سرد أحداث جنازة امرأة بيضاء من شمال الأرض - عبدالناصر مجلي

2019-11-02

اللوحة المرفقة مع القصائد للفنان التشكيلي المصري حسن الشرقتستس يا بيتنا العالي

 

على الرغم من الذكاء المجاني
المتروك في طرقات الورشة
هبة المسؤولين المتصنعي الرزانة
والعنصرية المختبئة وراء زجاج العيون
والأحقاد العارية المصوبة إلى صدورنا
نحن القادمون من وحشة القارات البعيدة
كنا ندخل في تعبنا اليومي كخراف ذاهبة إلى السلخ
ونعود إلى بيوتنا من نافذة المساء
مُتخمين بالخيبات والمعارك
كأن الأمس لم يرحل
والغد لن يطل علينا،...
تستس يا بيتنا العالي
الذي لا نملكه!!

 

مناسبة حضرها المسيح

كنا نرى المسيح في ضوء الكلام
الذي لا نفقهه
فاشتقنا إلى جنة المخيلة المستحيلة
كان الموت يبدو هيناً
رقيقاً مثل امرأة نامت لتستيقظ
ذات يوم بثياب السهرة
ورذاذ البيانو القادم
من مكبرات وضعت بمهارة
في أرجاء الغرفة الكبيرة
في بيت الموت
يلفع الوجوه بدفئه الجنائزي
والكاهن الشديد الأناقة
يقسم باكياً لزوم الموقف
بأن الأشياء فانية
باستثناء الذكرى
المريرة الحضور والتفاصيل
ورجل نبوي الصفات
قيل زوراً ومؤكد بُهتان
أنَّهُ صُلب عنوةذات يوم بعيد
كنا قطيع في ورطة
مربوط إلى جثة السيدة المحنطة
التي ستأكلها الديدان بعد أسبوع
قطيعً أتى به ذئب الواجب
وأفعى المجاملة.
أوشكنا أن نرى المسيح الإنسان
يطبطب على الأكتاف
نواح الكاهن عجَّل في ذلك
حينما أفزعنا
صوت الفتاة المعاقة،..
كان لا بد أن تكون موجودة
ليكتمل المشهد،..
المجروح للحبيبة الميتة
وأباها العجوز الأصلع
يضمها إلى صدره
ويبكي انقصاف أربعون
عاماً من الحب!!
خرجنا واجمي الوجوه
لزوم المناسبة
تاركين وراءنا
المسيح وحده
في حضرة
الموت!.

 

سؤال


ماذا سيصنع رجل وحيد
في اليوم التالي عندما
يشرب القهوة حزيناً
بعد أربعين عاماً
من الفرح؟!!

 

لم يكن هكذا أبداً


لم يكن هكذا أبداً
كما رأيته أمام جثمان زوجته الميتة
مكسور حتى آخر نبضة في قلبه
لم يكن هكذا أبداً
الرجل ذو الهيبة الساطعة
في تستس بيتنا العالي
الذي لم نكن هو ونحن نملكه.

 

 

ثرثرة


السيدة المتصابية في أول كرسي
أخذت تلعق رقبة رجل
يشبهها من حيث الأنوثة
جلس إلى جوارها
يثرثر بصوت مسموع
بينما الموت يحدق بنا في غيظ
مع أننا كنا صامتين!.

 

ضحك


طفل ضحك فجأة
فملأ غرفة الموت بالربيع
طفل لم يتجاوز السنتين
أهدى الموت بضحكته اللثغاء
زهرة صغيرة للحياة.

 

مراجعة


كان الموت يراجع دفاتره بانفعال
وهو يتصفح وجوهنا واحداً واحداً
ويسأل نفسه باهتياج مكبوت
أينا سيكون ضيفه القادم؟!

 

 

شي ما انكسر


البنت الشقراء المصلوبة
إلى كرسيها المتحرك
شيء ما انكسر داخلها
أنينها عنوان الأسى
والصفير بطاقة احتجاج
البنت المعاقة في كل شيء
إلا من حنين يتوحش داخلها
المعاقة من كل اعتياد
إلا من حُزنٍ هائل
لامرأة تركتها وماتت!.

 

 

امرأة بيضاء من شمال الأرض


كانت جنازة مهيبة لامرأة
الصدفة جعلتني أراها ميتة
لم يكن الموت عنصرياً هذه المرة كما يبدو
كان عُرساً بمقاييس بلادي وناسها الفقراء
ناسها الذين يقدسون
طقس الموت القدري
دون أن يمنحهم لفتة مجاملة.
كانت جنازة مهيبة حقاً
لامرأة بيضاء
من الجهة الشمالية للأرض.

 

* عبدالناصر مجلي : شاعر وقاص وروائي وصحفي يمني أمريكي

ديترويت – صيف 97







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي