نيويورك تايمز: فكرة ترامب عن امتلاك غزة تتجاهل الأسئلة الحقيقية.. ماذا سيفعل بحماس ومصير الدولة الفلسطينية؟  

2025-02-07

 

رغم تعهد نتنياهو بتدمير حماس وحكمها في غزة، إلا أنه لم يحقق أيا من الهدفين (أ ف ب)قال ستيفن إرلانغر، إن خطة الرئيس الأمريكي للسيطرة على غزة تحمل الكثير من المخاطر وحماس أكبرها، وستؤدي إلى عرقلة الجهود الدبلوماسية المتعبة.

وقال إن ترامب فاجأ العالم عندما أعلن أنه سيستولي على قطاع غزة ويحوله إلى “ريفيرا الشرق الأوسط” بعد تهجير سكانه الفلسطينيين منه. وهي فكرة غير واقعية وشاذة وتبدو وكأن ترامب يتحدث عن تحد خطير: مستقبل غزة كمكان آمن ويعيش السلام ومزدهر.

ووضع السفير الفرنسي السابق، جيرارد أرو، المعضلة بشكل دقيق: “تم تلقي مقترح ترامب عن غزة بعدم التصديق والمعارضة والسخرية، لكنه كما يفعل دائما بطريقته القاسية وغير المهذبة، طرح مسألة حقيقية: ماذا ستفعل مع مليوني مدني عندما يجدون أنفسهم وسط الأنقاض المليئة بالقنابل غير المتفجرة والجثث؟”.

وهذا موضوع ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتجنبه طوال الوقت، ورفض مناقشة أو المشاركة في النقاش حول من سيدير غزة بعد نهاية النزاع، خوفا من تأثر ائتلافه الحكومي، الذي يعتمد على الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تريد عودة الاستيطان إلى غزة.

ونقلت الصحيفة عن النائب لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق تشاك فريلتش قوله إن فكرة ترامب تبدو غريبة إلا أنها “إعادة ضبط تاريخية للحكمة الدبلوماسية على مدى عقد”. ويقول إن الفكرة على غرابتها وعدم واقعيتها، قد تجبر الأطراف على إعادة النظر في مواقفها وتؤدي إلى نافذة جديدة.

ويرى أستاذ دراسات الحرب في كلية كينغز كوليج لورنس فريدمان، أن ما وصفه ترامب بأنه عملية تهجير جماعي لفلسطينيي غزة، إلى الأردن ومصر اللتين رفضتا الفكرة، لن يحدث. مضيفا أن “ترامب هو رجل لا يريد التزامات عسكرية جديدة، والآن يريد نقل مليوني نسمة لا يريدون الذهاب إلى أماكن لا تريدهم” و”ترامب يلتقط المشكلة الحقيقية حول إعادة بناء غزة، والأمر المهم هو أنه يلتقط القضايا الحقيقية ويتجاهل القضايا السخيفة”. لكن ترامب فشل في  مؤتمره الصحافي يوم الثلاثاء أن يناقش المشاكل الكبرى التي ستواجه حلمه.

واحدة من هذه المشاكل، هي حماس التي هاجمت إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وأدت لرد إسرائيلي دمر معظم القطاع، وأدى لمقتل أكثر من 50,000 فلسطيني وجرح مئات الآلاف وتشريد مليوني نسمة.

ورغم تعهد نتنياهو بتدمير حماس وحكمها في غزة، إلا أنه لم يحقق أيا من الهدفين. ويواجه نتنياهو ضغوطا من اليمين المتطرف في ائتلافه لمواصلة الحرب بعد نهاية المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار. وكان ترامب واضحا بأنه لا يريد العودة إلى القتال مرة أخرى، لكن ليست لديه إجابة حول كيفية تفكيك حكم حماس في غزة، وهو شرط للحصول على الدعم العربي من أجل إعادة إعمار غزة.

وتبدو فكرة دخول القوات الأمريكية إلى غزة والقتال والموت على أرضها، غير منطقية، وبخاصة من رئيس أعلن عن رغبته بسحب قوات بلاده من العراق وأفغانستان وسوريا، وبالضرورة تورط أمريكا في الحرب التي لا تنتهي. ومن جهة أخرى، فتحقيق السلام كي تبدأ عملية الإعمار يعني نشر عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين لعقد قادم. وتراجع مسؤولو الإدارة الأمريكية يوم الأربعاء عن أفكار في خطة ترامب، قائلين إن أي عملية تهجير ستكون مؤقتة. ولكن حماس كانت واضحة بأنها لن تذهب إلى أي مكان وتعهدت بمواصلة مواجهة القوات الأمريكية كما فعلت مع القوات الإسرائيلية.

وشجب باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، مقترح ترامب، وقال في بيان إن نتنياهو فشل وبدعم من  الرئيس جو بايدن “بتشريد سكان قطاع غزة” و”ارتكاب إبادة جماعية ضد شعبنا” و”لن تنجح أي إدارة جديدة بتنفيذ هذا”.

وقال مايكل ميلشتاين، المحلل الإسرائيلي للشؤون الفلسطينية، ورئيس قسم فلسطين سابقا في الاستخبارات العسكرية، إنه في المناقشات مع مسؤولين أردنيين ومصريين وخليجيين وفلسطينيين، فـ”لا أحد يريد حتى مناقشة هذه الصفقة، لأنه لن يكون هناك استعداد من جانب حماس لإخلاء غزة، ولا أستطيع أن أجد دولة عربية واحدة أو زعيما على استعداد لقبول الفلسطينيين”.

وحتى لو لم يأت اقتراح ترامب بأي شيء، فإن مجرد طرحه الآن يهدد استقرار الأردن ومصر، وهما حليفان مهمان في الشرق الأوسط لهما أطول تاريخ من العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وبالتالي، فهو “غير مفهوم إستراتيجيا” كما قال توم فيليبس، السفير البريطاني السابق لدى إسرائيل والسعودية.

يقول ميليشتاين إن قبول الملك عبد الله الثاني، الذي سيقابل ترامب في الأسبوع المقبل، يعني “تقويض الأردن ونهاية الملك”. ويقول ميليشتاين وفيليبس إن هناك مخاوف بين الأردنيين عن وجود “مؤامرة صهيونية” لضم الضفة الغربية وخلق دولة فلسطينية في الأردن.

وفي الحالة المصرية، فقد تكون بحاجة إلى المساعدات الأمريكية، ولكن رئيسها عبد الفتاح السيسي معارض للإسلاميين، الذي حاول القضاء عليهم بوحشية في سيناء، وعلى الإخوان المسلمين، الذين كانت حماس جزءا منهم. وقال ميليشتاين إن فكرة السماح “لمئات الآلاف من الناس الذين يدعمون حماس بالدخول إلى مصر” فكرة لا يمكن تصورها. وحتى في ذروة القتال، أنشأ السيسي منطقة مسورة بالقرب من الحدود مع غزة في حالة دفع سكان غزة إلى مصر، لمنعهم من الذهاب إلى أبعد من ذلك. ومصر، التي تعتبر نفسها الدولة العربية الأكثر أهمية، لا تريد أن ينظر إليها على أنها تخضع للضغط من واشنطن.

ويتذكر كريستوف هوسغن، السفير الألماني السابق لدى الأمم المتحدة الذي يرأس مؤتمر ميونيخ للأمن، أن جاريد كوشنر، صهر ترامب، تحدث عن غزة باعتبارها أرضا عظيمة العام الماضي، لكنه اقترح بعد ذلك إعادة توطين سكان غزة في النقب بإسرائيل. وقال إن الدول العربية سترفض ببساطة نقل السكان، “والطريقة الأخرى الوحيدة هي القوة العسكرية، وهذا يعني الإبادة الجماعية”.

وقال هوسغن إن السعوديين يطالبون بدولة فلسطينية يعارضها نتنياهو، ويقول ترامب “إنه يريد الخروج من الصراعات”، وليس إرسال قوات أمريكية إلى صراع آخر. معلقا: “يبدو أن الأمر قد مات منذ البداية”.

وتقول الصحيفة إن محادثات دبلوماسية جادة، تحت قيادة بايدن، حول نوع من التحالف الدولي للإشراف على غزة وإعادة إعمارها، والذي من شأنه أن يشمل مسؤولين من السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى تحت رعاية السلطة الفلسطينية الضعيفة بقيادة محمود عباس على الأقل. وهذا يفترض أن حماس لن تكون مسيطرة على القطاع بعد الآن.

ولكن حماس ليس لديها أي نية للتخلي عن سيطرتها أو أهدافها، ناهيك عن نزع سلاحها. وقد أعربت عن استعدادها لإنشاء “لجنة إدارية” لحكم غزة مع أطراف أخرى، بما في ذلك الدول العربية والسلطة الفلسطينية، وتوسيع نطاق المبادرة المصرية. ويعتقد أن مثل هذه اللجنة ليست سوى غطاء تجميلي يسمح لحماس بالاحتفاظ بالسيطرة على الأمن مع تقليص مسؤوليتها عن الحكم المدني.

وكان ترامب صامتا بشأن الدولة الفلسطينية التي أصبحت مطلبا سعوديا، حيث سارع السعوديون بإصدار بيان بعد مقترح ترامب أكدوا على أهمية الدولة الفلسطينية كشرط للتطبيع. وهي بالضبط النتيجة التي تعهد نتنياهو بمنعها.

وبالنسبة لسيمون ليدين، التي عملت نائبة لوزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط خلال رئاسته، إن ترامب كان يحدد موقفا تفاوضيا أوليا. وقالت إن هذا “موقف أولي”، “إنه تفاوض.. إنه الشرق الأوسط”.

وقالت ليدين إن نجاح ترامب في المساعدة بصياغة اتفاقيات إبراهيم لعام 2020، “كان يعتمد على وضع النموذج جانبا والاعتراف بأنه مكسور”، والآن يحاول إعادة ضبط المحادثة. وأضافت أن ترامب تحدث عن القوات الأمريكية، لكنه “ترك الباب مفتوحا لأطراف أخرى للمشاركة أو تولي الأمر”.

ومع ذلك، لا يزال هناك قدر هائل من الشكوك في المنطقة بشأن قدرة واشنطن على بناء الدول في الشرق الأوسط، بعد الإخفاقات الأمريكية في العراق وأفغانستان، أو بشأن استعدادها للبقاء على نفس المسار لسنوات عديدة. كما طغى اقتراح ترامب على المشكلة الحقيقية والحاضرة في غزة: ما إذا كانت إسرائيل وحماس ستنجحان في تجاوز المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار إلى المرحلة الثانية الأكثر صعوبة، والتي تنطوي على تنازلات إسرائيلية لم يكن نتنياهو راغبا في تقديمها حتى الآن. وقد تعهد شركاؤه في الائتلاف بإسقاط الحكومة إذا قدمها وأنهى الحرب فعليا مع بقاء حماس قائمة.

ويبقى أن نرى ما إذا كان ترامب، من خلال اقتراحه، قد ساعد نتنياهو في تهدئة شركائه، فضلا عن ما إذا كان الرئيس يواصل الضغط على نتنياهو لإبرام هذه الصفقة بغض النظر عن الثمن السياسي.








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي