ثمانون عاماً على رحيل "العملاق العظيم" فرانسيس فيتزجيرالد

2019-12-31

سيزانوفيتش يلينا

ترجمها عن الروسية: سمير رمان

في الواحد والعشرين من شهر ديسمبر/ كانون أول عام 1940 توفي فرنسيس سكوت فيتزجيرالد (‎Frances Scott Fitzgerald)، أحد عمالقة الأدب الأميركي الكلاسيكي، الموصوف بالكاتب الكلاسيكي للجيل "الضائع"، والـ"محبط" من الشباب الحالم والمعذّب.

بدأت حياة الكاتب في "حقبة موسيقى الجاز"، كما ورد على لسان سكوت فيتزجيرالد نفسه في قصته عام 1923 "حكايات عصر الجاز/ Tales of the Age of Jazz". في ذلك الوقت، كانت الحياة تضج صخباً، لامبالاةً، ومرحاً. فالحياة، بعد كل شيءٍ، رائعةٌ إلى أبعد مدى! كانت شعارات شباب تلك الحقبة: الجميع إلى الاحتفالات! إلى العيد الأبدي!

ولم لا؟!، فكل شيء يتأتّى بسهولة ويسر، كما رشفة من شمبانيا لذيذة، فوارة ولاذعة! وكان أول المحتفلين في هذا العيد نبيّ عهد الجاز، وعيبه، وأسيره؛ بالطبع، فيتزجيرالد.

كانوا شباناً "رائعين"، ولكن محتومي المصير في رواية "حكايات عصر الجاز"، يسخرون من انسداد الأفق أمامهم. فالمسافة التي تفصلهم عن فترة الركود الأميركي العظيم ليست ببعيدة! أما اليوم، أما الآن، فلديهم الحلم الأميركي وحده يدغدغ مخيلتهم، وهو الذي سيصبح حقيقة بالتأكيد! وهو، رغم كلّ شيء، فرنسيس سكوت فيتزجيرالد، الذي لا يزال يقف، كما في روايته التي كتبها عام 1920، على هذا الجانب من الفردوس "This Side of Paradise 1920"، حيث النجاح الرائع للفتى الأميركي الجامح، وحيث الشباب والحبّ. أين يمكنني الآن

"كانت شعارات شباب عصر الجاز : الجميع إلى الاحتفالات! إلى العيد الأبدي! ولم لا؟!، فكل شيء يتأتّى بسهولة ويسر، كما رشفة من شمبانيا لذيذة، فوارة ولاذعة!"أن أجرّب قناع "The Great Gatsby غاتسبي العظيم".

وهل حقاً يستحق الأمر أن نعتقد اليوم، بل الآن، أن الجاز سيوقفه قداس يتلى على أرواح من مضى. وينتهي الحلم الأميركي بصورة مأساوية. أمّا المصير، فينتهي كما في رواية "The Crash/ الانهيار" (عام 1945)، إذ يضطر الأميركي الحالم إلى أن يدفع دفعة واحدة ثمن حياته كلّها، ويدفع ثمن الموهبة التي كانت "طبيعية، كزركشة ملونة على جناحي فراشة".

وبالمناسبة، دفع فيتزجيرالد غالياً ثمن حياته وموهبته. وفي وقتٍ، لم يكن بعد قد تجاوز الثلاثين من عمره، أدار له القدر ظهر المجنّ، بقسوةٍ ومن دون رحمة.

وبسرعة فائقة، ألقى الظلام بأجنحته السوداء على حياته كلّها. سادت الظلمة، ليس حياته التي كانت يوماً ما رقيقة، بل تلك التي لم يَعُد فيها مكان لـ"صباحٍ رائع"، ولا حتى لشعاع ضوء يتسلّل ولو من شقّ صغير. عندما انقلبت الشهرة تجاهلاً، والحبّ مرضاً، والصداقة خيانةً، وسخر منه الأعداء صراحةً، عندها أصبحت حياته عذاباً وجحيماً لا يطاق. ورغم كل هذا، لم يحاول، ولو لمرة واحدة، أن يخرج من هذه الحياة طواعية!

تحطم أبطال فيتزجيرالد الواحد بعد الآخر، في سعيهم اليائس وراء "الحلم الأميركي". وكذلك كانت حال الجيل الأميركي بأكمله. إنّه جيل الحلم المحطّم. ونحن (الروس)، تعلمنا منهم الركض خلف هذا الحلم لنتحطّم على جدرانه.

هكذا بكل بساطة! إن كانت أحلامنا مختلفة تماماً عن أحلام الأميركيين، فلماذا لهاثنا خلفها؟ لكننا لم نرد التعلم من الأخطاء الأميركية، بل أردنا تكرارها.

 فلماذا؟ أمن أجل أن ينتهي كلّ هذا بمأساةٍ أميركية، ولكن على الطريقة الروسية؟

حتى وفاته، كان الكاتب مضطراً لكسب لقمة عيشه عبر تأليفه قصصاً ونصوصاً تجارية. ووفقاً لاعترافاته، جعل منه الناشرون، وهوليوود، عاملاً يكدّ ويشقى لكسب عيشه. وفقط بعد موته، راح هؤلاء أنفسهم يتقاتلون سعياً للحصول على حقوق النشر وتحويل مؤلفاته إلى أفلام ومسلسلات تلفزيونية. وكما يحدث في كثير من الأحيان، كانوا يدفعونه إلى القبر دفعاً، إذ سيكسبون الكثير من المال بعد وفاته!...

 

"تحطم أبطال فيتزجيرالد الواحد بعد الآخر، في سعيهم اليائس وراء "الحلم الأميركي". وكذلك كانت حال الجيل الأميركي بأكمله"

 

بعد رحيل الكاتب، راحت مؤلفاته تنشر بأرقامٍ فلكية، لدرجةٍ أنّ السلطات قامت بتزويد الجنود الذاهبين إلى جبهات الموت بمئة وخمسين ألف نسخة من رواية "The Great Gatsby/ غاتسبي العظيم"، التي بيع منها في أرجاء العالم قرابة خمسة وعشرين مليون نسخة! ويتحول فيتزجيرالد إلى مادة تعليمية إلزامية في المدارس والمعاهد التي تعتمد اللغة الإنكليزية. ووصل الأمر بـ"Fellini/ فيليني العظيم" أن يجعل أحد أبطاله يطلق على الكاتب لقب الفنان العظيم الحقيقي الوحيد. وفي التسعينيات من القرن العشرين، احتلت رواية "غاتسبي العظيم" المركز الثاني على لائحة أفضل الروايات المكتوبة باللغة الإنكليزية. ومنذ وقتٍ قريب من القرن الواحد والعشرين، أعلن أن الكتاب واحد من أكثر الكتب مبيعاً..... بالفعل، نجح سكوت فيتزجيرالد في الانتقام لنفسه، ولكن فقط بعد موته!

وفي يومٍ بارد من أيام كانون الأول/ ديسمبر عام 1940، وبعمر 44 عاماً فقط. في ذاك اليوم البارد، الوحدة وحدها كانت هي السائدة. أمّا الحقيقة، فهي، كما في السابق، تكمن في الإحساس بالذنب الذي يولد ألماً فظيعاً لا يحتمل. في ذلك اليوم الحزين، أودت أزمة قلبية حادّة

"في يومٍ بارد من كانون الأول 1940، وبعمر 44 عاماً فقط. أودت أزمة قلبية حادّة بحياة الكاتب التراجيدي والرومانسي العظيم، وتركته وحيداً، وعلى المنضدة كان يقبع "The last tycoon/ العملاق الأخير"، مونولوجه الأخير، غير المكتمل....."بحياة الكاتب التراجيدي والرومانسي العظيم، وتركته وحيداً، وعلى المنضدة كان يقبع "The last tycoon/ العملاق الأخير"، مونولوجه الأخير، غير المكتمل.....

كم هو مؤسفٌ أن ينتهي كل شيء على هذا النحو.

وفي مكان ما في البعيد... كانت تقرع الأجراس...

 

ترك فرنسيس سكوت فيتزجيرالد إرثاً أدبياً لا يزال يحظى باهتمام العالم الأدبي حتى يومنا هذا. ومن أبرز أعماله:

ــ "على هذا الجانب من الفردوس" عام 1922 - "On this side of paradise".

ــ "الجميل والملعون" عام 1922 - "Beautiful and damned".

ــ "حكايات عصر الجاز" عام 1923 -  “Tales of the Age of Jazz”.

ــ "غاتسبي العظيم" عام 1925 - "The Great Gatsby".

ــ "كل هذا الشباب الحزين"عام 1926 - "All these sad young people".

ــ "الليلة الرقيقة" عام 1934 -  "The Night is Tender".

ــ "استيقظي أيتها الإشارات" عام - 1935 "Wake-up Signals".

ــ "القطب الأخير" عام 1941 -  "The Last Tycoon".

ــ "الانهيار" عام 1945 -"The Crash".

عنوان المقالة الأصلي Великий магнат/ العملاق العظيم.

مكان النشر: ليتراتورنايا غازيتا/ الصحيفة الأدبية.

رابط المقالة:  https://lgz.ru/article/-51-6718-18-12-2019/-velikiy-magnat/

 

 

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي