جدائل الضوء

2019-11-21

 براء الجمعة*

أنا امرأة حُجب الضوء عن جدائل أحلامها منذ مرحلة الجنين،

شهادات وطوابع وأختام وصكوك العفة والنجابة تمنح لنسلي منذ الساعة الأولى للولادة،

تُعطى علامة الشرف الكاملة ويُمنح لقب المعصومة الطاهرة لمن حواجبها مبعثرة، وتبقى على هذه الحال حتى ليلة عرسها، لتتزين وتبصر كينونة أنوثتها للمرة الأولى ..

تاريخ مُرهق ..

كم من ليال موحشة مرعبة تذوقتها وما برحوا يجلدونني بأعلى أصواتهم الجارحة: من تتدلى خصلة من شعرها فهي في النار، حتى أحلامي اندثرت، بل أصبحت محرمة

هكذا يصل نسلي لسن الرشد بدون أي رشد

أجيال من الخوف

ولدنا مع الخوف

وأحلامنا رويت بالخوف

الخوف.. هو الأنوثة

مصيرنا النار.. خلاصة الإجابة المسبقة القامعة لكل تساؤلاتنا

أمنياتنا.. أمنيتنا الوحيدة أن نصبح صبياناً ذكوراً

لنذهب إلى المدرسة.. إلى الجامعة.. إلى العمل ..

وليصبح لنا الحق في الضحك بصوت عال

ونلعب ونمرح كما نريد

ونلبس ما نريد ونختار اللون الذي نريد

لقد كبرنا.. نعم

كبرنا بعجالة وألم

الخوف، الذنب، النار، الشيطان

الأنوثة هي الذنب والعار، الذكورة هي الجاذبية والوقار

نحن جيل الممنوعات اللامتناهية

ما زلن نترقب صاعقة جديدة تأتي ..

لكن حتى الصواعق تأتي بضوء خارج الزمن .. ليس لنجدتنا.. بل لتؤجج نيران حرقنا ..

عندما نجلس في سيارة الزفة في موكب العرس، لا شيء يتوارد لفكرنا سوى تحضير الطعام وتنظيف المنزل وإطاعة الرجل وإرضاء رغباته هكذا علمونا

لقد خسرنا.. نضارة شبابنا ..

وضاعت منا أيام الحب.. وما عرفنا الحب

نحن جيل النساء المترعات من التعب

تعبنا من المهام الثقيلة الموكلة لنا

تعبنا من المحرمات والمخاوف التي ولدت معنا قسراً

تجذرت ونمت معنا وطمست هويتنا

ما زلنا حائرات

هل من وقت نهتم بأنوثتنا ونسقي أحلامنا

ونبتسم بدون أن يساء فهم عبير ضحكاتنا

أحياناً.. ذواتنا تتمزق وفي خلوات تتلوها خلوات وحده البكاء رفيق يواسينا ..

ونحك بعضاً من همومنا على جدران الزمن البائس ..

أحياناً نأسف ونتحسر ..

نحن المرجومات بحجارة الاستبداد وما أثقلها،

نحن موتى ..

لا بل أحياء ..

ما زلت امرأة وسأبقى أصرخ .. وأصرخ ..

حتى أنمو كما أريد ..

 

  • كاتب سوري






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي