أهذي من تلفٍ وأكتبُ كلَّ هذه القصائد لأنَّ عائشة سطرُ مسكٍ فيها - عبدالناصر مجلي

2025-10-24 | منذ 3 ساعة

اللوحة من الفن التشكيلي اليمني الحديث
كان علينا أن نغنِّي بصوتٍ طويل جدًّا حتى ندرك جيداً سِرَّ الوردة


كان علينا أن نرحل حتى تستطيعَ شمسُهم
أن تتثاءبَ دونَ مُراقبةٍ كما قِيْلَ لنا
رحلنا نحنُ القُساة حدَّ البكاء إلى أوَّل الماء
تسبقُنا مواويلُنا وكرائمُ الطَّير
كان علينا أن نغنِّي ليلاً طويلاً لكي يستقيمَ عطارد في مداره
كُنَّا قد خاصمنا وثَنَهُم الشَّمسيّ الذي لا تعرف حرارته
جلود أطفالنا الذين يُشبهون رُضَّعَ أرانبِ البَرّ
كفرنا بالنَّجمِ وشيبةِ القمر وحطَّمنا نوافذ سهيل
كي نخرج من جنَّتِهم الكاذبة ومن حومةِ كهنةِ القتلِ والمُراءاةِ
بدوٌ عُصاةٌ كُنَّا نسعى إلى منبع الفصاحة
نكرهُ مُراوغةَ الألوانِ إن لم تكن تحمل في شرايينها
هديلَ برارينا التي أقفلت بعدَنا على نفسها الأبواب
ذهبنا صوتاً واحداً لا ينقطع من الشَّجن
وشمسُنا المصنوعة بأيدينا تَسْطَعُ
من خُضرةِ الأغاني والصَّلوات
امتطينا صهواتِ الرَّواحِل وذهبنا إلى الضُّحى
ووراءنا كائنُ الظلام يُخيِّم على الدَّساكر
رحلنا ونحنُ نجومُ المفازاتِ البعيدة
إلى مساءات الحكايا والأناشيد
ونصبنا خيامنا على حافَّةِ الحنين
وعندما يدركُنا مخلوقُ التَّعَبِ ننام ملءَ أجفاننا
وقلوبنا كائناتٌ ساهرة لا تعرف الخوف.

أشياء مُخجلة أحياناً وهواجس يجب التَّذكير بها

لا بأس من سردِ بعض الأسرار المنتهية الصَّلاحية مثل أن:
أ- الأشياء تمرُّ مروراً مناسباً كما تقتضيه اللياقة على ظهري
كما لو كانت كائناً مليئاً بالأصداف غادرَهُ البحر.
ب- العشيقة السَّوداء
غير مهتمة بالصَّدأ المتعاقبة عليه الأمطار في ديترويت السَّكرانة
المليئة بالعاهراتِ والقَتَلة الطَّيبين الذين يُقسمون
بآلهاتٍ مجهولاتِ القبور مُتحفزِّي السَّكاكين
والكؤوس أمام عشيقاتهم بأنَّ الصَّدأ
لم يصل إلى قلوبهم بعد.. (كانت دافئةً عندما لا تُدرك مكائدي)
ج- الشَّاعر الذي يكتب هذه السُّطور هدَّته
سبعٌ ثقالٌ من شوق لمطر يغسل عورات جبال عجماء
في وطنه المُوغِل في الجغرافيا.
)الشَّاعر موبوء بضرورة الشوق حتى تكتمل أسطورته الجارحة).
د- الكحولُ برزخٌ مهزوز
ما بين التجمد عند نقطة الأسئلة المُجوَّفة
وما سوف يأتي به الصَّباح المُشمِّر عن ساعديه البيضاوين
إيذاناً ببداية أسبوع مُسَنَّنٍ بالعبودية.
)الكحول إناث شبقات مُذابات في قناني مُتهيِّجة.(
هـ.....................................................!!
نعم..
لا بأس من ذِكْرِ فتاةٍ أحبَّتني في الصَّف الخامس الابتدائي
اسمها عائشة!
)كانت تأتي عائشة بوجه يشبه صنعاء بعد المطر
فيذهب عنِّي البرد وأسقط مغشياً في الطُّرقات
أهذي بأسمائها الألف).


كما ينبغي لمليك عربي أن يذهب إلى الموت شاهراً سيفه

قذف بنفسه ذو نواس
آخر ملوك بني حِمْيَر في البحر
عندما دهمُهُ الأحباش والفِيَلَة
كان مجنوناً ببلاده
كان ملكاً مُتغطرساً كما ينبغي
لآخرِ ملوكِ العرب
كان يعشق الشِّواء في الهواء الطَّلق
)هل ليهودِيَّته دخلٌ في ذلك؟ أعني إنجاز الأخاديد!)
ما أدركه الآن
أنَّ السَّجائرَ نفدت من عُلبتي
وأنستني تكملة القراءة التَّاريخية
لكبرياء أعسر

 

دعوة مُحايدة خَلَت من فنون الولائم

هذا مساءٌ محايد
وصل به الرُّعب إلى درجة أشتكي فيها للسَّحابة خوفه
فأمطرت مجاملة على الرُّغم من أنف أغسطس المُتعجرف
مساء ارتجالي لا يضع النُّجوم القادمة إلى الحفلة في مقامها المفروض
أحياناً يجب احترام النُّجوم خصوصاً إذا أتت
مُتزيِّنة إلى حفلِ حضرته مُكرَهة
هذا بكل صراحة مساء قليل الأصل
لا يضع الكواكب في مقاماتها المناسبة.


عن البلاد الواقف أمام المرآة تمشط وديانها

آه...
بلادي التي تستيقظ الآن من نومها
وتقوم بغسل أسنانها جيداً أمام مرآة الصَّباح
وتدعك بصابونة البحر إبطيها من الخَمْطِ والدَّوم
غسلت جسدها جيِّداً من بُثور الحروب وبكتريا القتل
بلادي...
القادمة من جنوبِ جزيرةٍ محاصرةٍ بالرَّمل والأساطير
ذات الحكمة المُدَلَّلة والعمر المسبوك من طينِ وادي سبأ
قلتُ بلادي التي لا يعرفها سواي.

شرحٌ مُتردِّد عن سُطوع مَخْصِيّ

الحشَّاشون المُتوسِّدون أرائكهم
كانوا قبل أن يدركهم الإغماء
قد جدَّفوا كثيراً في النِّساءِ والنُّقودِ التي لا تأتي
وفي الله الذي كان يُراقبهم برحمةٍ لا يدركونها
كانوا فعلاً
قد عبروا حدود المساء لِيَصِلُوا فخورين
إلى انتصارهم السَّكران
لقد شربوا جيِّداً مثلَ أناسٍ ذاهبين إلى العطش
وناموا في أماكنهم تذرقُ عصافير الأحلام
على رؤوسهم المُطوّحة.

 

أنثى مغسولة بالكاكاو تنطق بالحكمة فوق سريرٍ علماني

قالت الفتاة السَّوداء:
كانا في الفراش،...
كلَّمته عن الحُبِّ الأمريكي البارد المشاعر
والسَّاخن المُلامسة
وعن الصُّراخ الوحشي لحظة الموت على ضفاف المحارم
أسمعته شهيقها العلماني
فخرجت كلُّ القبائل البدائية استعداداً للغزو
ونهض المدَّاحون من قبورهم لتأريخ الحدث
كانت فتاة الشُّوكلاتة شجاعة
في قول آياتِ الجمر على فراشٍ مُثْخَنٍ بالحرام
وأنا خاشعُ الإنصاتِ مُنتصِبُ الأحاسيس!

الشَّارع العاشق المتأخِّر عن موعده بسبب السَّيِّدة فرانكا

" ميتشجان أفنيو" طويل مثلَ ليلٍ يعلموه بداية السَّواد
والمطر يهطل غزيراً متصنعاً الغضب
مع أنَّه يودُّ الذَّهاب لمشاهدةِ "شارون ستون"
ترقصُ عاريةً بجسدها الكافر في" الكازينو"
والبنتُ الحلوة المكشوفة السَّاقين حدَّ الانهيار
كانت تحت مظلَّتها تنتظر الطَّرائد
كان مساءً مبلولاً لا يصلُح للقنص
لكن من يقنع فرانكا بالعودة إلى البيت
بحذائها المُستعار قبل هبوط القيامة؟!


الذين هَبُّوا صفاً واحداً إلى الواقعة وفي أيديهم زهر القرنفل

ذهبوا إلى الحرب
مثل ضيوف ذاهبين إلى حفلة
قبَّلوا نساءهم وطوَّحوا بالأطفال في الهواء
مزَّقوا الفضاء ضحكاً ودُخاناً من جمرِ سجائرِهم
تصنَّعوا شجاعةً بَدَتْ مُقنعةً جداً في صورتهم التّذكارية
التي مرَّتْ عليها عجلات ألف معركة ممَّا يعدُّون
لوَّحوا بقُبَّعاتهم الزيتية واختفوا
تضجُّ بين أصابعِهم رائحةُ القرنفلِ وسَكِينةِ الكاكي
وعندما سكتت الضَّغائن لم يعودوا
كانوا قد صدَّقوا حتى آخر زهرة قصَّة الذَّود والبسالة
والعلَم الذي يجب أن يظلَّ خفَّاقاً في بَرِّيةٍ تضجُّ بالجُثث
وهاهم هناك
وحدهم إلى الجهة اليسرى من العدم
ينتظرون بقيَّة الضيوف!!
عادت الحرب إلى بيتها وما عادوا
ماذا ينتظرون هناك وراء أحزان لا يعرفون عنها شيئاً
بملابسهم العسكرية الباهتة!!

 

أثر الحِنَّاء ساطع على الدَّرب الذي مرَّت منه المرأة المطر

رحلت المرأة القديمة المُبخَّرة بالمطر وحِقَبٌ عشر
فانفرطت عُرى القبائل تحت سقفِ المهالك البعيدة
وغادر الصَّيفُ مسرعاً احتجاجاً على المفاجأة
كان قد آن الأوان لتذهب تلك المرأة البحر في طفولته
والقامة التي تُشبه تهامة عند الضُّحى
رحلت في استدارةٍ كاملةٍ باتِّجاهٍ آخر مُلوِّحةً بأنهارِ يديها
والقبائل الخارجة من رحمها تصطخب في هرج عظيم!

 

كرنفال مُحَمَّى على أسياخٍ من زجاجٍ فارِه

يأتين فارهات الأجساد نافرات الرَّغبة
ثمَّة مكيدة في الأمر" ميتشجان أفنيو"* وأنا نعرف ذلك
تحت مظلَّة المساء تبدأ المُطارَدة
القطيع الأنثوي يستوثق بالزَّوايا
الزُّناةُ السَّكارى مثل قنافذ مأبونة
مُنكمِشون في عرباتهم المُقْفَلة يتربَّصون القنائص
والبوليسُ سمكُ قرشٍ في مياهٍ آسنة
ثمَّة لُعبةٌ قاطعةُ الرَّغائبَ تُمارَسُ كُلَّ ليل
لها رائحةٌ ضاريةٌ ومخالبُ ناريَّة تجوسُ في العتمة
بحثاً عن جمر يودُّ الانطفاء!
...............................
يأتين فارهاتِ الحقائب
والأثداء
ومحافظ الحيض.


وحشة مُهذَّبة الأنامل تُشْعِلُ حرائقها في بيت قلبي المهجور

ماذا يحدث لو أنَّني تصعّدتُ إلى محاقٍ فارغٍ
وتسيَّدتُ أعناقَ العباد
وصرختُ فيهم بما يشتعلُ في داخلي من نار
بما يئنُّ في تجاويفي من فَقْد
بما يرتجُّ في الذَّاكرة من وحشةٍ مهذَّبةِ الأنامل
تكتب لي تاريخَ شقائي المجيد
من ليالٍ عبرتني إلى غاياتٍ لم تَنَلْها أصابعي
من حُروقٍ وعثراتٍ وشهقاتٍ وأغانٍ خافتةٍ
من عمرٍ مُطرَّزٍ بالطَّعناتِ وحفلاتِ بناتِ آوى
من أشواقٍ وتهاليلَ وصلاةٍ وانسحاقٍ و.. بُكاء
من مسامير جَنَتْهَا الأطراف وغاصت عميقاً في الأحاسيس
من.. .
الكلب الذي نبحَ في وجهي ذات يوم
النَّهر الذي خانته الأسماك
البنت الثَّلجيَّة التي أدفأتها مواجيدي
فأزهرت نرجساً وريحانا
.............!!!
ماذا يحدث لو أنَّني
لم أطرح اشتعالاتي على قارعة الطَّريق
أو أخبرتُ أحداً بمشاريعي الفاشلة
ماذا يحدث؟!!!!

 

 وأخذت الحكاية نفسها ومضت إلى أول الكلام وأمطرت

عبّاظة..
امرأة بُنِيَتْ بين جدائلها بيوتٌ شاهقة
وأسوارٌ كُتِبَتْ عليها قصائدُ الغزل
وأُرْسِلَتْ بـ"الفاكس" إلى مكاتب الرُّواة.
بُنِيَتْ عام الدِّيك
وأفسد أهلها في موسم اليمامة
في خريف القصاص تسلَّق عبّاظ الأول إلى قمَّة "سُمارة" *
وفي منتصف البرد ركب السَّحابة المتوجهة إلى نقيل "الشّيم" *
لم تنم عبّاظة أبداً كما أخبر الرُّواة
لكن عظام الجد الأكبر وُجِدت منثورة
في أراضٍ بعيدة عن موطنِ الأجداد
فقامت الحرب ....!
لاحقاً ستصلُ التَّفاصيل
الجراد التي وصلت متأخِّرة
إلى أغنية الحقل الرَّيان
معاهدات السِّلم النَّائحة
على أرائك مُستورَدةٍ من بلادٍ صعبةِ التَّهجئة
...............!!!
عبّاظة
استيقظت من أحلامها
لتجدَ عند بابها جُثَثَ
كلّ فرسان الأرض مفقوءة الأعين
فمشت عليها مُوقنةً بالظَّفَر
وفي أقرب فندقٍ وضعت أحمالها
الجبالُ والسُّهولُ وأغاني الطَّير
وترجَّلت عن مواسمها وذهبت في نومٍ رئاسيٍّ مهيب
والآن من يجرؤ على إيقاظ عبّاظة من أحلامها المسفوحة الدَّم
والمُدجَّجة بفيالق الجداجد وزهر الحديد!!

 

 مِن عُواءٍ مُلحَّن تبدأ كتابة الغابة في بذلتها الأنيقة

أقبلت الذِّئابُ
مُستثارةً سائلةَ المُخاطِ في المناديل
يسبقُها عواءٌ مُلحَّنُ الأوصال
سدَّت المنافذ بروائح الكلونيا الصَّارخة
وحجبتْ ربطاتُ الأعناقِ
خيولَ الضَّوءِ من النَّفاذ
الذِّئاب التي عُلِّمت على مَهلٍ
مبادئَ النَّهشِ باردةَ الأعصاب
مشدودة الأصابع على قوارع النَّار
تتقدَّم بثباتٍ مَهُولٍ إلى الهاوية
هاوية صنعتها حماقاتٌ خاصَّة
تنهض من نومها الآن
.....................
الذِّئاب؟!!!!
-------------------
ديربورن- صيف2000م
____________________
هامش:
- ميتشجن أفنيو: شارع رئيسي في ديترويت.
- سُمارة: سلسلة جبليَّة شاهقة تقع في وسط اليمن
- نقيل: تعني في العامِّية اليمنية، الطَّريق المُعبَّد في جبل
- الشّيم: جبل شاهق يقع في وسط اليمن.











شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي