كان مواصلة لعمله العادي”.

ووصف المسؤول المعلومات الأمنية بأنها ليست قوية، وأن هجوم الجنرال سليماني لم يكون محتوما؛ لأن الاتصالات التي حصلت عليها الولايات المتحدة بين الجنرال والمرشد الأعلى علي خامنئي، كشفت أنه لم يوافق على أي من الخطط. ودعا المرشد الجنرال للحضور إلى طهران لمتابعة النقاش وذلك قبل أسبوع من مقتله.

ويقول المسؤولون إن وزير الخارجية مايك بومبيو، ونائب الرئيس مايك بنس، كانا من أشد الأصوات تطرفا في النقاش حول إيران. وساعد مكتب بنس على إدارة عدد من اللقاءات عبر الفيديو في أثناء الغارة.

ورفض وزير الدفاع مارك إسبر التعليق على المقال، ولا الجنرال ميلي، إلا أن المتحدث باسم ميلي، العقيد ديدي هالفنيل، قال بدون تقديم توضيحات إن “بعض التصوير الذي أكدته مصادر أخرى غير صحيح”.

وتقول الصحيفة إن تداعيات القتل المستهدف الذي أمر به ترامب تتوالى. ففي العراق وضعت القوات الأمريكية هناك جنودها في حالة تأهب، حيث زحف عشرات آلاف من المقاتلين الموالين لإيران في شوارع بغداد وسط دعوات لطرد الأمريكيين من البلاد.

وقالت القيادة المركزية التي تشرف على العمليات في الشرق الأوسط، إن صاروخين سقطا قرب قواعد عراقية يعمل فيها جنود أمريكيون، ولكن أحدا لم يصب بأذى.

وفي إيران تعهد آيات الله هناك بالانتقام القوي، في وقت أحيت فيه البلاد أيام عزاء بمقتل الجنرال.

ومن منتجعه في بالم بيتش بولاية فلوريدا، رد الرئيس ترامب بتغريدة أن أمريكا حددت 52 هدفا إيرانيا بعدد الرهائن الأمريكيين الذين احتجزوا في السفارة الأمريكية عام 1979 لو قامت طهران باستهداف المصالح الأمريكية، وقال إن بعض المواقع حيوية ومهمة جدا لإيران والثقافة الإيرانية، وأنه سيتم ضرب هذه الأهداف بقوة وبشكل سريع.

 

وأصدر الرئيس هذه التهديدات بعد رصد المخابرات الأمريكية وضع أنظمة الصواريخ الباليستية الإيرانية في حالة تأهب. فيما قال مسؤولون أمريكيون إنه ليس من الواضح قيام إيران بتوزيع صواريخها الباليستية لتجنب هجمات أمريكية أو أنها قامت بعمليات تعبئة واسعة للقيام بهجمات ضد أهداف أمريكية في المنطقة انتقاما لمقتل سليماني.

وفي الكونغرس، عبّر الديمقراطيون عن شكهم في المعلومات الأمنية التي قادت إلى قتل سليماني. وقام البيت الأبيض بإخبار الكونغرس بشكل رسمي حول القرار، حيث قالت الإدارة إنه مبرر قانونيا بموجب قانون سلطة الحرب.

وفي قاعدة فورت براغ، يتحضر 3.500 جندي أمريكي للانتشار في الشرق الأوسط. وكان الجنرال سليماني الذي جاءت أهميته بعد أهمية المرشد مسؤولا في حكومة ذات سيادة.

وآخر مرة قتلت فيها الولايات المتحدة مسؤولا حكوميا كانت في أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما أسقطت القوات الأمريكية طائرة الأدميرال الياباني إيسوروكو ياماماتو. إلا أن المسؤولين الأمريكيين يحاولون التقليل من أهمية سليماني الرسمية، وأنه جزء من الحكومة الإيرانية، قائلين إن موقعه كان مجرد غطاء للقيام بنشاطاته الإرهابية.

ومنذ مقتله حاول المسؤولون الأمريكيون تصوير الغارة على سليماني أنها تشبه الغارة التي نفذتها قوات أمريكية خاصة وقتلت فيها زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي. مع أن كلا من الرئيسين باراك أوباما وجورج بوش رفضا قتل الجنرال الإيراني لأنه سيكون استفزازا ومدعاة للمواجهة.

وتقول الصحيفة إن سليماني كان في مدى أهداف ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض، إلا أن مقتل المتعهد الأمريكي في قاعدة قرب كركوك يوم 27 كانون الأول/ ديسمبر كان السبب الذي قاد إلى نهاية الجنرال.

وسافر كل من إسبر وميلي إلى منتجع مار- إي- لاغو يوم الأحد لتقديم مجموعة من الخيارات للرئيس والتعامل مع التصعيد في العراق. وضمت قائمة الخيارات تنفيذ هجمات على السفن الإيرانية أو المنشآت الصاروخية أو الجماعات الشيعية التي تدعمها إيران في العراق، وضمت القائمة خيار قتل الجنرال سليماني كي تبدو الخيارات معقولة.

وقرر ترامب القيام بغارات ضد الجماعات الشيعية، وفي يوم الأحد أعلن البنتاغون عن شن غارات على مواقع كتائب حزب الله قرب الحدود العراقية- السورية وقتل 24 من أفرادها.

وقال المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان، إن الغارات شملت ضرب مخازن أسلحة ومواقع تحكم وقيادة استخدمت لإطلاق صواريخ على القوات الأمريكية وشركائها. وأكد ميلي يوم الجمعة أن الغارات تمت على مواقع بعيدة دون التسبب بأضرار جانبية.

واعتبر الإيرانيون الضربة غير متناسبة، وردوا بتظاهرات حاشدة ومداهمة السفارة الأمريكية في بغداد، إلا أن ترامب عبّر عن الغضب، خاصة أن منظور ما حدث في قنصلية أمريكا ببنغازي ظل حاضرا في ذهنه.

وشعر مساعدوه أن عدم الرد سيجعل الرئيس يبدو ضعيفا خاصة بعد سلسلة من التهديدات، وعندما اختار ترامب قتل سليماني، دُهش المسؤولون وعبّر بعضهم عن مخاوفه من عمليات إيرانية انتقامية. وليس من الواضح فيما إذا اعترض إسبر وميلي أو حاولا إقناع الرئيس بتغيير رأيه. وبدأت قوات العمليات الخاصة بالبحث عن فرصة لضرب الجنرال سليماني الذي كان يتحرك علنا ويقابل كنجم في بعض الأماكن.

وتقول المخابرات الأمريكية والجيش إن تحديد مكانه قام على معلومات من عملاء سريين وعمليات تنصت الكتروني ومعلومات جمعتها طائرة استطلاع ومصادر أخرى.

واعتمد خيار القتل على من سيستقبل سليماني في المطار، فلو كان في استقباله مسؤول عراقي من الحكومة المتحالفة مع أمريكا فسيتم إلغاء الغارة. ولكنّ من استقبله كان “هدفا واضحا” أي عناصر من كتائب حزب الله وزعيمها أبو مهدي المهندس.

وأصدر ترامب قرار القتل في الساعة الخامسة من مساء الخميس. وفي يوم الجمعة ضربت صواريخ أطلقت من طائرة مسيرة “إم كيو- 9 ريبر” موكب سليماني عندما غادر مطار بغداد.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي