
الخرطوم- تعمل شبكة من المتطوعين السودانيين رُشحّت لنيل جائزة نوبل للسلام، على مساعدة السكان الجائعين والمهجرين، من خلال توزيع المساعدات الغذائية وبناء المساكن أو تنظيم عمليات الإجلاء، في هذا البلد الذي مزّقته سنتان من الحرب الضارية.
يقول ضياء الدين المالك لمراسل وكالة فرانس برس إن "غرفة الطوارئ" التي ينشط فيها تتألف من "أطباء ومهندسين وطلاب ومحاسبين وعاطلين عن العمل" يساهمون في تقديم يد العون لمجتمعهم المنكوب.
تتوزع غرف الطوارئ في مختلف أنحاء السودان، وينشط فيها آلاف المتطوعين، معظمهم من الشباب.
تعمل هذه الفرق خارج الأطر الرسمية، وغالبا بدعم من مؤسسات دولية تمنعها ظروف الحرب القاسية من إرسال فرقها الخاصة، فتعتمد على هذه المجموعات المحلية.
وتقول دينيس براون المنسقة الإنسانية للأمم المتحدة في السودان لوكالة فرانس برس "إنهم أشخاص ومنظمات لديهم تصميم وشجاعة ودراية بالواقع، يفهمون اللغة ويعرفون الحاجات".
- "القلب النابض" -
يقول مدير المجلس النروجي للاجئين شاشوات ساراف الداعم لهذه الشبكة "منذ اليوم الأول للحرب، كانت غرف الطوارئ والمتطوعون فيها القلب النابض للعمل الإنساني في السودان".
وتشمل جهودهم التعامل مع الحالات الطارئة، وإدارة المستشفيات، وإصلاح شبكات الماء والكهرباء، ومعالجة الجرحى، إضافة إلى بناء المدارس وتقديم الطعام والدعم النفسي لضحايا العنف الجنسي.
ويقول ضيا "في بداية الحرب كان الوضع سيئا، كانت الجثث في الشوارع".
ويضيف "في ظلّ غياب تام لأي فاعلين آخرين في المنطقة، كان على المواطنين أن يتحملوا المسؤولية".
في نيسان/أبريل 2023، بدأت الاشتباكات في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة حليفه السابق محمد حمدان دقلو، وسرعان ما غرق البلد في حرب طاحنة دفعت المتطوعين للتقدم إلى الخطوط الأمامية في العمل الإنساني، في ظلّ غياب المؤسسات الرسمية.
وبذلك، واصلت غرف الطوارئ العمل الذي اضطلعت به في وقت سابق لجان المقاومة، المتشكّلة في العام 2013 أثناء التظاهرات ضدّ الرئيس السابق عمر البشير، والتي كان لها دور كبير في إسقاطه.
في العام 2020، رسّخت لجان المقاومة حضورها مع تفشي جائحة كوفيد-19، وعملت بين نشاطات التوعية وحملات التلقيح.
يقول الصديق عيسى الذي ينشط في مدينة الدلنج المحاصرة في إقليم جنوب كردفان "قبل انضمامنا إلى غرفة الطوارئ بمدينة الدلنج (في أيار/مايو 2024)، كان معظم الأعضاء يعملون أو ينشطون في مجالات مرتبطة بالعمل الإنساني والمجتمعي".
ويعمل عيسى تحديدا على التوثيق ومتابعة النشاطات، وهو ضمن مجموعة من 36 متطوعا موزعين على الأقسام المختلقة بين العمل اللوجستي والعلاقات الخارجية والتدريب وحماية النساء والأمن.
وتقول أمجاهد موسى لمراسل وكالة فرانس برس إن متطوعي غرف الطوارئ "هم الوحيدون القادرون على مساعدتنا".
وتضيف هذه الشابة البالغة 22 عاما والمقيمة في الدلنج "لا نعرف ماذا كنا سنفعل من دونهم، لا نعرف كيف كنا سنعيش، نحن نأكل بفضلهم، وأحيانا يجلبون لنا الطحين والدواء، وأحيانا مجرد الكلمة الطيبة".
تقول الأمم المتحدة إن أكثر من أربعة ملايين شخص استفادوا من جهود غرف الطوارئ في الأشهر الأولى من الحرب.
في ولاية الجزيرة الزراعية، الواقعة جنوب شرق الخرطوم، عاد أكثر من مليون نازح إلى منازلهم بعدما استعاد الجيش السيطرة على المنطقة.
وهناك، أنشأت غرف الطوارئ أماكن آمنة للنساء والأطفال، ومراكز لتوزيع الأدوية الأساسية وتقديم الإسعافات الأولية، إضافة إلى الدعم النفسي والاجتماعي لضحايا العنف، بحسب ما تقول وفاء حسن المتحدثة باسم غرفة الطوارئ المحلية.
- مخاطر -
تعمل غرف الطوارئ في الأماكن الأكثر عزلة. ويجتهد متطوعوها في توثيق انتهاكات الجيش وقوات الدعم السريع ضد المدنيين. وتُعدّ بياناتهم مصادر قيّمة في بلد تعصف به الأخبار المضللة والشائعات والدعاية السياسية.
يتعامل طرفا النزاع بريبة مع متطوعي غرف الطوارئ، وهم يعيشون معرضين لشتى أنواع الأخطار، في مناخ عام من الخوف والعنف.
ويقول ضيا "أصعب شيء في عملنا حاليا هو خطورة التعرّض للاعتقال من الجهات الأمنية، لأنهم يظنون أن الغرف هي امتداد للثورة ولجان المقاومة". وقد اعتُقل عدد من رفاقهم كما يقولون.
في أيلول/سبتمبر الماضي، حصلت غرف الطوارئ على جائزة رافتو لحقوق الإنسان تكريما "لمبادراتها الخلاقة في التضامن والتشارك الاجتماعي". ورُشحت أيضا للحصول على جائزة نوبل للسلام التي ذهبت في نهاية الأمر إلى المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو.