فضّ اشتباك

2019-11-17

سلمى عمارة*

فكِّر معي في طريقة نتخلص بها من كل هذا الكلام الرابض بيننا كجسدٍ محنط

فكّر معي في طريقة أتخفف بها من ثقل ما لملمتُه من على حائط وجهك من مفردات

فكّر في طريقة أقل إيلاماً لروحي لأقول إنك لم تحبني

قلبك جاف يا رفيقي.. لم يطيِّنه ماء الحب

ولا استبدَّت به لعبة الشوق أو وجع الوصول

حينما تلقفتك 'هدية' من السماء

لم أكن أدرك أنك تسلَّمتني 'جائزةً' على صبرك و'معلميتك'.. لم أكن أدرك أنني وسيلتك للتجدد

أو مطيتك لمعانقة أناك

صدقني أنت لم تلمس جسدي بعد

كل هذا الحفر على صفحته لم يخدعني

ذلك أن مفتاحي مُخبأ تحت لحمه وعظامه وجلده الفاني

مخبأ حيث لا يستطيع عضوك المدجج بالصبر والخبرة المدروسة أن ينفذ

قلبي مصفاة ملؤها الثقوب

لذا يستطيع أن يشفَّ ويسافر ويخترق

ويضيء ما لم تفلح التعاليم في إضاءته بعد

وقلبك مصباح لا يرى السقف لأنه معلق بعناية نحو الأسفل

هل حقاً لدينا ما نكمل به الفراغات بين روحينا يا رفيق؟

ولماذا أحبك؟

لماذا أعجز عن إفلات اليد التي طعنتني دون حتى أن تشعر بمقبض السكين بين أناملها؟

هل هو الدخان الواصل بين سيجارتينا

أم صمتك العالق دوماً بين فخذي الحقيقة والخرافة

أم كلامك حين يفلت من عقال الطقوسية والمسافة

كلامك حين يخرج بصوتٍ قادر على تثبيتي في مقعدي بمسامير من فولاذ وخيوط من عشق خالص

كلامك حين ينبع من بقعة بعيدة في الروح

وعيونك حين تفقد دهاءها فجأة

لتتفجر داخل روحي ماءً سلسبيلا

هل هو سمعي الذي عرف الصوت قبلاً

وميَّز ذبذبات الصدق من الكذب

والحقيقة من الخرافة

والصمت من الخَرس؟

قل لي أنت يا رفيق.. أمعن هذا العقل المدرَّب في هذا التساؤل برهةً وأجبني

أنا اللاهثة أبداً خلف فتنة الكشف، أعرف تماماً أن الرغبة في المعرفة لم تكن دافعي نحو حبك

أنا المجذوبة للمعنى، كنت أستطيع أن أرى منذ البداية أن نعل المدينة الملطَّخ على وجهك لم ينفذ إلى عمق القلبِ بعدْ، وأن قلبك المنذور للتخلِّي والمغادرة أضيق من أن يتسع لما يثير القلق أو الحيرة

منذ البداية كنت أستطيع أن ألمس امتلاكك القدرة على إدراك فلسفة الثنائيات التي تشكِّلُ وجه الحياة والوعي بميكانيكية الازدواج والتناقُض.. وهذا الجمال الذي يفجؤكَ دوماً بوجودٍ غير لائق

والحياة القادرة على إدهاشك بقدرِ قدرتها على اغتيال توقُّعِك للدهشةِ بوعيٍ مؤلمٍ وقٍاتل.

أتساءل: هل أنا ضحية هذه الحياة أم سيِّدتها؟

وماذا سأفعل وقد أيقنتُ أنني لم أزل قادرة على التألُّم والدهشة وانتظار الحب؟

هل أشبهك أم تشبهني؟

وماذا سنفعل بكل هذه الأضداد المنتصبة فيما بيننا؟

ماذا سأفعل بكل هذا الكلام الرابض في حلْقي كجسدٍ محنَّط؟

 

  • شاعرة مصرية






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي