![](/img/grey.gif)
يُقدّر سوق "التحول الرقمي Digital Transformation" حاليًا بمئات المليارات من الدولارات، ومن المتوقع حسب بيانات موقع "Markets and Markets"، أن يتجاوز حجمه 3 تريليونات دولار بنهاية العقد الحالي، بينما تُحاول الكثير من الشركات تبنى الرقمنة في جميع عملياتها، مع الاعتماد الكامل على التكنولوجيا، تماشيًا مع الموجة العالمية، بحسب الرجل.
ولعل هذا التوجه يمثل عين الصواب، فالشركات التي تقاوم التقنية حاليًا، مصيرها الهلاك عاجلًا أم آجلًا، ولذلك نصحبك في السطور التالية لتناول مفهوم التحول الرقمي، وفوائده، وكيف يمكنك كقائد أو كصاحب شركة أن تتبناه.
ما المقصود باستراتيجية التحول الرقمي؟
تشرح استراتيجية التحول الرقمي بالتفصيل، آلية استخدام شركة أو مؤسسة ما للتقنيات الرقمية، بهدف إنشاء منتجات أو خدمات جديدة وبشكلٍ مستمر. بالإضافة إلى ذلك، توضّح استراتيجية التحول الرقمي الآلية، المُستخدمة لإعادة هندسة المنتجات الحالية، بحيث تُناسب احتياجات العمليات وظروف السوق المتطورة بشكلٍ سريع.
علاوة على ذلك، تُوضح استراتيجية التحول الرقمي ما تريد المنظمات والشركات تحقيقه، وتوفر توجيهًا عالي المستوى فيما يتعلق بكيفية استخدام التقنيات الرقمية للوصول إلى هذه الأهداف، التي ينبغي أن تُركز الاستراتيجية خلالها على العملاء، وأن تكون مدفوعة بالنتائج التي يرغب أصحاب العمل في تحقيقها. وبحسب الخبراء، فإن تقنية المعلومات والتحول الرقمي في الأعمال يهدفان إلى إعادة تشكيل القدرات التنافسية في المنظمات على المدى الطويل.
وبحسب المستشارين التنفيذيين والإداريين، تُعد استراتيجية التحول الرقمي في الأعمال أمرًا ضروريًا لا يمكن للمؤسسات أن تستغني اليوم عنه.
كيف يمكن للتحول الرقمي أن يعزز النمو والابتكار؟
هناك أكثر من سببٍ يدعوك كصاحب شركة أو صانع قرار إلى التحول الرقمي، وعلى رأس هذه الأسباب تعزيز النمو والابتكار التكنولوجي، ولكن كيف؟
بالنسبة للنمو، فإن التحول الرقمي يساعد على الأتمتة والتحسين الرقمي، حيث تتولى الآلات المهام الروتينية، وتقلل من فرص حدوث الأخطاء البشرية، ما يخلق للموظفين المساحة اللازمة للتركيز على استراتيجيات ومهام أكثر أهمية.
كذلك يُساعد التحول الرقمي على إدارة البيانات المركزية من مصادر متعددة، ما يوفر الوقت ويُحسن من عملية صنع القرار، فضلًا عن تعزيز الإنتاجية، عن طريق تقليل الأخطاء المرتبطة بالمعالجة اليدوية للبيانات.
من ناحية أخرى، يُبسط التحول الرقمي العمليات بأكثر من شكل، فالتخلص من الورق -على سبيل المثال- والاستغناء عن كل الأشياء الفيزيائية المادية بأخرى رقمية، يسهل من الوصول، ويسرع العمليات، كما يسمح للفرق أن تتعاون مع بعضها بشكلٍ أفضل.
أما عن الابتكار، فالأدوات الرقمية تسمح بإنشاء نماذج أولية للمنتجات والخدمات الجديدة بسرعةٍ وإتقان، بالإضافة إلى أنها توفر فرص عمل، وتساعد على تحسين المنتجات والخدمات بناءً على احتياجات العملاء، وإذا فكرنا في الأمر، سيتضح أن جزئية الابتكار هذه تصب في النهاية في مصلحة الإنتاجية.
كيف تبدأ رحلة التحول الرقمي في شركتك؟
بدايةً عليك أن تعرف أن استراتيجيات التحول الرقمي تختلف كثيرًا عن بعضها، وأن الأمر يعتمد بشكلٍ كبير على نوع القطاع نفسه، حيث يختلف التحول الرقمي في الصناعة أو القطاع الصناعي، عن التحول الرقمي في القطاع الطبي، عنه في القطاع التجاري. ومع ذلك، هناك عدة خطوات يمكن تطبيقها على جميع الشركات أو المؤسسات بغض النظر عن طبيعتها.
أفضل الممارسات لتحقيق التحول الرقمي بنجاح
1. قيّم الوضع واحرص على انخراط الجميع:
قبل أن تُجري أي تغيير، عليك أن تعرف سبب شروعك في هذه الرحلة والهدف منها أساسًا، فاسأل نفسك:
- هل تستغرق العمليات لديّ وقتًا طويلًا؟
- هل أواجه مشكلات متكررة في تجربة العملاء؟
- هل يمكنني مراقبة سلسلة التوريد وتتبع المخزون الحقيقي بسهولة؟
- هل أوفر للموظفين الأدوات الرقمية اللازمة لإنجاز مهامهم؟
كل هذه الأسئلة وشبيهاتها ستساعدك على تحديد نقاط الضعف الحالية والعمل على تحسينها.
وكجزءٍ من عملية التحول الرقمي أيضًا، عليك أن تتواصل مع جميع الأطراف المعنية لفهم احتياجاتهم، والأطراف المعنية هنا يُقصد بهم الموظفون والعاملون في أقسام: المالية، والمبيعات، والتسويق، وتطوير المنتجات، وخطوط الإنتاج، وكل من له صلة بالأمر، فاطلب استشارتهم، وأصغ لمقترحاتهم عبر النقاشات المباشرة، أو أي طريقة تفضلها، المهم أن تتأكد من فهم واهتمام الجميع باستراتيجية التحول الرقمي، والحرص على ألا تكون مدفوعةً بآراء المديرين التنفيذيين، لأن هذا قد يؤدي إلى إغفال الكثير من الاحتياجات.
2. احرص على موافقة الإدارة العليا:
تحتاج التحولات الرقمية الناجحة إلى إيمانٍ حقيقي من الجميع عمومًا، والإدارة العليا أو التنفيذية على وجه الخصوص، فهناك دور كبير للقيادة في نجاح التحول الرقمي. وعلى كل عضوٍ في القيادة التنفيذية أن يكون داعمًا للتحول الرقمي منذ البداية، وهذا سيؤدي بالتبعية إلى تشجيع الفرق حتى تستفيد المؤسسة بأكملها على المدى الطويل.
ويجب أن تتضمن هذه الخطوة أيضًا تخطيطًا ماليًا مدروسًا، ومعرفة تكاليف رأس المال معرفةً جيدة، فتذكر أن التحول الرقمي والاستثمار في تقنية المعلومات هو استثمارٌ طويل الأجل، ولكنه أيضًا رحلة مستمرة تتطلب مرونةً عالية، وإيمانًا مستمرًا من صناع القرار.
3. استمع إلى المخاوف وحاول أن تقنع الجميع:
تُسبب سيرة الأتمتة، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات الجديدة عمومًا قلقًا لبعض الموظفين، خاصة الذين يخشون التغيير، ولذلك عليك أن تستمع إلى هذه المخاوف جيدًا، وتحاول طمأنة الجميع وإقناعهم بأن هذا تغييرٌ للصالح العام، وأن الصناعات التي لا تعتمد على التكنولوجيا اليوم تندثر أو ستندثر.
ولحسن الحظ فإن هذه المهمة ليست بتلك الصعوبة التي قد يتخيلها بعض المديرين، والأهم من ذلك أن تنفيذها يزيد من فرص النجاح بشكل كبير.
4. اختر فريقك وابدأ التنفيذ:
الآن، بعد أن أصبح الجميع مقتنعًا تمامًا بالتحول الرقمي، حان الوقت لتحديد من سيشاركك رحلة التنفيذ، فحاول أن تختار فريقًا متعدد الوظائف؛ يشمل المديرين والموظفين في الأقسام المختلفة، حتى تضمن أن يكون الأمر شاملًا لمعظم الخبرات.
بالطبع ستحتاج إلى تحقيق التوازن بين تخصيص الموارد الكافية لنجاح مبادرتك، والاحتفاظ بعددٍ كافٍ من الموظفين لضمان استمرارية العمل، وقد يتطلب ذلك توظيف أشخاص جدد، أو الاستثمار في مستشارين خارجيين، وهذا أحد الأسباب الداعية للتخطيط المالي المدروس.
5. حدد الحلول الرقمية:
الخطوة التالية في خطة التحول الرقمي الخاصة بك هي: تحديد الحلول والموارد الرقمية التي تحتاج إليها شركتك بالضبط، وستساعدك الخطوة الأولى على ذلك، ويجب عليك أن تُحدد كل الموارد والأنظمة، بدءًا من أنظمة تخطيط موارد المؤسسة ERP، مرورًا بأنظمة إدارة دورة حياة المنتج PLM، ووصولًا إلى برامج إدارة الأصول المؤسسية EAM وأدوات ذكاء الأعمال BI.
ويُنصح في هذه المرحلة أن تهتم بشيئين:
- خيارات النشر السحابي، لمميزاتها الكثيرة مثل: تعزيز الأمن السيبراني، وقابلية التوسع، والوصول السهل.
- البرامج المفيدة، التي يحتاج إليها العمل حقًا، وهذه المهمة تحتاج إلى الاستعانة بخبراء.
6. خطط المسار:
بالعودة للتخطيط مرة أخرى، ستحتاج إلى وضع خطة استراتيجية تُحدد فيها الإجراءات المختلفة التي يجب عليك تنفيذها، والتغييرات التي يجب إجراؤها، مع تحديد الأولويات ومراعاة السيناريوهات المختلفة قدر المستطاع، فاسأل نفسك مرةً أخرى:
هل هناك مهمة معينة يجب إكمالها قبل البدء في مهام أخرى؟
هل عليك أن تتخذ قرارات مادية معينة قبل أن تستخدم هذا النظام أو ذاك من أنظمة الـ ERP؟
ما هو نظام الـ ERP الذي يجب عليّ استخدامه؟
ولماذا يستخدم؟
والهدف من هذه الأسئلة هو تقليل فرص ظهور المشكلات، والحرص على اكتمال استراتيجية التحول بأكثر طريقة سلسة.
7. ابدأ بنظام تخطيط موارد المؤسسة:
انتهينا من التخطيط وحان وقت التنفيذ الفعليّ، فشمّر ساعديك وانطلق من حيث تنطلق عديد من الشركات؛ من نظام تخطيط موارد المؤسسة ERP، وسواء كنت ترغب في ترقية النظام القديم أو الانتقال إلى السحابة أو استخدام هذا البرنامج لأول مرة، فإن العثور على النظام المناسب يُمكن أن يوفر أساسًا قويًا لعملية التحول الرقمي بأكملها.
قُم برقمنة العمليات الورقية، وحوّل المستندات والإجراءات الورقية إلى صيغ رقمية لتسهيل الوصول والكفاءة، وقم بتركيب الأجهزة والأدوات في موقع العمل، وتأكد من أنها جاهزة ويمكن الاعتماد عليها، بدلًا من الأنظمة أو الطرق التقليدية القديمة.
التحديات والحلول في عملية التحول الرقمي
1. مقاومة الشركة للتغيير:
لعله التحدي الأول والأكثر خطورة في وجه التحول الرقمي، وعادةً ما تكون مقاومة التغيير هنا مقاومةً فكرية متجذرة، ونابعة من الخوف من المجهول، أو فقدان الأمن الوظيفي، أو عدم الراحة والتكيف مع القيادة الرقمية والأدوات التكنولوجية الجديدة.
الحل: يكمن في التواصل الفعال، حيث يجب على القادة والموظفين أن يتواصلوا بشفافية، ويؤمنوا بأهمية الرقمنة، وأن تطبيقها سيعود بالنفع على الجميع، كما أشرنا سابقًا، ويجب على القادة أيضًا أن يُبددوا مخاوف موظفيهم ويقنعوهم بأن التكنولوجيا توفر فرصًا أكثر مما تهدد من الوظائف.
2. نقص المواهب وفجوة المهارات:
من الطبيعي أن ينتاب القلق الكثيرين، في ظل نقص المواهب ووجود فجوة كبيرة في المهارات، وعند الوصول لمرحلةٍ معينة من التحول الرقمي، تزداد قيمة المهارات جدًا، ولسوء الحظ أن عديدًا من الجهات والمنظمات تواجه تحديًا هائلًا، متمثلًا في نقص المواهب والكفاءات اللازمة للتعامل مع الأدوات والآلات التقنية.
الحل: تحتاج المنظمات إلى التأني في البحث عن المواهب، والاستثمار في البرامج التدريبية، وتزويد الموظفين بأحدث المهارات الموجودة في السوق، وطبعًا يتطلب هذا الأمر تخصيص ميزانية معينة لذلك، ولكنه استثمارٌ ممتاز ستظهر نتائجه عاجلًا أم آجلًا.
3. أمان البيانات والخصوصية:
إذا كانت المؤسسة تحتفظ بمعلومات حساسة، فإن التحول الرقمي يعني الاعتماد على التقنية، والتقنية تعنى احتمالية التعرض لاختراقات سيبرانية، ومن ثم احتمالية تشويه السمعة، وتحمل عواقب قانونية وخيمة، وفقدان ثقة العملاء.
الحل: يجب على المنظمات الاستثمار في تدابير أمن سيبراني قوية، وإنشاء أُطر شاملة لحوكمة البيانات، وهذا أيضًا من أنواع الاستثمار طويل الأمد الذي سيعود بالنفع على المؤسسة، خاصةً إذا كانت كبيرة.
كانت هذه أبرز التحديات التي تواجه التحول الرقمي في الشركات والمؤسسات، وبالطبع هناك تحديات أخرى، غير أن ما ذكرناه كان أهمها وأكثرها أولوية، وعلى كلٍ، يظل مفهوم الرقمنة والتحول الرقمي من أهم المفاهيم في عالم الأعمال اليوم، ودونه، ربما لا يُمكن لأي شركة أن تنجو.