دمٌ ودمْ

2025-01-23

شهباء شهاب*

 

دمٌ ودمْ
دمُنا ودمُهم
الدمُ البشرّي نفسه
ولكنهما لا يتساويان
دمٌ غالٍ ودمٌ رخيصْ
دمُ السّادةِ
ودمُ العبيد
مَن قال إننا متساوون في الإنسانية
مَن قال إننا متساوون في الأهمية
رغم أننا نعيشُ على الكرة الأرضية نفسها
**
يهتزُّ العالم برّمته ويرتجُّ رجاً
حينما يُقتل سيدٌ من السّادة
العالم يرتجِفُ ويرعدُ غضباً
العالم يتحدُّ لأخذ الثأر
يصبح العالم دولةً واحدةً
دولةٌ توحدَّت بالثأرِ لمقتلِ سيدٍ من السّادة
تضجُّ الصحف والمجلات والقنوات بالخبر الجلل
وتلعن مَن ارتكب الجريمة
العالم كلّه حزينٌ يذرف الدموع
العالم كلّه يتأسى على فداحة الخسارة الكبيرة
والحزن يعمُّ الشوارع والطرقات
لأن سَيِّداً من الأسياد قد غاب عن الحياة
**
العالم الصلّد البارد يزأرُ زئيراً متوحشاً
العبيدُ لا بدّ أن يظلّوا في الخيام مشردين
العبيد لا بدّ أن يبقوا جوعى وعطشى
وبلا سقفٍ ومأوى
العبيد لا بدّ أن يرزحوا تحت المطر والثلج والبرد
فَلندَع الريحَ العاتيةَ تعبثُ بخيامهم فتقتلعها قلعاً وتبعثرها
وليُغرِقُ المطرُ فَرشَهم وأغطيتهم
لا بدّ أن يظلّوا تائهين لا يدرون أين يولّون
والعالمُ الصلّد البارد يُطالع صورهم ويهزُّ كَتفيه بلامبالاة
مَن يكترثُ بالعبيد
إن عاشوا وإن ماتوا
إن جاعوا وإن عطشوا
العبيدُ ليسوا بشراً
العبيدُ ليسوا سوى كَومةٍ من القُمامة
**
يخوضُ الأطفال بأقدامهم الصغيرة الناعمة في الطين
يبحثون بين الشقوقِ والأشجار والأحجار عن كسرةِ خُبزٍ هنا أو هناك
أو عن أغصانٍ يابسةٍ يوقدون بها ناراً
العبيدُ لا يستحقون الدفء والفراش الناعم
العبيدُ لا يستحقون الحصول على الطعام بكرامة
كما يفعلُ الأسياد
بل لا بدّ من جعلهم يتقاتلون ويتدافعون
ويقفزُ بعضهم فوق بعضٍ
من أجلِ رغيفٍ من الخبز
أو قَصْعةٍ من الرزّ
يتهافتون على الطعام تهافتاً
ويتواثبون فوق بعضهم بعضاً
ويتكالبون على وجبةِ طعامٍ بائسة
بعد أن فتك بهم الجوع فتكاً
كما تتكالبُ الوحوش الجائعة على الفريسة
والشاطرُ هو الذي يتسلّقُ ظهور جميع العبيد
ليفوز برغيفٍ من الخبز أو قَصْعةٍ من ُالرزّ
**
هكذا أراد الأسياد لهم
هكذا أرادوا أن تكون صورهم في الصحف والمجلات والقنوات
بشرٌ سلبهم الجوع آدميتهم وكرامتهم
هكذا حوّل الأسيادُ الأحرارَ إلى عبيد
يتزاحمُ الكبارُ والصغار والمسنّون حول قدور الطعام
يطوّقون القدور ويتهافتون عليها
يتقاتلون فيما بينهم للحصول على رمقٍ للحياة
كلّ يحمل وعاءه في يمينه
فترتطم رؤوس الأطفال اللّينة بالقدور والأواني المعدنية
التي يحملها الجياع
يصرخ الأطفال وجعاً ورؤوسهم الصغيرة
تضربها وتسحقها القدورُ المقعقعة
ويظلّ الأطفال صامدين غير مبالين برؤوسهم
ترطمها القدور المعدنية الثقيلة
ويُسحقون تحتَ تدافعِ أقدامِ الجموع
هذا الألم سيزول عند الحصول على الطعام الساخن
يصرخون وجعاً وهلعاً
ويظلّون صامدين
يحدّثون أنفسهم سننسى وجع رؤوسنا الجريحة
بعد أن نملأ البطون الخاوية
يستمتع السادةُ بمراقبة هذه الجموع المتكالبة
على قدور الطعام
يفرحون أنهم تمكّنوا من سحق وإذلال هؤلاء الأحرار
يضحكون ملء الأشداقِ لصراخهم وعويلهم وعراكهم
والنشوةُ تغرقهم بتحويلِ الأحرارِ إلى عبيدٍ أذلاء
**
أطفالٌ أذلاءٌ جوعى ومشردون
أطرافهم متجمدةٌ وعروقهم يابسة
ملابسهم ممزقّة ومتسّخة
أطفالٌ تلاشت كلّ أحلامهم
ولم يبق لهم سوى الحُلم بوجبةِ طعام ساخنة
والعالم الصلّد البارد
يمرُّ بهم يراهم ولا يُبصرَهم
يرى أشلاء خيامهم المبلّلة بالمطر
يشاهد أقدامهم الصغيرة وقد كساها الطين
وحولّها لجواربٍ وأحذية من طين
**
لِمَ كان كلّ هذا الذي حصل
لِمَ فُجرّت البيوتُ فوق رؤوس ساكنيها
لِمَ تحوّلت المنازل العامرةُ بالأضواء والدفء والطعام
الى خرائبَ تسكنها الأشباح
لِمَ كان لا بد أن يتشرّد الأحرار
ويصبحون عبيداً بعد عزٍّ
كيف أصبح العراء والطين منزلاً لهم
أين ذهبت مدارسهم وأسواقهم ومساجدهم
كيفَ اختفت كتبهم وملابسهم وأحذيتهم
كيف يعيشون في خيمةٍ في العراء
دون أثاثٍ وفرشٍ وكهرباء وماء
يلتحفون أكتافهم وأجسادهم عَوارٍ
وأفئدتهم هواء
**
كيف فُرِضتْ عليهم حياةُ الموت هذه
دون أن يكون لهم الخيار بالرفض أو الاعتراض
لماذا لم يصرخوا بأعلى أصواتهم نحن لا نريدُ حرباً
نحن لا نريد حرباً خاسرةً
نحن لا نريد حرباً تُسفكُ فيها دماؤنا دون ثمن
نحن لا نريد حرباً لا نصرَ لنا فيها
مَنْ كممّ أفواههم
مَنْ أخرسهم
مَنْ غسلَ أدمَغتهم واحتال عليهم
مَنْ أقنعهم أنّ التُرابَ والحَجرَ أثمنَ من دمِ الإنسان
مَنْ أقنعهم بأنّ التُرابَ والحَجرَ أثمنَ من خُبزِ الإنسان
مَنْ أخبرهم أنّ الحربَ دربُ الوصول إلى الكرامة
لماذا لم يخبروهم أنّ الحربَ ستغتالُ هذهِ الكرامة
لماذا لم يخبروهم أنّ الإنسانَ لا يَحيا دون
سَكَنٍ ودفءٍ وأكلٍ وشُربٍ
لتكون له كرامة
لماذا خدعوهم ولم يخبروهم
أنّه لا نصر في حربٍ مع الوحوشِ القذرةِ الغادرة
والمحاربين رؤوسُهم بين الفُكُوك والأنياب
لماذا؟


*كاتبة من العراق

 








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي