عاصمة الثقافة الأوروبية توحّد مدينتين فرّقتهما الانقسامات التاريخية  

أ ف ب-الامة برس
2025-02-07

 

 

منظر لساحة أوروبا الواقعة على الحدود بين إيطاليا وسلوفينيا في 30 كانون الثاني/يناير 2025 (أ ف ب)   ستكون صفة عاصمة الثقافة الأوروبية هذه السنة، للمرة الأولى، عابرة للحدود، وستجمع تحت رايتها نوفا غوريتسا في سلوفينيا وغوريزيا في إيطاليا اللتين كانتا في ما مضى مدينة واحدة قسمتها معاهدة باريس عام 1948.

تتذكر أنيا ميدفيد "ألم" جدتها التي انفصلت عن بقية عائلتها بموجب معاهدة باريس التي قسمت مسقط رأسها غوريزيا بين إيطاليا ويوغوسلافيا بعد الحرب العالمية الثانية.

ومذاك، اختفت الأسلاك الشائكة: فقد انضمت سلوفينيا، بعد استقلالها، إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004، ثم إلى فضاء شنغن، وفي هذا العام، توحّد عاصمة الثقافة الأوروبية، لأول مرة عبر الحدود، غوريزيا وتوأمتها نوفا غوريتسا.

ففي عام 1948، قررت السلطات اليوغوسلافية التي ورثت بشكل رئيسي أراضي تقع على مشارف الوسط التاريخي في الجزء الشرقي، بناء مدينة جديدة ترمز إلى قوة الشيوعية.

وبين المدينتين، خط لسكك الحديد وأحيانا ساحات وحقول وحدائق مقسمة.

وقد أمضت ميدفيد التي تعمل الآن كمخرجة أفلام وثائقية، جلّ حياتها في استكشاف هذه الحدود "التي تكتنز ثروة من المعلومات، ومن الجروح الناجمة عن فظائع التاريخ والندوب الدائمة".

والآن، وهي في السادسة والخمسين من عمرها، تحتفظ ميدفيد بذكريات سعيدة من هذه المرحلة، بعيدة كل البعد عن التجربة "المؤلمة" التي عاشتها جدتها. وبعدما كان الوضع في المنطقة أشبه بالستار الحديدي الذي قسّم أوروبا لعقود بعد الحرب العالمية الثانية، جرى توزيع تصاريح مرور على السكان المحليين منذ ستينات القرن العشرين، وأصبحت الحدود الفاصلة أقل انغلاقا.

مسلحة بهذا التصريح الثمين، كانت أنيا في صغرها تهوى "ركوب دراجتها والذهاب إلى عالم إيطالي مختلف تماما".

- "بلا حدود" -

وقالت لوكالة فرانس برس "الرائحة والألوان والحافلات: من المفارقات أنها كانت تملأني بشعور بالحرية"، مشيدة بهذا المشروع الثقافي الذي تعتقد أنه يحمل دروسا لأوروبا.

وأضافت "إذا كان هناك أي شيء يمكن تعلّمه" من الشهادات التي جُمعت، "فهو أن الحروب لا تقدّم حلولا".

"بلا حدود"... هو شعار هذه الفعاليات التي تنطلق السبت وتضم أكثر من 400 حدث تسعى من خلالها عاصمة الثقافة الأوروبية إلى استعادة هذا "الماضي المؤلم" ولكن أيضا "إزالة الحواجز الذهنية"، وفق ما تؤكد مديرة الحدث ميا لوربيك.

من ناحية، تعرض مدينة غوريزيا، بتاريخها الذي يمتد لأكثر من ألف عام، مزيجا من الأساليب المعمارية لأوروبا الوسطى بشوارعها المرصوفة بالحصى ومبانيها الملونة. من ناحية أخرى، تتميز مدينة نوفا غوريتسا، التي يعود تاريخها لثمانية عقود، بمبانيها على الطراز الاشتراكي الحداثي، وشوارعها الواسعة وحدائقها وجامعاتها.

غير أن المصائر تبدّلت: إذ باتت نوفا غوريتسا التي يبلغ عدد سكانها 13 ألف نسمة، وجهة محببة، فيما شهدت غوريزيا إغلاق متاجرها وانخفاض عدد سكانها إلى النصف في غضون 30 عاما، ليتراجع إلى 32 ألف نسمة.

وقال الناشر الإيطالي أندريا بيلافيته، مؤلف دليل سياحي عن المدينتين، "أحب أن أتخيلهما كأختين متعارضتين تماما لكنهما من خلال التقارب يمكنهما أن تشكلا نموذجا يُحتذى به في أوروبا".

وأشار إلى أنه بعد مرحلة قصيرة من العداء، أعقبتها فترة طويلة من اللامبالاة، بات هناك أشكال تعاون كثيرة بين الجهتين، وربما قريبا سنشهد "اختفاء الجدار" تماما الذي لا يزال يفصل بينهما في أذهان الناس.

- مثوى شارل العاشر الأخير -

في هذه الأرض ذات التنوع التاريخي، تشكّل فعاليات العاصمة الثقافية فرصة لعرض كنز غير معروف للسياح: قبر الملك شارل العاشر، آخر حكام فرنسا من سلالة بوربون.

بعد تنازله عن العرش، وجد ملجأ في النمسا والمجر، أولا في براغ ثم في هذه المدينة الصغيرة ذات المناخ المعتدل، والتي أطلق عليها آنذاك لقب "نيس هابسبورغ"، وتوفي هناك بسبب المرض في عام 1836.

في حين ورثت إيطاليا قلعة غوريزيا التي تعود إلى العصور الوسطى عندما جرى تقسيم الإقليم في عام 1947، فإن سلوفينيا يمكن أن تفتخر بأنها موطن لدير الفرنسيسكان في كوستانييفيكا، الذي يقع على التل المطل على نوفا غوريتسا، حيث يرقد الملك وخمسة أعضاء من عائلته في مثواهم الأخير.

وتقول أمينة مكتبة الدير ميريام بريسيلي مبتسمة، وهي تُظهر للزوار بفخر المكان الذي كان يمكن للملك أن يراه من فراش موته من خلال النافذة "نحن السلوفينيين ليس لدينا ملك خاص بنا، وهذا يعني أن شارل العاشر هو الملك الوحيد المدفون على أرضنا".

تقول أنيا ميدفيد مازحة "هذه مفارقة الحدود: من كان ليتصور أن ملكا فرنسيا سيُدفن في نوفا غوريتسا، المدينة الاشتراكية؟"، "هذا دليل على أننا لا نستطيع التعامل بكل شيء من خلال قوالب نمطية".








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي