تري/بوليس- سورٌ تأكلهُ الأصوات

2019-12-03

 بهاء إيعالي

ما يشبهُ البداية

 دخانٌ فوق الإسفلت

 وشموسٌ تمدُّ خيوطها طويلةً كعشبٍ صيفيٍّ جافّ

 فقف أيّها الثملُ هنا

 

          وقِف هناك

 

                     ثمّ قف هنالك

 

أماكنك العديدة متشابهةٌ ومنها يرتفعُ نخبكَ لوحده

ومنها ترابك.

 شموسٌ

 تمدّ خيوطها طويلةً كعشبٍ صيفيٍّ جاف.

 صوت 1

يوم ولدَ الصوت متأخراً، صوت الجوع القديم بمخاضه الصعبِ كمخاض فيل، خفيفاً تنقّل الرعبُ بصفراته الهائجة. وكانَ أن اتسعت دائرته وزادت من حدّته طرطقةُ التنك والأغنيات الطويلة الساخرة وكأنّ أنكرَ الأصوات التي ظلمت الحمار خرجت بقوائمها الخلفية وعلكت بفحيحها الموحشِ تلك الحشائش المتيبّسة التي لم يكن لجزّازٍ أن يجرؤ على تقليمها. ويلتصق غبار الساحات المزدحمة بهذا الصوت، وتعضُّ الأقدامُ طرقاتها المتشابكة كشعرِ هيجيتا.

 ما لم يُقَل أيها الصوت هو حزيزُ رأسِ دبوسٍ عالٍ في كعبِ الجبل النازلِ كرصاصةٍ متقوّسة.

 صوت 2

يكفي غناءً بهذه المدنِ الضيقة، يكفي أيها الصوتُ المتدلّي من حنجرة الجائعِ تدلّي الأقمار الرمضانية في المقاهي. سبقَ أن ركضتَ لتريح الريح من الاصطدام، وسبق أن استحمَّ أثيرك المنخوزُ بالفجر كأنّك ذاهبٌ لحفل تنكريّ.

 يكفي ما صمتناه غناءً

 يكفي يا ربّ الضجيج.

 صوت 3

 "رويحين ع طروبليس"

 وكأنّ النبرة العالية لهذه الكلمة كانت تدلفُ إلى أدمغة السامعين التي سرطنتها الرصاصات النائمة في جدران المدينة، ترتفع رائحة الهستيريا في دهاليزها العصبيّة كما يرتفعُ إصبعا رامٍ إنكليزي في كريسي.

 إيه

 إيه.

 ما من كلمةٍ إضافيّةٍ لكم، يا حبيسي فكرة الشاشة الملوّنة التي لا يمرّ في خياشيمها الأوكسجين، فلتجرّبوا مرّة أن تدقّوا الباب بدلاً من التأمل بأخشابه.

 صوت 4

 أراقصها

 في نقط الزبد

 وخثر الدم التي تستريح تحت الحجارة

 وفوق أسطحة البيوت غير المدهونة.

 أغنّي لها

 مرتفعاً صوتي لوحده

 يهزّ بيديه سرير خرسِها الطويل.

 أراقصها

 أغنّي لها

 أنا الجائعُ الذي يربطُ بطنه بالأغاني

 وهي التي تحاولُ تلوين رمادها بالرقص.

 صوت 5

 خرزٌ ملوّنٌ، خرزٌ لامعٌ معلّق بخيطٍ ملوّنٍ يمرّ بين الأصوات الكثيرة، خرزةٌ تلو الأخرى تضيء، خرزةٌ تلو الأخرى ترسمُ على أجسادها أغاني التراث بأوتار غيتارٍ كهربائيّ معطّل.

من لونٍ إلى لون

من جسدٍ إلى جسد

من لمعةٍ إلى لمعة

يتحرك الصوتُ كغبارٍ يغطّي شحوب المدن.

خرزاتٌ ترفع التماعاتها

وفي صوتها الواحد الخفيف تُسمَعُ زقزقة الأبواب العالية – أبواب المدن العالية.

 صوت 6

 يوم طرطقت أقفية أحذيتهم في تلك الحارات الثلاث، ومرّوا يخفّون الخطى بثيابهم الزيتيّة القاتمة وأصواتهم الحادة كمولداتٍ كهربائيّة قديمة، ثمّة خدشٌ تركته السماء في كعبها ليقدر الأطفال على مسحه حين يكبرون.

 هؤلاء الأطفال تركوا عند مداخل الحارات حجارةً داخل جبلاتِ باطون يتذكرون بها بيوتهم التي أكلها الجوع وأصوات معدته التي لم تقرأ كتاباً ذات يوم.

 صوت 7

هذا الجسد لا زال هشاً

 غير أنّه يبتلعُ تصلّده

صوتاً إثر صوت.

صوت 8

كوجهك أيتها المرآة التي بقي مقلوباً منذ كسر الصقر منقاره.. كوجهكِ تلمّع الأزهار بتلاتها بتلةً تلو أخرى بالمطر، مغنّيةً الـ HIP-HOP في حقولها المتفحّمة من العطش.

كوجهكِ أيتها الأدراج الملعونة بطحالبها الطويلة.

 كوجهك فقط.

 صوت 9

العجوز لم يقتنع بعد

أنّ الأصوات طوابيرُ لا تراها زرقاء اليمامة

لا زال راكضاً في كلامه

 تتحرك شفتاه بخيطان دمى المسارح.

لا زال راكضاً

لا زال.

صوت 10

أصواتٌ كثيرةٌ تفرد يديها

مضيئةٌ كشاشة تلفزيون

قصيدةٌ طويلةٌ لا ترغب بأيّ نهايةٍ لها

لا رغبة لها حتى.

 

اللاذقيّة- تل حياة- طرابلس- السامرية

 (18 تشرين1-28 تشرين2 2019)







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي