
جواد المومني*
«الصور الغائمة في رؤوسنا، نزرع فيها الروح حين ننفض عنها الغبار».
محمد الهرادي – معزوفة الأرنب
الجنون رؤيةٌ ثانيةٌ للمواقف.
هذا الجسد حكاية ليلٍ معترفٍ بالشلل.
البياض فيه تخلى عن جلاله،
واشتكى من غربة الصباح؛
فكل رحلةٍ توقفت، إنما ابتدأت أخرى.
الألوان لا تتغير، إنما هي زاوية النظر!
ضفة النهر المسترخية بلا ظلالٍ
ولا حشائش تخبرها بأحلام النيلوفر،
تنتظر
الفتى
المحايد الذي تعرى،
إلا من طقس الرجفة.
هاله أن تعيد إليه التربة بعض الأصوات
القادمة من باطن الأرض.
غلّق الثقوب
والعيون فتّح،
فانهالت الأحلام من جديدٍ، وعلى
مضافة بنات الماء، تواردت… زهرة اللوتس.
أحيت الحكاية ورطة السماء الجاحدة،
صديدها رحلت إلى
مفارش؛ بالفضيحة ترصعت.
أذنت للعرق صبيبه المنكر،
وللبحر أن يتشكل، ويكبر فيه الطُقسوس؛
قد حل، ليبيد… ما بالقلب!
حين يقابل دمعٌ ذوب شمع،
يدرك أن الصبر جبنٌ أمام الوجع.
الضفة المقابلة،
أفلس ضوء الشمس في اختراقها.
كان للزنبق العائم وجه خميلةٍ، منتشيةٍ.
احتفظ ببأسه،
من شرائط الجذور القوية.
غريبٌ في تجويفه،
شاعرٌ في عزلته،
طامعٌ في أنثى… تأتيه مزهوةً، كالحلم،
ترتعش أمامه،
تحرس وهمه وتخشى إحباطه!
إذ السرو في عليائه،
تاجرٌ عريقٌ، كل الهواء في قبضته،
مقاومٌ للغيرة… لحاؤه.
مهما شككت العيون،
يظل في تحديه، مأوى للهوام.
قاعدة الموت تقضي بالنهاية، أما الرحيل؛ فمستمر.
آخر الأحلام حل بطعم النسرين،
ورائحة التفاح تحاصر المكان.
اعتذرت لمسرى النهر ـ دليلي بين القصب ـ
حين ساح العبق؛
وما رغب عن صمتي،
سوى مزهريةٌ هدهدت حقائقي،
و أنبتتها مفاوز أخرى.
نحو الأفق
الأبيض، هوت بها،
دون الشمس كانت وأقرب إلى العراء.
فاحتمالٌ فوق السحاب
أحن من
قدرٍ يواري الغياب.
كل مكشوفٍ غايةٌ، وكل باطنٍ مرآةٌ.
مرعبةٌ هدأة العاصفة؛
تشعرني بضيقٍ.
أعلم أنها نزوةٌ. لذلك،
متى اهتزت أغصان الشجرة،
فرّ العنكب، وتسلق أعلى.
من السحر الأبيض ألا يعكس الجمر لون الدخان.
فإن احترست من البحر،
لا تأمن زبده!
هي كذلك، بعض الأحلام موتٌ،
وليس حلماً،
بعض الموت.
شاعر مغربي