ميلان كونديرا وعودة جنسيته التشيكية: فصل آخر من حكايات الضحك والنسيان

2019-12-11

محمد عبد الرحيم

استعاد مؤخراً الكاتب الفرنسي ــ التشيكي الأصل ــ ميلان كونديرا (مواليد إبريل/نيسان 1929) جنسيته التي هجرته منذ أربعين عاماً، جرّاء إصداره رواية «كتاب الضحك والنسيان» وقت سيطرة النظام الشيوعي على تشيكوسلوفاكيا. كونديرا الذي تم رفع الحظر عن مؤلفاته عام 1989 بعد الإطاحة بالنظام الشيوعي، إلا أنه وحتى الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الفائت لم يكن قد حصل على جنسية بلاده. تم ذلك بدون مراسم أو أي احتفالية، فقط أوراق رسمية تم تسليمها إليه، كما صرّح بذلك السفير التشيكي في باريس، موطن كونديرا الحالي، فكونديرا يحمل الجنسية الفرنسية منذ عام 1981.

وحسب صحيفة «لوفيغارو» قال السفير التشيكي إن ما قام به هو عمل رمزي مهم جداً، وعودة رمزية لأكبر كاتب تشيكي باللغة التشيكية»، كما قدم السفير اعتذار شعبه للكاتب الذي تعرض خلال سنوات منفاه للكثير من حملات الهجوم. من ناحية أخرى ذكرت صحيفة «لوموند» إنه في منتصف نوفمبر 2018 وخلال زيارة لرئيس الوزراء التشيكي أندريج بابيس إلى باريس، التقى الرجل كونديرا، بناء على دعوة وجهها له الأخير.

حتى أن رئيس الوزراء صـــرّح بعد المقـــــابلة قائلاً «لقد واجهت للتو تجــــربة لا تنسى. ميلان كونـــــديرا أحد أشهر الكتاب في العالم، دعاني لزيارته في شقته في باريس، لقد دعوته إلى وطننا في جمهورية التشيك، حيث لم تطأ قدمه أرضها منذ 22 عاماً، وأعتقد أنه يستحق الجنسية التشيكية التي فقدها بعد هجرته، وقد اعتذرت لكونديرا بشكل شخصي».

الضحك والنسيان

ولكن وبعد عودة الوطن من خلال وثيقة رسمية إلى الرجل في منفاه الاختياري، هل سينسى كونديرا ما حدث؟ أم أن الحادث أو الواقعة ستتحول بدورها إلى حكاية تثير الضحك، خاصة وقد كتب كونديرا العديد من رواياته بالفرنسية التي أتقنها، وحمل جنسية بلادها، وقد بلغ التسعين من عمره الآن. فالأمر كما صرّح السفير التشيكي عودة رمزية، هل سيتيح هذا الحدث أن يكتب كونديرا كعادته ساخراً عن هذه الحالة؟ ويدور التساؤل الآخر حول حالة النسيان، نسيان الإهانات والعديد من التُهم التي لاحقت الرجل حتى عام 2008، وقد زار كونديرا بلاده ـ بصفته مواطناً فرنسياً ـ في محاولة منه للدفاع عن نفسه ضد تهمة التعاون مع البوليس السري وقت الحقبة الشيوعية! حيث نشرت الصحيفة التشيكية الأسبوعية «ريسبيكت» في العام نفسه تحقيقاً قام به المعهد التشيكي لدراسات الأنظمة الشمولية، زعمت فيه أن كونديرا كان قد أبلغ عن طيار تشيكي شاب يدعى ميروسلاف ديفوشارتشيك للشرطة عام 1950. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يواجه كونديرا اتهاماً آخر بالعمل لصالح الكتلة الغربية ضد الكتلة الشرقية وقت الحرب الباردة، فقد كان يكتب عن جرائم النظام الشيوعي في محاولة لاسترضاء الغرب.

  كان اسم كونديرا من الأسماء المرشحة دوماً على قائمة جائزة نوبل، إلا أن النغمة السياسية التي لم تخفت، رغم الإطار الفلسفي الساخر لحكايات رواياته، كانت هي السبب في خفوت عالم كونديرا الروائي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي

 فلسفة الرواية

بغض النظر عن الموقف السياسي وتبعاته، فلا أحد يُنكر تأثير كتابات ميلان كونديرا في الأدب الحديث، سواء في الشرق أو الغرب. فمن أكثر مَن أثّر في كتابات الأجيال الجديدة في العالم العربي كان كل من كونديرا وماركيز، رغم الفارق الشاسع في الرؤية الفنية والفلسفية لكليهما. ونستطيع أن نجد بسهولة تأثير كونديرا، بداية من وجهة النظر، وحتى محاولة البناء الروائي. هذا ما تأكد من فكرة الهزل الكامنة في الكتابة، والسخرية من الأصوات النضالية العالية، حتى أن هذه الرؤية الجديدة طالت العديد من الأعمال الروائية التي ترسخت جديتها في فترة الستينيات على سبيل المثال، هذه الأصوات النضالية الصاخبة، التي تتجاوز السخرية وصولاً لإثارة الشفقة.

نوبل وسقوط الاتحاد السوفييتي

كان اسم كونديرا من الأسماء المرشحة دوماً على قائمة جائزة نوبل، إلا أن النغمة السياسية التي لم تخفت، رغم الإطار الفلسفي الساخر لحكايات رواياته، كانت هي السبب في خفوت عالم كونديرا الروائي بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ـ هذا لا ينتقص مما قدمه الرجل لفن الرواية إبداعاً ونقداً ـ حتى أن هناك العديد من النقاد ينفي ارتباط إنتاج كونديرا الروائي بالظرف السياسي، بل تكمن قيمة أعماله في مناقشة قضايا وجودية بأسلوب فلسفي هزلي لا يخلو من رؤية شديدة العمق.

ميلان كونديرا

التحق بالحزب الشيوعي عام 1948، وتعرض للفصل عام 1950، إلا أنه عاد بعد ذلك عام 1956 لصفوف الحزب، ثم فُصل مرة أخرى عام 1970. نشر أول دواوينه الشعرية عام 1953، لكنه لم يُعرف ككاتب مهم إلا عام 1963 بعد نشر مجموعته القصصية الأولى «غراميات مرحة». فقد كونديرا وظيفته عام 1968 بعد الغزو السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا، بعد مشاركته في (ربيع براغ)، ثم اضطر للهجرة إلى فرنسا عام 1975 بعد منع كتبه من التداول داخل بلاده. حصل على الجنسية الفرنسية عام 1981 إثر إسقاط الجنسية التشيكوسلوفاكية عنه عام 1978، كنتيجة لكتابته «كتاب الضحك والنسيان». وفي عام 1995 جعل كونديرا من الفرنسية لغته الأدبية، وأصدر روايته «البطء»، ثم توالت رواياته بعد ذلك من خلال اللغة الفرنسية.

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي