
ديفيد تونين / ترجمة: إبراهيم فوزي
رجال بزيّ أخضر نظيف، أفواههم تمطر عبارات الكفر، يسبون اسم النبيّ وهم يقتادون الأحياء خارج القرية، أما الموتى فتمددوا كأكوام مبعثرة من القماش المهترئ. أجساد بلا ملامح. كتل ملقاة عند جدران منازل الطوب اللبن، تلك البيوت التي سكنتها الأرواح يوما، لكنها ستبقى الآن خاوية، لم يكن هناك جرحى.
عندما وصلت الميليشيا، كان أهل القرية يستعدون لصلاة الفجر، العتمة تغلف القرية، الأطفال نائمون في انتظار شمس ستشرق على أشجار الزيتون، والدا زينب عند البئر يتوضآن للصلاة.
زينب وحيدة في المنزل تستعد للصلاة، زينب في الثانية عشرة من العمر، لا تزال تخطو خطواتها الأولى نحو الالتزام بالصلوات اليومية. بينما تثبت حجابها، دخل رجلان من الباب، سمعت خطوات أقدامهما على التراب، استدارت، تعثرت، سقط الحجاب على الأرض بجانب سجادة الصلاة. وجّه الرجلان بنادقهم إلى صدرها، صرخا في وجهها وأمراها بالخروج. أطاعتهما، رفعت الحجاب من الأرض، ولفته على رأسها وكتفيها. قادها أحدهم إلى الخارج حافية القدمين، بينما الآخر راح يفتش البيت الصغير.
بكت زينب حين سمعت طلقات نارية مقبلة من ناحية البئر، بدأت بطلقات الأسلحة الآلية، واستمر ذلك حتى ابتعد صوت الفرقعة عن قلب القرية. على الفور، تجمع الأطفال والبالغون الأكبر سنا معها في عتمة الفجر، يبكون ويصرخون، وهم يساقون كالماشية نحو زريبة الغنم خلف البيوت، وأمروهم بالجلوس على الأرض. استولى الرعب على جسد زينب، جلست في الوحل، جسدها يرتجف، ودموعها تنهمر. أصوات الانفجارات تباعدت هنا وهناك، ثم توقفت.
حين أشرقت الشمس، أُمِر أهل القرية بالوقوف، ودفعهم القتلة نحو بستان الزيتون خلف البيوت، استحال عويل النساء إلى نشيج، لم يُطلق أي رصاص بعد ذلك. ساد صمت مطبق. تبعتهم زينب، نظرت إلى يسارها. كومة من الجثث تحت شجرة البرتقال التي يمتلكها أبو جميل. رائحة البرتقال تتغلغل في هواء الصباح، تتوهج الأزهار بضوء الفجر، جسد والدها ممدد على الأرض، وجهه باتجاه الجموع المصطفّة، عيناه مغمضتان، ساقه اليمنى ملتوية تحت اليسرى، قدماه حافيتان استعدادا للصلاة، قميصه الأبيض ملطخ بالدماء. بحثت عن أمها، ولم تجدها. جفت دموعها، واستحال وجهها إلى قناع بلا تعبير. الأحياء يمرون إلى جانب الأموات، الشاحنات تنتظرهم في ظل البستان الهادئ. وسط الزحام، تصعد زينب إلى مؤخرة شاحنة ستقلها بعيدا عن قريتها وأشجار الزيتون العتيقة. لكن زينب لم تعد أبدا، وبقي مصير أمها مجهولا.
ديفيد تونين، مستشار متقاعد في آي بي إم، اتخذ الكتابة هواية له بعد التقاعد، ويرى ديفيد أن الكتابة رياضة ذهنية ومحفز للحفاظ على صحة العقل مع التقدم في العمر. يستمد ديفيد إلهامه في الكتابة من تجاربه الغنية بالسفر حول العالم، وشغفه بالأنشطة الخارجية، لاسيما تسلق الجبال. عاش في العديد من الأماكن مثل جزر البهاما (على متن يخت شراعي، وهذا وحده مصدر للكثير من الحكايات)، وإيران، وهونغ كونغ، وبلجيكا. يميل ديفيد إلى كتابة المذكرات، والقصص القصيرة.
*إبرهيم فوزي، أكاديمي ومترجم أدبي مصري