تأويل الغياب

2019-09-15

حميد سعيد*

 

تعودُ مُغنِّية الحيِّ بعدَ غيابٍ..

إلى الحيِّ..

تبحثُ عن صوتها لتلمَّ شتات الصدى

لم تجد أحدا

البيوت التي فارقتها.. رأتها

نُغَيِّر عاداتها

تَتَغيَّرُ..

جاراتُها لمْ يَعُدْنَ كما كُنَّ من قبلُ..

بعدَ ضمورِ الشذى ورحيلِ الحدائقِ

وحشُ الحرائقِ..

يَدْخُلُ في غَفلةِ العاطلين عن مُعجمِ القُرُنفُلِ

ذاكرةَ الغائبين في مُدُنٍ غائبةْ

. . . . . .

. . . . . .

تعودُ مُغَنِّية الحيِّ بعدَ غيابٍ..

إلى الحيِّ..

تَبحَثُ عن وتَرٍ

سلبتهُ الأعاصيرُ من عودِها

كُلُهم رحلوا..

مَنْ ستسألُ عن وتَرٍ..

سَلَبتهُ الأعاصيرُ من عودِها؟

للأناشيدِ إيقاعُها

هل ستدعو الأناشيدَ ثانيَةً..

لتُعيدَ إلى وردةِ الصمتِ..

ذاكِرَةً ذَبُلَتْ

ليسَ منْ أثَرِ..

ليسَ منْ حاضرٍ..

ليسَ مِنْ..

كانَ عُشّاقُها يحملونَ إليها الصباحات..

قبل الصباحِ

ويصطبحونَ بها.. وبزهو البخور العراقيِّ

بالمسكِ والعود والعنبر الملكيِّ

هلْ يتذكَّرُ عُشّاقًها ..

لونَ حنائها في أصابعها..

أينَ عشّاقها الآن؟

. . . . . .

تدنو على غير عادتها من مُعلَّقةِ الوهمِ

تدعو إلى ليلها.. الليلَ

كانَ وحيداَ..

إذْ اغترَبَ الشعرُ عنهُ

وفارقهُ حيث كان .. الغناءْ

مُدُنٌ نسبتها إلى الله.. أولى الحكاياتِ

وانتزعتها من الملحمةْ

أنزَلتها الأساطيرُ في منزلٍ كانَ.. فاعتزلتْ

بعدَ أن أنكرتها السماءْ

ما تبقّى من القولِ..

ليسَ من القولِ..

حتى عزيفُ الرياحِ يعاني من البلبلةْ

والبلادُ التي رافقتها الأناشيدُ.. منذ طفولتها

أدخلتها الأناشيدُ في معضلةْ

. . . . . .

. . . . . .

بينَ ليلِ مغنِّية الحيِّ.. والحيِّ

ما بينَ أحلامها والطريقْ

يَمُرُّ بها الغائبون.. أو تتخيَّلهمْ

ثمَّ تُدرِكُ إن الطريقَ إلى الحيِّ..

ليس الطريقْ

تُحاوِلُ أن تستعيدَ الذي كانَ..

كل الذي كانَ..

ما عادَ يفتحُ باباً لها..

في غياب الغناءْ

لمنْ سَتُغنّي ؟

ومَن سَيُعيدُ إلى مدن الماء

ما كانَ منْ كبرياءْ

وما كان من أمَلٍ بحضور حدائق غَنّاء..

في كلِّ دارْ

مَنْ يعود إلى مدنٍ..

يَتَعثَّرُ فيها الشذى بالظلام ْ

يَتَشرَّدُ فيها المحبّون والصادقونْ

مَن يعود إلى مدنٍ شاحبةْ

  • شاعر عراقي






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي